زوايا وأقلاممشاركات وكتابات

وقفات تربويه (٢): الصحه النفسية للأطفال

يعد الوالدان الخلية الأولى في بناء الطفل؛ فالوالدان هما المجتمع الأول للطفل والبيئة التي من خلالها يتفاعل منذ تأسيسه، لأنها تحتضن الطفل في سنواته الأولى التي من خلالها يكتسب الكثير من الملامح الشخصية المهمه والسلوكيات؛ لذا فإن الخبرات الأسرية التي يعيشها الطفل في بدايته تحدد الكثير من شخصيته وتكوين اتجاهاته، وتعد من أهم الخبرات في حياة الطفل

في أحد الأيام جاءني اتصال من صديق:

عندما حادثني شعرت بالحزن في صوته، وقال لي لقد سجن ابن أخي، وهو متخرج من الثانوي، ولد طيب ولكن الصحبة السيئة.

لماذا نعزي ذلك بالصحبة ونحن بالأساس لم نهيئ أبناءنا نفسيًّا وتربويًّا وقيميًّا.

ما الذي يرونه هؤلاء الأبناء في أقرانهم، ولم يرونه من آبائهم ما الذي لامسوه بهم ولم يلامسوه في آبائهم.

قفوا لوهلة.. فكروا بتروٍّ

كيف يستقيم أبناؤنا؟ وكيف يكون دورنا؟ هل نحن عونٌ أم أننا سبب؟!

تكلمنا في مقال سابق عن الصحة النفسية، وأكرر كثيرًا.. التركيز على هذا الجانب لأنه هو الأساس في تكوين شخصية الطفل منذ السنة الأولى.

عندما تنجب الأطفال فملكيتك انتقلت إلى الأبناء، فلست ملك نفسك بل ملك أبنائك.. تذكر هذا جيدًا، فالأسرة هي المسؤول الأول عن تكوين شخصية الطفل وبناء جميع الملامح الحياتية في حياته.

يشتكون الآباء عندما يصبح أبناؤهم في عمر المراهقة والثانوي والجامعة في عدم السيطرة على أبنائهم، وهم لا يعلمون أن ذلك نتاج بنائهم، فكيف يكون البناء والأساس هش لا يستطيع المقاومة؟

كيف لك أن تنتظر الأفضل من ابنك وأنت لم تقدم له الأفضل، بل جعلته هشّ الشخصية، ذو شخصية فاقدة للثقة. وذلك ما صنعت يداك وكان عليه فكرك في تربية أبنائك.

ينظرون إلى التربية بمنظورهم، وتربية آبائهم السابقة باختلاف الأجيال والتفكير.

اختلفت التربية واختلفت مداخلها في وقتنا الحاضر؛ فلا بد أن نواكب كل التغييرات في أبنائنا، وأن نجعل لهم قاعده نفسية أساسية في عملية التربية في التوازن التام بين التحفيز والعقاب وفتح الحوار معهم؛ كي يستطيعوا التعبير عن ذواتهم وتتغير نظرتهم لأنفسهم من سلبية إلى إيجابية؛ فنظرة الطفل لنفسه يحددها والديه من خلال ما يكون من مؤثرات نفسية من التربية داخل البيت أو خارجه ومعرفة السيطرة على المواقف أيًّا كانت حدتها؛ فما يحدث للطفل في حياته ومرحلة المراهقه ما هو إلا انعكاس لما كان عليه الوالدان داخل البيت.

أتذكر طالبًا بالصف الثالث الابتدائي، في عام من الأعوام رأيته حزين الملامح جدًّا، كان وقت الفسحة ورأيته وحيدًا بالفصل، يبكي بشدة؛ سألته: “مابك؟” قال لي وقلبه يعتصر من الألم: “أبي خاصم ماما وكان بيضربها”، أخذته جانبًا وتحدثت معه أن بابا يحب ماما ولكن هذا نقاش وحوار عادي.

