إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

المرأة والتحرر

الرابط هنا ليس تعسفيًّا مفروضًا بل الحبل السُرّي يبدأ من أصل المكان في المرأة ورحمها، لتتحرر الذات بعد النشأة الأولى في الرحم وصلاً الى مكان النشأة الثانية حولها لتعتنيه بالتربية، تحريرًا ثانيًا تتجاوز به هذه المرة، الثقافة ومتعلقات المجتمع والذات الوراثية الرخوة وكل إكراهات القهر في واقعهما.

المرأة أقرب للطبيعة والتزاماتها، بالضد من الرجل الأكثر تعالي على الطبيعة وقهرياتها وضروراتها. ولكلٍّ حسناته وسيئاته؛ لكن قرب المرأة يجعلها أكثر إحساس وقدرة وهداية للتأثير والإفادة من فهم الواقع والأجيال.

تغير بروز مركزية المرأة في حقب تاريخية عديدة، تقولبت وفق مرادات الثقافة والتقاليد باسم الدين تارة، وبغلبة البداوة تارة أخرى داخل الحقل الإسلامي.

تبرز المرأة كقوة ناعمة كثيفة تتعدد ثراءً؛ نحو الرجل في فتنتها ونحو الأبناء في حسن انتظامها واستجابتها وحميميتها الضامّة، ونحو المجتمع اتصالًا ثريًّا ناعمًا، بفضل توافر فرص قانونية محمية بغلبة الدولة وحاكمية سياسات واقتصادات لها مصالحها في إطار جامع هو عولمة النظم والسياسات.

مقومات المرأة ككيان ثري السلوك والإنس والتجديد والتأنق والجمال، يجعله وحمولاته من اللغة والتاريخ أكثر ترشحًا وقدرة لممارسة فعل التحرر نحو مزيد إنظام قيمي تجديدي، خصوصًا في ظل تنامي فُرص تراجع سطوة الرجل العشائرية، واتجاه الرجل لمزيد تفهم لدورها من جهة أو لفروض الواقع نحو تشكلات جديدة من الوجودات الثقافية المحملة بفرص تحقيق الذات الأخلاقية والمعرفية.

سطوة الثقافة الموروثة غير الناقدة، وركودها واتجاهها نحو الخوف والتقليد والتردد، تأسست في ظل مؤثرات كثيرة، منها خطاب الانغلاق السائد والقوى الصانعة له، ومنها هيمنة مؤثرة العولمة الاقتصادية والسياسية وأذرعها الإعلامية الماردة، كل هذا فرض تشكلًا قهريًّا لا واعيًا للكينونة، تأسس على الطاعة والتقليد والتسييس، مستبطنًا للخوف في صورة طلب الأمن من غوائل دهر تاه فيه الإنسان بل نسي إرادته الحرة ليخضع لإرادات خارج ذاته.

فعل التحرر المرجو تحت ظلال المرأة المؤنسنة المتخلقة الناقدة المستقلة فكرًا، سيقود لكسر قوالب ثقافية وتاريخية واجتماعية زائفة لتؤسس من جديد لتحرير إرادة وعقل أجيالها، مشروطًا بوعيها ومعرفتها بحجم مقومات التأثير والقرب من الحقيقة، الذي تملكه ولا يملكه غيرها.

تملك المرأة ثراء الاتصال والعاطفة والمشاركة والحكم والتواضع، مما يجعل تأثيرها عبر الحوار أعظم قدرة لتصدير ثورة الفكر الحر في سجالات حوار داخلي تبتعد عن القهر والفرض مما تأسس على ممكنات الواقع الرديء.

إن رسالة المرأة اليوم تبلغ من العظمة والمخاطرة حدًّا يفرض قيام مؤسسات للخبرة تعمل على الدعم وتقديم المشورة، لتجعل المرأة من تجربتها قوة تتجاوز مركزية استهدافهم لتبضيعها باسم الثراء والمتعة والإشباع وتحقيق الذات الرخيصة.

المخيف اليوم أننا امام تغالُب تيارين رئيسيين، الأول: أنثوي غير مسنود يتجه نحو تحرير المرأة إرادةً واستقلالًا تصنع بها فعلًا حواريًّا مدنيًّا صاعدًا. والثاني: أنثوي مؤيَد، مسنود، لكنه انسحابي مأزوم لا يعي اتجاهه، تقوده حاجاته الشخصية الذاتية في ظاهرها، الممولة من قِبل قوى ذكورية اقتصادية لا أخلاقية، خشنة، تتربح من جسدها واتصالاتها الناعمة اللذيذة.

ختامًا.. أعي بأن المرأة حين تنفتح بجرأة أكبر نحو المعرفة وكثافة الوعي والتعلم واكتشاف واقعها وتشابكاته المعقدة فهي توجِد فارِقًا، هي المعني الأول به، تنميةً شاملةً تنقلها للأجيال؛ فحبسها الوظيفي -في حدود العمل- سيحد من بصيرتها وسيأخذها للغرق في تعبها الشخصي، مما يفرض عليها للتنفيس مزيد استهلاك للأفكار والمواد والراحة والتسلية، والانشغال عن تفعيل إرادتها وتحرر قواها.

سيدتي.. القهر يدٌ للصمت تفتك بنا.

سيدتي.. حرري يدًا بالحوار، يبني لنا مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه.

الكاتب/ سالم بن عبد الله القرشي

[email protected]
حساب تويتر ‏Mansa2099@

مقالات ذات صلة

‫50 تعليقات

  1. ( تبرز المرأة كقوة ناعمة كثيفة تتعدد ثراءً؛ نحو الرجل في فتنتها ونحو الأبناء في حسن انتظامها واستجابتها وحميميتها الضامّة، ونحو المجتمع اتصالًا ثريًّا ناعمًا، بفضل توافر فرص قانونية محمية بغلبة الدولة وحاكمية سياسات واقتصادات لها مصالحها في إطار جامع هو عولمة النظم والسياسات.)

    ——
    جميل في كل حالاتك. ..

    رائع جدا استاذنا ومعلمنا وملهمنا

    ??????

  2. لمست التماسك بين الفقرات والتدرج بها من فقرة إلى أخرى؛ لإيصال الفكرة إلى القارئ.

  3. حرري يدًا بالحوار، يبني لنا مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه.
    دعوة للحرية لابد أن نؤيدها

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88