الثورة الكبرى
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: “فالثورة لا تستطيع الوصول إلى أهدافها، إذا هي لم تغير الإنسان بطريقة لا رجعة فيها، من حيث سلوكه وأفكاره وكلماته”.
يأخذنا هذا المدخل إلى الثورات الكثيرة التي شهدها العالم، فكرية، وصناعية، وسياسية، تبغي إحداث تغيير اقتصادي، أو ثقافي، أو حتى على مستوى الأنظمة.. نذكر منها (الثورة الهايتية، والفرنسية، والأمريكية، والإيرانية، وتركيا الفتاة، والكوبيّة، والصينية، والبلشفية، … إلخ) كل منها يحمل مبدءًا وهدفًا وأيديولوجية محددة، يريد القائمون بها أو الدّاعون إليها، تحقيقه بشكل أو بآخر.
كما أن السياق يعود بي إلى الثورات التي عرفتها مختلف الدول العربية، التي ثارت ضدّ أنظمة مستبدة جائرة، كرّست اللاعدالة، واللامساواة، والظلم، وطغيان طبقة دون غيرها على مفاصل الدولة واقتصادها، والفرص التي كان من المفترض أن تكون متساوية، فضلًا عن تهميش الأدمغة المتعلمة والمثقفة المستنيرة؛ هذه الأخيرة التي وجدت ضالّتها في دولٍ أخرى أجنبيةٍ للأسف الشّديد، عِوَض أن تستغلّها حكوماتها التي تنتمي إليها، وتستثمرها في تطوير هياكلها، وتحسين ظروف مجتمعاتها البائسة المدفونة المتصارعة بين واقع مر، ومستقبل مجهول.
بالعودة إلى ما اسْتُهلَّ به المقال- مقولة مالك بن نبي- رحمه الله، بودّي أن أشير إلى مغزى ما جاء به هذا المفكر، الذي هُمّش وأُقصِيَ فكره في عُقر داره، أن لا هدف من أي ثورة كانت، ولو وصلت إلى أهدافها الظاهرة، سواء على المستوى الثقافي، الإقتصادي، الاجتماعي أو السياسي. فهناك أهداف أسم، تصبّ مباشرة في الفرد (المواطن)، والمتمثلة في: سلوكه، وأفكاره، وكلماته.
المواطن -وأنا الآن أتحدث عن مختلف الثورات على اختلافها- الذي خرج للشارع بدافع التغيير، سواء في القديم أو العصر الحديث، ورفع شعارات تتضمن أفكارًا وتوجهات، أو أملًا يُراد تحقيقه، ثم يعجز عن تنظيم حملة نظافة، أو حملة تشجير بسيطة، تمسّ حيّهُ أو الشارع الذي يقطن فيه، وينتظر شاحنة البلدية حتى تأتي للقيام بهذا الفعل الحضاري، فمن وجهة نظري الشخصية، الثورة التي قام بها كان من المفروض أن يبدأها بنفسه ومحيطه وبلديته وولايته، ثم يعممها على وطنه.
المواطن الذي لا زال يسبّ ويشتم ويتلفظ ببذيء الكلام، في الجامعات والمنصات الافتراضية، وينتهك حرمة هذا وعرض ذاك، فخروجه للشارع لا يعني الكثير، وثورته التي خرج من أجلها والشّعارات التي حمل ثقل حجمها وأبعادها، كان الأجدر به أن يقرأها، ويَعيها، ويطبِّقها هو أولا، قبل أن ينادي بتطبيقها من طرف نظام حكم، هو في الحقيقة وليد ذلك المجتمع، وواحد من مخرجاته وإفرازاته.
يحضرني اللحظة سؤال أعتقده وجيهًا، مفاده: ما حظ الواحد منا من الثورة التي ساهم فيها أو دعا إليها؟ فإن لم تغيّر فيك الثورة التي ادّعيت أنك واحد من روّادها، وخروجك للشارع للتّظاهر والانتفاض، كمن كان حظّه من يوم الجمعة إلا ركعتين في آخر صفوف المسجد، أو كان حظه من شهر رمضان إلا تجويع نفسه وحرمانها من المشرب والمأكل، فما حاجة الله بك وبصيامك.. الأمر سيان مع الوطن؛ حيث لا حاجة له بخروجك وصراخك وأنت لم تتغيّر في أي شأن من شؤونك: لا أخلاقك، ولا أفعالك، ولا أقوالك، ولا زلت تخدع البسطاء، وتكذب عليهم، وتلهف وتنهب حقوقهم وأنت التاجر المقتدر، أو المعلم والأستاذ صاحب الرسالة المقدّسة، أو أنت الطالب للعلم الذي لا زلت تقتات على الغش في تحصيل العلامة، … إلخ. وهنا يمكن الحديث عن الوطنية الحقّة من المزيّفة.
