إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

وقفة عجلى مع رواية «عندما يثقب الوعي» للأستاذة ملاك العجيلي

أتممت اليوم قراءة رواية «عندما يثقب الوعي» للأستاذة ملاك العجيلي، الصادرة عن دار ثقافة للنشر والتوزيع بدولة الإمارات العربيّة المتحدة.

ورأيت أن أكتب هذه النقاط الانطباعية المتواضعة عنها من وجهة نظري متذوقًا، وقارئًا.

• وفقت الكاتبة في العنوان: «عندما يثقب الوعي» الذي أتى لافتًا ومحرضَا على السؤال وباعثًا على الدهشة من خلال جملته الظرفية التي لا جواب لها. ماذا يحدث عندما يثقب الوعي؟ لعلَّ الإجابة تكمن في أحداث الرواية. زد على ذلك أنَّ العنوان شبَّه الوعي بشيءٍ يمكن ثقبه. والكاتبة هنا شيأت المعنوي وشبَّهته بماديٍّ. وكأنيِّ بها تقول (إن الوعي حصانةٌ صلدةٌ لصاحبه)، ومتى ما ثقبت هذه الحصانة بشكلٍ أو بآخرٍ فسيقع ما لا تحمد عواقبه.

• أحسنت الكاتبة صنعًا في اختيارها تقنية حبكتين متقاطعتين ومتداخلتين ومتوازيتين في آن واحد، فهناك حبكة رئيسيةٌ اعتمدت على التداعي الحر، الأمر الذي زاد من جاذبية الرواية وعزز من جوانب التشويق فيها أكثر، وهي تتمثل في وضع بطلة الرواية مع أسرتها، تسردها متزامنةً مع ظروف وأحوال مكوثها في عيادةٍ نفسيةٍ، وجعل القارئ متورطًا عليه إتمامها منذ صفحاتها الأول. وعادةً عندما ينجح الكاتب في توريط القارئ في قراءة العمل كاملًا، يحسب له إبداعيًّا.

• استخدمت الكاتبة لغةً بسيطةً واضحةً مفهومةً بعيدةً عن التكلف والفذلكة التي انتشرت في كثير من الأعمال الروائيَّة. ورغم بساطة اللغة لم تخلُ من ومضاتٍ شاعريّة، وصور شعريّةٍ وبلاغيّة بديعةٍ.

• وفرت الكاتبة لروايتها أحداثًا متماسكةً تتسم بالواقعية والمنطقية، وممكن أن تقع فعلًا، ولعلَّ هذا الاحتمال جعلها تشير في بداية الرواية وتؤكد أن الأحداث والأسماء الواردة في الرواية جميعها خياليَّةٌ، وليس لها علاقةٌ بالواقع، لتتجنب التبعات والمتاعب القانونية والاجتماعيةً فيما لو ظن أحدٌ أنه هو المقصود بالأحداث في الرواية. ولكن أليس النفي أحيانًا تأكيدٌ؟ سؤال أظنه مشروعًا.

• جعلت الكاتبة وجهة النظر الأولى/ ضمير المتكلم هو السارد/ الرواي ممثلًا في بطلة الرواية أحلام. وقد أحسنت صنعًا بذلك لأنَّ هذا هو الاختيار الأفضل من وجهة نظري في روايةٍ تعتمد كثيرًا على صراعاتٍ وعذابات نفسيّة. ولو لم تلجأ لهذا الاختيار، لاضطرت لاستخدام تقنية الراوي العليم في أعلى مستوياتها، الأمر الذي لم يعد مرحبًّا فيه في الأعمال السرديّة المعاصرة.

• التسبيب والتبرير وسبر أغوار الأحداث ومحاولة الإجابة على سؤال: “لماذا حدث ما حدث؟”، كان جليًّا في الرواية مما زاد من منطقتيها التي أشرت إليها آنفًا.
وظهرت معرفة الكاتبة بعلم النفس واضحةً، وبالبرمجة اللغوية العصبية، خصوصًا عندما بررت عدم حمل البطلة سابقًا بأنَّ مرده قوة رغبتها فيه، وعندما يئست من ذلك، ولم تعد تفكر في الأمر حدث الحمل.

• النهاية المفتوحة نسبيًّا كانت ختام مسكٍ لعمل بديعٍ كهذا، لكن المنطقية والواقعيّة التي حاذت سطور الرواية، خذلت الكاتبة، عندما جعلت من نافذةٍ في مصحّةٍ عقليّةٍ مفتوحةٍ، سمحت لمريضةٍ بالإقدام على انتحارٍ أو محاولة انتحار من خلالها.

• عاب الرواية.. علو صوت المؤلفة، ووقعت في كثيرٍ من التقريرية والمباشرة خصوصًا عندما تتحدث عن ممارساتٍ لا واعيةٍ يمارسها أفراد المجتمع، ولا سيما النساء. يشعر القارئ أحيانًا أنَّه يقرأ مقالةً لا سردًا روائيًّا يفترض أن تكون فيه الأحداث أعلى صوتًا من الكلمات، وأن يعرض ويوحي ويلمح مؤلفه/ مؤلفته بدلًا من أن يتحدث ويعظ ويوجه. وقد لا أكون مبالغًا لو قلت إن خمسين صفحةً تقريبًا من الرواية ذات المئتي صفحة يمكن الاستغناء عن محتواها من دون أن تفقد الرواية أثرها وجمالها.

• هناك بعض الأخطاء اللغوية والطباعيّة وقعت فيها المؤلفة، وهي قليلةٌ على أيِّ حالٍ، وكان يفترض بدار النشر أن توفر مدققًا متخصصًا يجنب المؤلف والدار هذه المشكلة التي قلَّما يخلو منها عملٌ، مع ما في هذا من إساءةٍ إلى لغتنا العظيمة.

• ختامًا.. رغم أنَّ العمل فيما أعلم هو الأول للمبدعة العجيلي، إلَّا إنَّه جاء متجاوزًا كثيرًا من عثرات البدايات، ويبشر بميلاد روائيةٍ لديها الموهبة والأدوات.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

الكاتب والمترجم/ خلف بن سرحان القرشي

#خلف_سرحان_القرشي 

السعودية – الطائف – ص. ب 2503  الرمز البريدي 21944

ايميل:  qkhalaf2@hotmail.com

تويتر @qkhalaf

مقالات ذات صلة

‫61 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88