كلما قل تفكير الإنسان ارتفع تثمين الحيوان

لقد عُرف منذ ملايين السنين أن الكون، والسماوات السبع، والأراضين السبع، والحيوانات، والطبيعة جميعها ما خلقت إلا لهذا الإنسان الضعيف الذي يُبذر ويسرف بما أعطاه الله وسخر له هذه الدنيا لحياته، ولكن في الوقت الحالي أصبح الإنسان أقل تفكيرًا وتدبرًا وشكرًا بما أعطاه الله، ويفكر بثمن الحيوان وجعله من أعز ما يملك في هذه الحياة أو بعبارة أوضح يبدأ بتطفيف سعر الحيوان ليجعله أعلى من قيمته التي ينبغي أن يكون عليها سعره معقولا للتجارة. كيف تبدأ بتطفيف سعر حيوان وأنت لم تصنعه، وتجعله أغلى ما تملك في حياتك ثم يباع بالملايين التي يجنيها بواسطة اللعب بأسعار ما خلق الله وهذا يدل على قلة التفكير الإنساني بتوجهه لهذا الحيوان ورفع سعره لأنه يعتقد بأنه الوسيلة الوحيدة لكسب الشهرة بين الناس بأن بعير فلان يساوي 300 مليون -أي تطفيف هذا- ولا يدخل العقل بأن حيوانًا يتعدى حتى قيمة المهور، وهنا نقطة الرجوع الفكري؛ ترك ما أمر به رسولنا صلى الله عليه وسلم، بخفضه وهي المهور، وزيادة على ذلك رفع ما لم يؤمر برفعه وهو الحيوان الذي ما خلقه الله إلا لتعم فائدته على هذا الإنسان المسكين الذي لم يجد أو يفكر بشئ يخترعه كما كان أنسال البشر من قبل، كانوا أهل اختراعات، وإشغال العقل بأمر يخترع ليخدم بنو البشر، وهذا يدل على أنه (كلما قل مستوى التفكير الإنساني ارتفع مستوى التثمين الحيواني) وهذا ما نجده في مجتمعنا العربي الخليجي بالأخص هو تثمين الحيوانات بأعلى سعر، والفخر بها.

كيف كان حال العرب في عهد الدولة الأموية والعباسية، كان هناك علماء لهم اختراعات تعرض على الشعوب وتدل على تطور الفكر العربي. لم يقدّروا حيوانًا بسعر خيالي ويتفاخرون به، بل قدموا ابتكارات واخترعات تخدم بنو البشر، ولم يبيعوها بالملايين، إنما لوجه الله سبحانه وتعالى، لأنهم أفادو بعلم ينتفع به أو بصناعة انتفع بها بنو البشر وسهلو لهم أمور حياتهم؛ هذا يدل على ارتقاء التفكير الإنساني العربي وتوجهه لخدمة الأمة الإسلامية، وهنا أبهرنا العالم بعزة الإسلام ومثلنا قوة العقل البشري الذي ما خُلق إلا ليتفكر وينتج لهذه الأمة.

وإذا قارنَّا بين حال اليوم وحال الإنجازات العربية الفكرية، سوف نجد أننا لم ننتج للأمة الإسلامية شيئًا يفيدها، بل أنتجنا طفيفًا وتلاعبًا لسعر الحيوان، واللعب بالنعم التي خلقها ربنا لخدمتنا ونفعنا.

ولا يعقل أبدًا بأن حيوانا يكون كأنما صنع من ذهب اوصنع من فضة، هنا الدلالة الواضحة على توقف العقل البشري عن التفكير بما يهم الوطن وما يهم الشعب من استخدام العقل لصالح المجتمع أو طرح فكرة للحد من أمر ما أو فساد ينتشر بالمجتمع.

إن استخدام العقل يكون محمودًا بخدمة بني البشر وتوفير الراحة لهم، وعندما نثمن ما خلقه الله لنا بأغلى الأسعار نكون في حالة يرثى لها. عندما تقرأ أن أجدادنا الصحابة -رضي الله عنهم- كان همهم خدمة دينهم وخدمة بني البشر بشكل عام بالإنتاج الواضح، من علوم تفيد الناس وتفيد الأمة ولم يعلموا أن أحفادهم يثمنون ماخلقه الله بأغلى سعر، ولا حتى يفكرون باتباع السنة النبوية بتخفيض قيمة المهور، واتجهوا لرفع قيمة الحيوان فوق قيمة المهر، أي أن يصبح حيوان أغلى من إنسان. وهذا دلالة واضحة لقلة العلم بأن الله ميز الإنسان بالعقل عن باقي المخلوقات.

أنت لم تقلل مهرا وتزوج شابا كما أمرت السنة، وفوق ذلك ترفع ثمن حيوان! من المعروف أن ثمنه كان معقولا،  ثم بدأت ترفع سعره إلى أن وصل إلى قيمة مادية خرافية؛ كما لو كان محشوًّا بالذهب. ولو نطق الحيوان، لقال كيف أكون بهذا السعر الخيالي؟! هل جننت أيها الإنسان؟! لم يأت يوم على مر العصور كنت بهذه القيمة.

من المعلوم أن الله ميز االإنسان بالعقل السليم، لذا هو يعلم جيدًا أن تلك القيمة الخيالية، أمر غير مقبول عقليا، ولو رفعت المهور فوق ما هي عليه الآنن وبلغت قيمتها قيمة الحيوان في وقتنا الحالي لصار الأمر مقبولا ومن الممكن تفهمه وقبوله عقليا، فالمهر حق من حقوق المرأة. ولكن هل يعقل بأن تكون قيمة حيوان أغلى من قيمة إنسان؟ طبعا الجواب: لا يعقل بالعقل السليم أن يحون سعر الحيوان ييفوق الخيال.

إن هذه الأسعار الخيالية للحيوان لم يرد بها نص شرعي أو حديث نبوي، ومن الأفضل أن ننشغل بما هو مهم، ويحقق منفعة للمسلمين والدين الإسلامي، حتى نبتكر للإسلام والمسلمين ما ينفعهم من علوم ومعارف تفيدهم، وحتى يجازينا الله بالخير والإحسان على خدمتنا لديننا ووطننا وشعوبنا العربية، ونكون خير مثال للابتكار العقلي النافع على وجه هذه الدنيا، ويصبح للفرد العربي قيمة أينما حل وارتحل.

ونختم بمقولة سهلة وبسيطة “فكر بعقلك تصنع المستحيل”.

بقلم/ خالد بن سعود الحربي