إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

في العراق.. الأجيال تتصادم والديناصورات تتشبثّ

المراهنة على إسقاط التجربة الديمقراطية العراقية، تبدأ بتعزيز الفكرة القائلة بأنها غير خلاّقة، وليست ولاّدة لجيل سياسي جديد، يجدّد دماء العملية السياسية ويرفدها بعوامل التطوير والتحديث.

ما يحدث هو العكس، بعد أنْ تمكّنت المؤسسة السياسية من رفْد كيانها بوجوه جديدة، فضلاً عن أطر جديدة في العمل النخبوي، والشعبي، بدأ في إدراك مطالب التظاهرات وتقمّص دور الشباب في الطور المقبل، وانتهاءً بتشكيل الحكومة الجديدة.

النظام الديمقراطي الناجح في بلدان العالم المختلفة، يخلع جلده القديم، بسلاسة من دون عنف وهيجان، عبر انتخابات، ونزوع إلى التغيير، فاسحًا المجال أمام الجيل الجديد، لتنفيذ رؤيته للواقع، وكان من مفاعيل ذلك، أنْ ارتفع إلى مركز القرار، شاب مثل ماكرون في فرنسا، وترودو في كندا، وروتة في هولندا، الذين يمثّلون الجيل الأصغر سنًّا، والأكثر قدرة على مداواة أسقام العصر الذي ينتسبون إليه.

الديمقراطيات الفاشلة، أو الصورية، معوقة وفق التجارب، عن امتلاك آلية إزاحية للأجيال، وهي أقرب ما تكون إلى كونها “كهوليات” حزبية أو جهوية، يتحكّم فيها سياسيون هرِمون يمارسون الأدوار الشمولية بواجهات ديمقراطية.

اشتباك الأجيال السياسية، ظاهرة إنسانية وحياتية قبل كل شيء، تتمازج فيها التجربة، وصولًا إلى النجاحات.

الديمقراطية العراقية تتوطّد اليوم، في برهانيْن: الأول: صعود زعامات شابة إلى السلطات التشريعية والتنفيذية، والثاني: التصدي الشبابي للاحتجاجات، وكيف أصبح الشباب والفتيان، مادة ساحة التظاهرات، ما يعني أن الهيكل الديمقراطي العراقي يتجاوز التقادم، والركون باتجاه عصرنة المشهد وتجديد شبابه في المواءمة والتحديث العمْري.

إلى وقت قريب، كانت هناك خشية في العراق من صِدام الأجيال السياسية، خصوصًا في ذروة التظاهرات، فيما يلوح في الأفق الآن تجاذب ناعم بين الأحزاب التقليدية، ودعاة التجديد والتغيير، الأمر الذي سيثمر عن حوار عصري، يستوعب القيادات الشبابية في مؤسسات الدولة وفي الأحزاب، وفي النواب، حيث البرلمان العراقي اليوم يضم بين صفوفه، عددًا لا بأس به من الأعضاء الشباب.

المتوقّع، أن الديمقراطية العراقية سوف تتجاوز الاشتباك بين الأحقاب، رغم الصراع الموجود بين محافِظين ومدنيين، أو يمين ويسار، وأنْ تعزّز الكهولة السياسية تجربتها في نقلها إلى قيادات شابة قادرة على استيعاب متحوّلات الحاضر، وتجاوز أخطاء اختبارات دول كثيرة أسقطتها انفرادية الجيل “القديم” بمواقعه، الأمر الذي أدى إلى انفجارات مجتمعية، نتيجة إقصاء الأجيال الأصغر.

إن من مصلحة البلاد، تحريك الأجيال الراكدة، وإقحام الشباب في مؤسسات الدولة، وفي كيانات الأحزاب والكتل السياسية، باتجاه تغيير البُنية التقليدية الكبيرة التي رأت بأمّ عينها ازدحام ساحات التحرير بهتافات الشباب المتمرد على الأوضاع.

يرى (كارل مانهايم) أحد مؤسسي علم الاجتماع الكلاسيكي، وعلم اجتماع المعرفة في نظريته عن الأجيال السياسية أن جيل الألفية هو النموذج الذي يقود العالم بتجارب عصرية تميّزه عن شيوخه، وهو الظاهرة البارزة في أوروبا والولايات المتحدة، معتبرًا أنّ جيل “المواطنين الرقميين”، أكثر تثقيفًا من أي جيل سابق في الولايات المتحدة، وتتزايد قاعدتهم الجماهيرية بشكل واضح، ويُبرزون التقاطع مع كهول السياسة المسيطرين على قرارات العالم المتقدم بكل جرأة.

وإذا طبّقنا نظرية (مانهايم) على العراق، نجد أن الحركات السياسية والاجتماعية في العراق، يقودها اليوم فتوة ينشدون التغيير عبر الديمقراطية.

الانتخابات في العراق سوف تشهد إقبال الناخبين الأصغر سنًّا، وفق ما أوحت به حماستهم للمشاركة في المسيرات الاحتجاجية، ما يوجب الاستعداد لنقطة انقلاب تاريخية، تأرجح المعادلات السياسية، باقتحام جيل الألفية المشهد، وهو يحمل قيمًا وأولويات جديدة، ولن يمضي الطويل من الوقت حتى يسيطر على سياستنا.

يجب أن نستعد للتغيير، لأن الذين لا يريدون أن يتشكلوا من قبل الماضي، يريدون صياغة المستقبل.

وتأمل.. حينما الديناصورات تأبى النزول من الصخرة.

الكاتب العراقي/ عدنان أبوزيد

مقالات ذات صلة

‫56 تعليقات

  1. لمست التماسك بين الفقرات والتدرج بها من فقرة إلى أخرى؛ لإيصال الفكرة إلى القارئ.

  2. يجب أن نستعد للتغيير، لأن الذين لا يريدون أن يتشكلوا من قبل الماضي، يريدون صياغة المستقبل.فعلا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88