انتبهوا لمثل تلك التصرفات. إن كان لديكم بعض الإشكاليات، فحلها:
أولًا: نقاشاتكم تكون بعيدة عن أطفالكم، فتكون بينكم دون مرأى أو مسمع من أبنائكم.

ثانيًا: إن كان النقاش في موضوع يستحق الحِدَّة، إما أن يخرج الوالدان خارج البيت، أو في وقت لاويكون به الأطفال بالبيت، فبعض التغيرات المفاجئة داخل البيت تؤثر على تكوين الطفل النفسي ومنه يؤثر على ملامح شخصيته؛ فتكون هناك ردّات فعل سلبية على الطفل، إما قريبة أو بعيدة المدى، بما يعني أن التأثير السلبي عليها مؤكد.

ما نراه أحيانًا يدمي القلوب ويشعرنا بالأسى على أطفال ليس ذنبهم شيء غير أن داخل الأسرة مفكك ولا يحتويه الاحترام وتبادل المشاعر.

فالطفل لا بد أن يعيش في تكوين أسري هاديء محب لبعضه، ويرى ذلك في الأسرة.

في بعض الحالات نستطيع أن نجد لها حلولًا باختلاف شخصيات الأطفال، لكن البعض يحتاج تدخلات طبية، وهذا ما نفعله أحيانًا، ولكن مهما كان الفعل والعلاج؛ إذا لم تدرك الأسرة الخلل ومعالجته سريعًا لن نستطيع أن نؤثر؛ فالطفل مهما كان تأثيره إيجابيًّا من الآخرين، إلا إنه يتأثر بشكل مباشر من الوالدان،
فإن كانا داخل البيت أسرة متماسكة محبة يسودها الود والاحترام سيكون ذلك إيجابيًّا على نفسية الطفل وتكوينه الشخصي المميز.

في أحد الأيام جاء إلي طالبًا يشتكي من زميله لأنه ضربه واعتدى عليه. الطالب من الطلاب المسالمين، الذي لا يصدر منه أي فعل سلبي، ولكن أثناء جلوسي معه وجدت أن هناك مشكلة بين والديه أثّرت عليه نفسيًّا، وهذا ما يخلق الطفل العدواني وتكون هذه الشخصية ملازمة له، ربما من فعل بسيط أو يمكن كانت لمرة واحدة فقط.

أتذكر طالبًا قدراته العقلية عالية ولكن نسبته الفصلية لا توازي تلك القدرات. الطالب كان منطويًا منعزلًا، وإن تحدث معه أقرانه اتجه إلى العنف المفرط والعداوة القصوى، كان يؤذي أقرانه بشكل متعمد إن حادثوه. وفي خارج المدرسة لا يمشي إلا مع من هم أكبر منه سنًّا، وصُحبته سيئة لديها الكثير من الإشكاليات رغم أنه وقع في كثير من الحرج معهم في مشاكلهم. حدثني أبوه قائلًا لقد أتعبني كثيرًا فهو يرفع صوته علي وعلى أمه ولا يسمع كلامنا.

سألت أباه بعض الأسئلة؛ وجدت السبب في ذلك، الوالدانؤ فكانت بداية حياته يشاهد بعينه كيف سوء المعاملة من أبيه لأمه، والعكس؛ فكان النتاج طفل عدواني وفاقد للثقة وغير مطيع.
إن كنا نريد التغيير، فسنحتاج إلى جلسات وإلى وقت، ولكن سيبقى الكثير من التأثير السلبي عليه فهو يتذكر كل ما حدث سابقًا؛ فهو عالق ف مخيلته، وتتأثر شخصيته مدى حياته.

فلماذا لا نتدارك ذلك من البداية في تكوين الطفل، فلتعلم الأسرة أن تحديد اتجاهات الطفل النفسيه مرتبط بالحالة النفسيه داخل الأسرة، فمشاعر الود والاحترام والحب داخل الأسرة تنعكس بشكل إيجابي في تكوين شخصية وملامح الطفل والعكس كذلك.

