مفهوم الحضارة الحقيقية، المثلى لا المزيفة!

ليس كل ما يلمع ذهبا .. حقيقة لا يختلف عليها اثنان ..  أتتفق معي في هذا؟ الحضارة الحقيقية، والأخرى المزيفة .. لقد قرأت الكثير عن الحضارة، وأهميتها وأنواعها، فلم أجد ما يسميه حضارة، وإني لأراه واهما! تربية السوالف بحيث تجد القذارة مكان رحبا وخصبا لها؛ لترتع وتمرح!
ولا أنسى تطويل السوالف بلا داعٍ ولا موجب لذلك، زد على ذلك بشاعة المنظر.

ليس حضارة .. ركوب السيارات الفخمة، إضافة الأبواق المزعجة، والصور الفاضحة على جنبات السيارة، وقيادة السيارة بسرعة جنونية، أضف لما سبق ما يسمونه (التعفيط).

ليس حضارة .. سماع الأغاني، والأغاني الأجنبية فقط، وقد أطلقوا على هذه الظاهرة، غذاء الروح، وإشباع الأذن بما يلذ ويستطاب، زورا وبهتانا، وتقليد كل ما هو أجنبي.

وفي نظرهم البلدي الكخة بلغة شعبية .. هذا ليس حضارة، وعجبي!
النظافة حيث تتقي شر الأمراض، وتبدو بمظهر لائق جميل وجذاب، متمثلا بقول الله سبحانه وتعالى: (وثيابك فطهر)

حضارة .. نعم وقمة الحضارة.
الاعتدال في قيادة واستخدام السيارة، امتطاء صهوة جواد.
رحم الله شاعر الحكمة، القائل:

الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم

والقول الجميل: الخيل في نواصيها الخير.

ممارسة بعض أنواع من الرياضة.

وقد حاكوا القول الشهير: العقل السليم في الجسم السليم

حضارة وقمة الحضارة .. التقيد بالنظام، والتزام واحترام المواعيد والمواثيق، والتحلي بالأخلاق الحميدة الفاضلة، وتعلم العلم والعمل بموجبه، لماذا؟

لأنه: علم بلا عمل كشجر بلا ثمر .. وينطبق عليه أيضا: أسمع جعجعة ولا أرى طحينا. فآه ثم ألف آهو وآه .. وعجبي .. كل ما سبق.

وما أشبه حضارة وقمة الحضارة .. فشتان ما بين الحضارة الحقيقية والحضارة المزيفة والبؤن شاسع، ومر، وضار، وقاس.

وأخيرًا أتساءل:

أين نحن الآن ما بين الحضارة الحقيقية والحضارة المزيفة؟ ومن قبيل: تفاءلوا بالخير تجدوه، أسأل الله صادقا أن نكون على مقربة من الحضارة الحقيقية، وكما تعلم، أن الكمال لله وحده، فإن لم تصله فادع الله صادقا مخلصا أن تكون قريبًا منه.

حسن الخلق

قال الله تعالى مخاطبا رسولنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عليه الصلاة والسلام: (وإنك لعلى خلق عظيم).

وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

قال عبيد بن عمر: قلت لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها: صِفي لي خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: أما تقرأ القران؟ كان خلقه القرآن، والقرآن يجمع كل فضيلة ويحث عليها، وينهي عن كل نقيصة، ويخوف منها.

ولما نزل قول الله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (ما هذا يا جبريل .. قال: إن الله يأمرك أن تَصِل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك)، وإنما اقتصر جبريل على هذه الكلمات، لأنها أصول الفضائل، وينبوع المناقب، لأن في أخذ العفو، صلة القاطع، والصفح عن الظالم، وإعطاء المانع. وفي الأمر بالمعروف، تقوى الله، وصلة الرحم، وصون اللسان، وغض الطرف عن الحرمات، وفي تقوى الله جميع آداب الشرع، فرضها ونفلها.

شعر وشاعر

أبو العلاء المعري: شاعر مبدع، صاحب اللزوميات وسقط الزند، ورسالة الغفران. يقول البعض أنه رهين المحبسين، وهذا لقبه، لسجنه، وفقده بصره، إلا أن الشاعر يقول أنه رهين ثلاثة سجون:

أراني في الثلاثة من سجوني

فلا تسأل عن الخبر النبيث (لشرير).

لفقدي ناظري ولزوم بيتي

وكون النفس في الجسد الخبيث

فالثلاثة كما ترى، حسب قول الشاعر، فقد البصر، وسجن البيت، وكون النفس في الجسد الخبيث. وقد تأثر أبو العلاء المعري بالمتنبي، وكلاهما من من فحول الشعراء.

ألا ترى ذلك؟
من فحول الشعراء في العصر العباسي الذهبي! واهتم بآثاره، فشرح ديوانه وسماه معجز أحمد، وكان المعري إذا أنشد قول المتنبي:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم،

قال: (أنا الأعمى) وعوضه الله بقوة البصيرة عن فقده لبصره، فكان متقد الذكاء، واسع العلم والاطلاع، له يد في الحديث، والفقه، والفروع والمذاهب، وباع طويل في اللغة، والنحو، والأدب، حتى قال عنه التبريزي: (ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة، ولم يعرفها المعري) وحسبك باللزوم والغفران دليلا على ما نقول، وكان أبو العلاء ملما بعلم المِلل والأديان، وفرق المسلمين، واسع الاطلاع في التاريخ والأخبار، وكان أستاذا في علم العروض والقافية.

ومن جيد شعره قوله:

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب

فأين القبور من عهد عاد؟

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض

إلا من هذه الأجساد

وقبيح بنا وإن قدم العهد

هوان الآباء والأجداد

(سقط الزند)

الكاتب الفلسطيني/ عيسى السعدي