إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

تأميم العقل والإنسان

التأميم: مصطلح اقتصادي يعني تحويل مشروع خاص على قدر من الأهمية إلى مشروع يُدار في شكل شركة تملك الدولة كل أسهمها.

وإذا تجاوز المصطلح حدوده ومجاله إلى حدث لا يمكن وصوله إليه، فإن هذا إما أن يكون تجاوزًا مرفوضًا، أو قراءة لحالة خفاء تبدو ولا تبدو. أي أنها قراءة لحالة واقعة لا يمكن الإفصاح عنها، أو حولها خلاف دلالي يخضع لمجال الرؤية. وهنا أزعم أننا إلى الحالة الثانية أقرب.

مع الثورة الرقمية والتقنية البرمجية، واحتمالية ارتباط واندماج كل شيء بأي شيء، حتى أضحى الإنسان محور اهتمامها الأول. وحين نقول الإنسان، ليس كل إنسان بل الإنسان المواطن، الإنسان الخاضع لقوى الهيمنة العليا، الإنسان المربوط كليًّا لإرادة الدولة ومؤسساتها.

إنه التأميم الجديد، الخفي، حيث اتصال البث الكاشف، القادر على معرفة تفاصيل كل ما يتصل بالفرد من كل شيء وأي شيء، من طيف واحد، هو شركات الاتصالات وما يتصل بها من مؤسسات الدولة الخاضعة لسلطتها.

طابع العقل هو الاختيار والقدرة على الاختيار، وهذه القدرة والإرادة هي الحرية التى منحنا إياها الله تبارك وتعالى، بل وميزنا بحمل رسالته، ليس في خضوع آلي لا اختيار فيه كالنمل والنحل، وإنما هو تحرر وإرادة، جعلت الشيطان يعترض في حضرة الله، وآدم وحواء يعصيان، ثم تكون التوبة هي الماسح والغافر، لتتقرر الحياة والوجود وفق مراد الله ومراد الإنسان، مراد لم يأنف فيه الله -وهو العظيم الجليل- من رفضه وعصيانه سبحانه، بل أُسس وجوده الكوني على محورية هذا الإنسان الحر المختار، ثم أطلق يده وباشر إيقاظه برسل مبشرين ومنذرين إلى يوم معلوم. حتى قال لرسوله: (ليس عليك هداهم، إن عليك إلا البلاغ..!).

تعيش البشرية اليوم قدَرًا مؤلمًا من تأميم العقل، يستحوذ فيه جهاز الدولة على ملكية الإنسان، ليكون صوته هو صوت الدولة، وآماله هي آمال الدولة، وقَدَرُه هو قدرُ الدولة. ليس مشاركًا متفاكرًا، وإنما موجِهًا للعمل بالمراد، يأتمر بما يُملى إليه أو ما يلزم عليه استنتاجه وفهمه من مرادات. إنه أشد فتكًا من قفص ماكس فيبر الحديدي في زيادة العقلنة في الحياة الرأسمالية.

هذا التأميم العقلي، عبر أجهزة الدولة ورموزها واقتصاداتها عمَد إلى تسوير العقل وخفض أحلامه في إطار لا يمكنه إلا الاستمتاع الاغتصابي، حيث التأميم يفرض محدودية الحركة والرؤية والسير وفق مراد ما لا يراد.

التأميم العقلي أوجد إنسان المُتع والاقتصاد، والتعبد الشخصي الضيق في حدود المصالح الشخصية دون تخلُّق أو بصيرة تتعدى الشخصي.

يصعب مع التأميم العقلي القدرة على النقد، أو رعاية ما ليس شخصيًّا؛ لأن ما ليس شخصيًّا هو في إطار شأن التأميم العقلي للدولة وليس للفرد، وتجاوزه هو تجاوز لغير المسموح به.

الكاتب/ سالم بن عبد الله القرشي

[email protected]
حساب تويتر ‏Mansa2099@

مقالات ذات صلة

‫80 تعليقات

  1. لا اعلم ماذا اسمي هذا ابداع ام اخلاص ام ثقافه ام تحدي
    اذهلتني ابدعاتك المتناثره في ارجاء المنتدى
    كل التقدير والاحترام

  2. بارك الله فيك (س) علـى المـوضوع الجمـيل والطـرح الممـيز
    أفـدتنا بمـعلومات قـيمة ومفيدة جـزاك الله خـيرا
    نحـن في انتظـار مواضيـعك الجديـدة والرائـعة
    لـك (س) مـني أجمـل التحـيات ودمـت (س) فـي أمـان الله وحفـظه
    تحيـاتي الحـارة

  3. بارك الله بك ولا تحرمنا من ابداعاتك وتميزك المتواصل
    واصل في كل ما هو جديد ومفيد لديــــــــــــــك

  4. دعيني أنحي قلمي قليلا
    أقف أحتراما لكِ
    ولقلمك
    وأشد على يديك لهذا الابداع
    الذي هز أركان المكان

  5. الإنسان الخاضع لقوى الهيمنة العليا، الإنسان المربوط كليًّا لإرادة الدولة ومؤسساتها.

  6. ثم تكون التوبة هي الماسح والغافر، لتتقرر الحياة والوجود وفق مراد الله ومراد الإنسان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88