من هنا، أخي المربي..
عليك بالصبر بالتربية رغم إدراكنا صعوبتها، من خلال فتح أبواب من المجتمع في تربية الطفل، من خلال مواقع التواصل والأقارب والشارع وأقرانه، إلا إننا نؤكد أن بداية تكوين شخصيته منذ بداياته الأولى من سنة إلى ست سنوات، تلك السنوات من أهم السنوات في تكوين الكثير من اتجاهاته، ففي علم النفس تم تحديد نسبة ٩٠٪؜ من تكوين اتجاهات الطفل وملامح شخصيته من سنواته الأولى إلى ست سنوات.

فعندما نقرا أو نسمع ذلك لا نستسلم فشخصيات أبنائنا تختلف، فالتعلم والتغيير والتطوير مستمر مع الإنسان طوال حياته، ولكن هناك بعض الملامح، الأسهل لك أن تكون منذ البداية.

ولأجل الحصول على صحة نفسية سليمة وقدرات ذهنية عالية لدى أطفالنا نرى أنه من الضروري الاهتمام بالأطفال وبتكوينهم النفسي داخل الأسرة في جميع مراحل حياتهم العمرية: من مرحلة الطفولة، والمراهقة، وحتى الشباب، بما يحقق لهم الحياة السعيدة ومستقبلًا مزهرًا مبدعًا لهم ولأهلهم ولمجتمعهم.

ومضه:

الطفل الذي يشعر بالاحترام والتقدير في أسرته ومدرسته يميل لإظهار السلوك الإيجابي أمام الآخرين ويزيد في بناء الثقة بتكوين شخصيته.

بقلم/ حسين عبيد الصعب
قائد مدرسة سعيد بن العاص لتحفيظ القرآن الكريم بالليث

مقالات ذات صلة

‫77 تعليقات

  1. مقال رائع ينم عن شخصية قيادية تربوية. ابدعت اخي ومقال مفيد جدا بالتوفيق وننتظر المزيد

  2. مقال يضع النقاط على الحروف ويعطي حلول ايجابيه لاحتواء ابنائنا
    الف شكر اخي حسين على هذا المقال الرائع والغير مستغرب من قائد مثلك .

  3. مقال رائع قراته اكثر من مرات ومع هذا كاني اقراه اول مره فعلا من المقالات الرائعه التي لا تشعر بطفش وضيق عند قراءتها.

    اتمنى من الاخوان ان يكون هذا المقال متواجد من هذا الكتاب لاننا نحتاج مقالات من الواقع الملموس ومن الخبره.

    شكرا اخي الكريم وزادك علما ورفعه.

  4. شكرا مقال رائع جدا من الواقع بسرد روعه وكلمات ما أجملها

    اتمنى وجود الكاتب هنا دائما. مع سلسلة متكاملة.

    مع كامل الشكر

  5. وهكذا تكون الأسرة المسلمة التي تؤدي دورها الحقيقي في تربية الأبناء على محاسن القيم ، وزراعة الأمانة في قلوبهم ، ويأتي دور المدرسة الذي يرسخ تلك القيم في نفوس الناشئة من خلال العناية بهم بالطرق التربوية المستمدة من كتاب الله الكريم ، وسنة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – التي توصل إلى صناعة فضائل الأعمال التي بدورها تحقق أجمل التعاملات الإنسانية التي أمرنا بها ديننا الحنيف ، مع بالغ شكرنا وتقديرنا للكاتب المبدع / حسين بن عبيد الصعب ؛ على هذه الإضاءة التي تلقي بظلالهاعلى التربية سمواً ورفعة ، ونثمن هذا الطرح من قائدٍ متميز كانت مدرسته واحة للعطاء وجمال التربية .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88