إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

البردة في زمن الطائفية

العفو في زمن الحقد ناصع البياض وضاء الجبين، يعلمنا دروسًا من تاريخ عروبتنا المشرف، حتى لا تكون الطائفيات والأحقاد ديدننا، وحتى ننتصر لعرب الأنبار وعرب اليمن وعرب سوريا وهم يحملون تعبهم اليومي هائمين على وجه الأرض، تحاصرهم الأحقاد في كل شبر من وطني الكبير.. ينشدون العفو والسماحة والنخوة العربية فتلطمهم أمواج الحقد والطائفية من هذا الفريق أو ذاك، وتنحرهم سيوف الخوارج وتعبث بديارهم، فإلى من بعد الله يلتجئون؟

أذكر هذا.. وقلبي يعتصر دمًا، حين أرى عروبتنا تهان بهذا الشكل المخزي، ولكن يبقى الأمل في تحالف الأمل وفرسان جزيرة المغاور. أذكر هذا حين يكبر الحقد وتعشعش الطائفية وينسى الحاقدون عفو وسماحة الزمن الأول الذي استرجع منه بعضًا من الضوء الذي أنار طريق الإسلام.

قرأت في صفحات تاريخنا الجميل أن بجيرًا أسلم، وكان من عائلة الشعر والشعراء، وأن أخاه كعبًا هجا وقدح، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم، دمه، فلحق به أخوه وقال له: أدرك نفسك فإن دمك مهدور بين القبائل، فجاء كعب إلى النبي مختفيًا، وأنشده:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

وهي أبيات غاية في الإبداع الفني، بدأها بالمقدمة الطللية على عادة الجاهليين، وذكر سعاد وبعدها وما تركه ذلك في قلبه العاشق الولهان.. وكان عفو النبي صلى الله عليه وسلم أكبر وأعظم من شاعر يتغزل أمامه فسمع القصيدة ومقدمتها، وهو المستجار به من شاعر أهدر دمه بين القبائل. وبعدها أهدى كعب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأبيات التي تختصر زمن الحب والعفو وترد على هذا الزمن الذي أغرق فيه الحاقدون والمتعصبون والطائفيون، وطننا الكبير وصار الجرح ألمًا ودموع ثكالى.

فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أَبًا لَكُمُ
فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
كُلُّ ابنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ
يَومًا عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني
وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ
نافِلَةَ الـقُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب
وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
لَقَد أَقومُ مَقامًا لَو يَقومُ بِهِ
أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ
مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ
ما زِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعًا
جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ

أجمل بهذه الأبيات وأكرم بها.. هي تحفة في القلب تعلمنا قيم العروبة الأصيلة، وتزرع الأمل لحظة الخوف، وتذكر بمكارم النبوة، وترد على الحاقدين الطائفيين الذين لا يعرفون إلا القتل والتخريب ونسوا أن الإسلام بنى الأخوة على أساس العفو والكرم والتسامح الذي استفاد منه كعب بن زهير في الزمن الأول، ولكنهم لا يقرؤون التاريخ للأسف.

الكاتب الجزائري/ محمد لباشريه

مقالات ذات صلة

‫78 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88