إذًا.. المسألة لا تتعلق فقط بالهرم، أي بالحاكم والنظام وحسب، بقدر ما لها علاقة بالقاعدة أيضًا، أي الفرد وإرادته في تغيير سلوكه والنهوض بأفكاره ومستوى كلامه، وقد ذكرت في مقال سابق، أن معضلتنا ليست في الشخصيات بل في الذهنيات، فكيف بربكم ننادي بإرادة سياسية ونحن نفتقر فقرًا شديدًا إلى إرادة فرديّة، تتعلق أساسًا بسلوكنا الشخصي، ونبذ الأنانية والعنصريّة، وثقافة التهميش والإقصاء بين بعضنا البعض أولًا، ثم يمكن الارتقاء بعدها إلى نقد النظام والقائمين عليه، الذين يجب عليهم أيضًا أن يساهموا في إعادة ضبط مجتمعاتهم، بتطبيق الآليات القادرة على ذلك، فكما نخن بحاجة إلى ثورة كبيرة لتغيير أنظمتنا وتطهيرها من الفساد، نحن أيضًا بأمسّ الحاجة إلى ثورة أكبر لتغيير سلوكنا وأفكارنا وطريقة تفكيرنا، وإن لم نلتزم بهذا العمق في التغيير، فلا جدوى من ثوراتنا التي تغير الأنظمة وتعجز عن تغيير الإنسان.
————————————–
من كتاب مساهمة في النهضة
—————————————
الكاتب الجزائري/ طارق ثابت
ممتاز
رائع جدا
ماشاء الله
جهدا مشكور
شكرا لصحيفة هتون
موفقين
مقال. فى قمه. الابداع
يسلموا
عنوان جميل
بارك الله فيكم
كلام مميز
ممتاز
رائع
مقال معبر جدا
الثورة الكبرى
كلمات من مواطن بسيط
“فالثورة لا تستطيع الوصول إلى أهدافها، إذا هي لم تغير الإنسان بطريقة لا رجعة فيها، من حيث سلوكه وأفكاره وكلماته”.
عمل موفق
الثورات محطات هامة في حياة كل مجتمع
بارك الله فيك
جميل جدا
كتبت وابدعت
شكرا هتون
الثورة لها احترامها وادابها
مشكورين
باب مرة رائع
يسلموا
الثورة هي الحل الوحيد أمام الطغاة
لا فض فوك
لكل ثورة مبدءًا وهدفًا وأيديولوجية محددة
يسلموا كاتبنا العزيز
تناول جيد
مشكورين
كتاب مساهمة في النهضة كتاب مرة رائع
شرح مفصل ووافي
أصبت والله في قولك
فكر عميق
موفق اخينا الكريم
الثورات يجب أن تكون على الأخلاق الفاسدة وليس الأنظمة فقط
جهد موفق
المسألة لا تتعلق فقط بالهرم، أي بالحاكم والنظام وحسب، بقدر ما لها علاقة بالقاعدة أيضًا
فكر نهضوي نحتاجه هذه الأيام
أعاننا الله على هذا الزمان
الاخلاق فعلا آخذة في الانحدار
سلمت يداك
مقال أكثر من رائع
يجب أن تسهم الحكومات والجهات المدنية في تعزيز الاخلاق
موفقين دوما
فكرة ممتاز
اسلوب سهل وبسيط
مالك ابن نبي مفكر عظيم
فكر نهضوي إصلاحي
تسلم الأيادي التي كتبت هذا الموضوع
عبارات متناسقة و موضوع ممتاز
ممتاز دمت مبدعا
زادكم الله علما و معرفة
طرح مميز،و افكار سليمة
موضوع جيد يستحق القراءة
ماشاء الله عليك ،مقالة ممتازة
طرح يستحق المتابعة
يعطيك ألف ألف عافية
موضوع في قمة الروعة ننتظر المزيد من إبداعكم
كل الشكر لك استاذنا ولهذا المرور الجميل
دمتم بهذا العطاء المستمر
لقد كتبت و أبدعت
لك مني ارقى و ارق التحيات يا صاحب أرقى الجمل و الكلمات
من كل قلبي أشكرك على مقالك المتميز
بارك ربي فيك و بإبداعك الذي هز الصفحة
دائما تبهرونا بمواضيعكم التي تفوح منها عطر الابداع و التميز
جميل جدا
ماشاء الله عليك
مقال جد ممتاز
عبارات متناسقة و موضوع ممتاز
تسلم الأيادي التي كتبت هذا الموضوع