إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

هل فعلًا سيغير كورونا من الأنساق الذهنية للأدب؟

حتى و لو افترضنا حياة العزلة كمنحنى للتغيير.. النصوص كانت قبلًا أبعد من مجرد الريثم الحداثي للتشكيل.. كانت نص السؤال الباحث عن إجابات، الباحث عن معنى في زمن مكتظ بازدحام خطوط الحياة وأنساقها، وازدحام افتراضاتها الفكرية ومفهماتها الفلسفية، موضوعات وتصورات وطروحا وتوجهات. سيزداد السؤال تشظيًّا، وسيزداد المعنى المبحوث عنه اتساعًا. في عالم بدأ يخرج عن سيطرة الإنسان الصانع الذي اخترق حرية الطبيعة وسطا عليها وصنعها.. فتحولت على يديه إلى عالم أداتي يعاد تشكيله من جديد؛ فغير أنساق القيم ومرجعيات الفكر وقوانين الحياة.. لكن الطبيعة بقيت متأبية عليه في فكرة الموت.. وجدوى الحياة ذاتها، بل وفيه هو ذاته ككائن يطرح وجوده المتجوهر حول لغز الكينونة أكثر الأسئلة إلحاحًا، وأكثرها تصادمية، وأكثرها إعجازًا له هو نفسه.. فهو وحده المعني بالفهم والمعنى، وفي هذه المرحلة تحول إلى كائن مادي استهلاكي، وحاول التخلص من القيم وجماليات الجمال، والمرويات الكبرى التي أدارت أنساق وجوده منذ فجر التاريخ، كالهويات والأديان والتاريخ والجماعات الأممية والقومية.. ليتجرد من السمات التي ارتبطت به منذ عصور؛ فنشهد تفكيك الهويات والقيم والجماليات والأمم والأوطان، وتهيمن حالات التشظي والاغتراب والمصالح المادية التي تدير العالم والدول، وتفرض الحروب والهجرات والمآسي.

ومن زمن الأداة التي خلقها الإنسان الصانع وجعلها طوع أمره، انتقل إلى خلق الآلة والبيغ داتا التي بدأت تنفصل عنه وتحقق استقلالها، بل بفرض سيطرتها عليه والهيمنة على عقله وسلوكياته وجيناته.

إننا إزاء مأزق جديد وعالم جديد، يتحول فيه الإنسان إلى أقسى أنواع العبودية وفقدان الحرية.. لا بمفهومها السياسي، وحتى الإنساني المقابل للزنوجة التي تعي وضعها الأنطولوجي الاستعبادي، لكنها كانت عاجزة عن تجاوزه، وبمجرد ما استطاعت فعلت، والتي تؤكدها ثورات الزنوج عبر العصور جماعات وأفراد. بل سنشهد وضعًا جديدًا غير مسبوق من الاستعباد، يفقد فيه الإنسان السيطرة على أبسط سلوكياته،، بل يفقد فيه الوعي بما هو عليه تمامًا، ويتحول إلى الألية، وهو أشد الأوضاع والمراحل الإنسانية ضياعًا وتشظيًا وتيهانا، وهو ما تتنبأ به النصوص والفنون التي سيتوجه إليها الإنسان بعد كورونا منطلقا من استشكال السؤالات الكبرى للوجود.. بمنطق من يتخبط بحثا عن الملاذ، وحنينا في زمن المنافي الوجودية إلى الأصل المفقود.

الإنسان – الطبيعة في اتساع البراري الوحشية (بمفهومها الفطري – الطبيعة دون تدخل خارجي عنها) الأولى الجميلة.. تلك التي تنام فينا منذ عصور، ستتحول إلى حلم وحنين يداعب خيالات الشعراء والفنانين، بل وإلى أحد المناطق التي سيستكشفها الخيال العلمي من جديد.

إننا في طريق العود على بدء.

الكاتبة الجزائرية/ د. سليمة مسعودي

مقالات ذات صلة

‫55 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88