إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

المجتمع الفاضل

نكمل جني الثمار والدرر من سورة الحجرات.

بعد وضع قواعد الإصلاح بين المتخاصمين يقرر الله تعالى قاعدة مهمة بين المؤمنين جميعًا بأنهم كلهم أخوة في الدين.
(إنما المؤمنون إخوة) أي: الجميع إخوة في الدين. في الصحيح: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. وفي الصحيح أيضًا: “إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين، ولك بمثله”. والأحاديث في هذا كثيرة.
وفي الصحيح: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر “.
وقوله تعالى ﴿فأصلحوا بين أخويكم﴾ يعني: الفئتين المقتتلتين. واتقوا الله في جميع أموركم لعلكم ترحمون، وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.

ثم يقول تعالى ﴿لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (11).

وفي هذه الآية عدد من القواعد التربوية كما يلي:

– ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الكبر بطر الحق وغمط الناس”، وغمط الناس: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فقد يكون المحتقر أعظم قدرًا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له.

فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.

وقوله: (ولا تلمزوا أنفسكم) أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال تعالى في سورة الهمزة: (ويل لكل همزة لمزة)، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.

والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة)، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال تعالى: ﴿هماز مشاء بنميم﴾ [القلم: 11] أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة، وهي: اللمز بالمقال، ولهذا قال ها هنا: (ولا تلمزوا أنفسكم)، كما قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) [ النساء : 29 ] أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يطعن بعضكم على بعض.

– عدم التنابز بالألقاب: وهي التي يسوء الشخص سماعها.
وقيل نزلت في بني سلمة: (ولا تنابزوا بالألقاب) قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله، إنه يغضب من هذا، فنزلت: (ولا تنابزوا بالألقاب).

– اجتناب سوء الظن: وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليجتنب كثير منه احتياطًا. وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا.

وعن عبد الله بن عمر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: “ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن يظن به إلا خير).

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا”.

والتجسس غالبا يطلق في الشر، ومنه الجاسوس. وأما التحسس فيكون غالبا في الخير.
وقيل التجسس: البحث عن الشيء. والتحسس: الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون، أو يتسمع على أبوابهم.

– الإبتعاد عن الغيبة والنميمة:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم”.

وعن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين”.

قال الجمهور من العلماء: طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك، ويعزم على ألا يعود. وهل يشترط الندم على ما فات؟ فيه نزاع، وأن يتحلل من الذي اغتابه. وقال آخرون: لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه، فطريقه إذن أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته، فتكون تلك بتلك”.

ثم ينهي الله تعالى تلك الباقة الجميلة من زهور النصائح الاجتماعية بالحث على التعارف، وضرورة التقارب السلمي بين الناس، وأن التقوى هي معيار التفاضل لا الأحساب و لا الأنساب.

ما أجمل وأروع النسج القرآني للمجتمع المسلم كما يجب أن يكون في أبهى حلة، فكل ما قد يحفر أنفاقًا من خلاف وحقد وشقاق يجب أن يسوى بحسن الخلق، فالإنسان سمعة ومظهرًا وجوهرًا مكفول حقه في هذا الدين، رقي وسمو يحفظ لكل عنصر في المجتمع مكانته، ولا يصح أن يخدش أحدنا الآخر حتى بكلمة أو إشارة.

إنها المدينة الفاضلة التي تم كتابتها كأسطورة في كتب التاريخ، بينما يمكن تحقيقها واقعًا إذا التزم كل منا بهذه القواعد ونفذها.

نسأل الله صلاح القول والفعل.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

‫52 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88