إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

عن الأدب الرقمي في عالمنا العربي

إن تفاعل الأدب مع الإنترنت في التسعينيات من القرن الماضي أدى إلى بروز “الأدب الرقمي” أو “الأدب الإلكتروني” بمختلف أنواعه التفاعلية من (رواية رقمية، وقصة رقمية، وشعر رقمي، ومسرحية رقمية … وغيرها)، وقد تميز أساسًا هذا النوع من الأدب بالتفاعل المباشر مع المتلقي عبر اعتماد تقنية الـ “هايبر تكست” (النص المترابط) ودمج مختلف الوسائط الإلكترونية من (نص وصوت وصورة) ولهذا يدعى أيضا بـ “الأدب التفاعلي”، وإضافة إلى هذا فقد صاحبته العديد من المصطلحات المفاهيمية الجديدة على غرار (النص الرقمي، والكاتب الرقمي، والمتلقي الرقمي، والوسيط الرقمي، والبلاغة الرقمية).

وقد أولى النقاد العرب منذ بداية الألفية الثالثة اهتمامًا كبيرًا بهذه التجارب الإبداعية الجديدة، وتفاعلوا معها أيما تفاعل مستبشرين لها بمستقبل واعد، ولعل من أبرز هؤلاء المغربي سعيد يقطين، الذي كان له دور رائد في وضع أسسه المعرفية على المستوى العربي، والتنظير له، والتعريف به، بالإضافة إلى المصرية عبير سلامة، والإماراتية فاطمة البريكي … وغيرهم من النقاد، وأما من الأدباء العرب الذين كانوا سباقين إلى محاكاة هذا النوع الجديد من الأدب فنجد الأردني محمد سناجلة في “الرواية التفاعلية”، والعراقي عباس مشتاق معن في “الشعر التفاعلي”، والمغربي الراحل محمد أشويكة في “القصة التفاعلية”.

غير أن ولوج هذا الأدب لحقل الدراسات العربية لم يكن بتلك السهولة حيث سادته فوضى كبيرة في المصطلحات والمفاهيم ما زالت مستمرة إلى اليوم، خاصة وأن أغلب مفرداته غربية، ونابعة أصلًا من فضاء وسياق معرفي غربي، وقد اختلف النقاد في تسمياتها تمامًا، كما اختلفوا في تعريفاتها ومفاهيمها.. وعلاوة على هذا فإن الاختلافات الغربية حول مفهوم هذا الأدب في حد ذاته قد انتقلت أيضًا إلى العالم العربي على غرار إمكانية صف الأدب الورقي المنشور على الإنترنت في خانة “الأدب الرقمي” من عدمه، بل وهناك من الأدباء والنقاد من يشكك حتى في وجود “أدب رقمي” خصوصًا، وأن الأديب في هذا المجال إضافة إلى إبداعه الأدبي فإن عليه أن يكون أيضًا مبرمجًا وذي خبرة كافية في التعامل مع الحاسوب وتطبيقاته (كالفلاش بلاير، والفوتوشوب، والجرافيك)، معتبرين أن هذه الأمور تشوه الإبداع الأدبي، وتجعله أقرب إلى “الترفيه” منه إلى الأدب الحقيقي، وهذا لطغيان التقانة عليه، فالإبداع الأدبي عندهم يخرج عن “أدبيته” بمجرد جعل التقنية صفة ملازمة له، وأساسية لوجوده بعيدًا عن روحه الأصلية والتي هي فعل كتابة إنساني يعبر عبر الكلمات، وفي جو من الخيال والواقع عن مشاعر وأحاسيس ورؤى معينة، فضلًا عن أن العمل سيصبح بهذه الطريقة “تعدديا تشاركيا” بمجرد إضافة رسوم وأصوات وموسيقى عليه هي حتما ستكون من إبداع آخرين أو حتى “جمعيا” إذا ما ساهم المتلقي في كتابة النص ضمن علاقة حوارية مباشرة وشبه متكافئة.

إن تفاعل الأدب مع تكنولوجيات الحاسوب وشبكة الإنترنت أدى أيضًا في بلدان العالم المتقدم إلى بروز أساليب جديدة للنشر الإلكتروني، تندرج أحيانًا ضمن “الأدب الرقمي” أو تتقاطع معه، وبالتالي ظهور دوري لأشكال جديدة للأجناس الأدبية التقليدية، والتي صار لها جمهور من القراء والمتابعين، وخصوصًا في مجال الرواية، ففي بريطانيا مثلًا عرفت “رواية المعجبين (فان فيكشن) انتشارًا بين فئة المراهقين وأما في اليابان الرائدة في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال فقد صار لـ “رواية الهاتف الخلوي” فيها تأثيرًا في حركية الرواية اليابانية بشكل عام.

وعمومًا فإن الاهتمام بـ “الأدب الرقمي” في البلدان العربية لا يزال محتشمًا تمامًا كما في الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهر لأول مرة مقارنة طبعًا بالأدب الورقي التقليدي، كما أن انتشاره لا يزال محدودًا ولا يلقى صدى لدى أغلبية الأدباء، والنقاد، والأوساط الأكاديمية والإعلامية، والأهم من كل هذا جمهور القراء .. وهذا على الرغم من تبلور “ثقافة رقمية” بارزة بمختلف هذه البلدان والترويج الذي يلقاه هذا النوع الجديد من الأدب في العديد من المواقع الإلكترونية الأدبية العربية … وغيرها، وكذا إقامة تظاهرات خاصة به، بل وظهور حتى هيئات هادفة لتطويره، والرقي به سواء على المستوى العالمي أو المحلي العربي على غرار “المنظمة العالمية للأدب الإلكتروني” التي تأسست بمدينة شيكاجو الأمريكية عام 1999 و”اتحاد كتاب الإنترنت العرب” الذي تأسس بالأردن في 2005.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

الكاتب والأديب الجزائري/ إدريس بو سكين

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88