إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

على ماذا نندم؟

في سكة العمر نقف في محطات عديدة.. أعذبها محطات الحب والمودة، وأجملها محطات اللقاء، وأتعبها محطات الانتظار، وأصعبها محطات الفراق، إلى أن نصل إلى محطتنا الأخيرة (محطة الوداع)، حينما ندرك أن قطار العمر قد مضى وحان موعد الانطلاق للعالم الآخر، الذى لا نعلم عنه سوى أنه آخر محطة في عمرنا.

كم هي كثيرة الوجوه التي كانت بالأمس بيننا.. والتي كانت جزءًا مهمًّا من يومنا، نراها.. نتحدث معها.. نتابعها.. نشاركها أفراحها وأحزانها.. وفجأة رحلت عنا. وكم هي كثيرة مشاهد الموت التي نراها ونسمع عنها كل يوم والتى تحصد العديد من الأرواح، وكم هي كثيرة الأسباب التي تقف وراء هذا الرحيل. فهذا الرحيل بسبب مرضى، وذاك بسبب التعرض لحادثة، وآخر يرجع لأسباب طبيعية، وأيًّا كان السبب فقد رحل من رحل لعالم آخر ولن يعود، ولن يتبقى منه سوى الذكرى التي سكنت قلوب من كانوا حوله يدورون فى مداره.

قد يبدو الموت وكأنه زائر غريب يطرق أبوابنا فجأة؛ ليخطف أحدنا مع أنه ليس بالوافد وليس بالغريب فهو يعرفنا بقدر جهلنا به أو تجاهلنا له، فالموت حقيقة واقعة لا محالة، تصدمنا فى نهاية الطريق الذي قد يطول وقد يقصر بسبب أو دون سبب، هو نهاية حتمية لأي كائن مهما طال به العمر أو اتخذ من التحصينات التي تجنبه إياه.

الموت حقيقة، بيد أننا لا نستشعر حقيقة وقعه إلاّ حين نصدم في حبيب أو قريب كان يحتلّ مساحة هامّة في حياتنا، شُغرت برحيله، واستحال علينا تعويضه. وكيف ننكر الموت ونحن خلال مراحل حياتنا نموت كثيرًا، فحين نكون أطفالًا تموت فينا الطفولة حتى نصل لمرحلة الشباب، ثم يموت الشباب فينا لنصل لمرحلة الشيخوخة.

ورغم أنه حقيقة.. فالجميع يكرهه، ويحاول نسيانه، الموت هو نهاية رحلتك على هذه الأرض، شقيٌّ أو سعيد، مُصلح أو مفسد. ولكن ذكره ربما يكون بدايتك لتحيا حياة لا تندم عليها.. فالحياة مهما ازداد بريقها وعظم جمالها فلن يتحقّق مقصدها إلاّ بالتنبّه لحقيقة زوالها وتغييب ذلك يسقطنا في سوء مآلها.

الحياة جميلة بلا شك.. وحبها فرض، لكن دون تناسي منيّة قد تأتي دون ميعاد بمبدأ اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا.

والحديث عن الموت ليس تشاؤميًّا أبدًا، بل إنه ربما الموضوع الأكثر أهمية لإنقاذك من التيه، والتخبط، واليأس وربما الإحباط. اللحظات الأخيرة من حياة أي إنسان هي أصدق اللحظات التي يمر بها في حياته؛ لأنه يعلم أنه ليس أي مجال للعودة، ليس هناك أي وقت لتصحيح هذا القرار أو لخوض تجربة أخرى، أو حتى للاعتذار لأي لشخص، في هذه اللحظات يكون الإنسان في غاية الوضوح والصراحة دون تجمل، وإن سألته عما ندم عليه في حياته، ستجد إجابات مذهلة لم تكن تتوقعها على الإطلاق. ولن يكون الندم على ضياع مال، أو تفويت فرصة عمل، أو رحلة سفر بل سيكون الندم على الوقت الضائع الذي لم نستثمره بالشكل المفي؛

فكم من أيام ضاعت منا ونحن نفكر في إرضاء الناس، وننسى إرضاء الخالق.

كم من أيام أرهقنا فيها تفكيرنا، ونحن نحاول إخفاء مشاعرنا عن الآخرين، سواء كانت مشاعر حب، أو كره، أو غضب؛ خوفًا من خسرانهم.

كم من أيام ضاعت ونحن غارقون في المشاكل التي أعطيناها أكبر من حجمها، وسمحنا لها أن تسرق منا أعمارنا وأحاسيسنا بمتع الحياة.

كم من سنين ضاعت من عمرنا ونحن نلهث وراء لقمة العيش وجمع المال، وأضعنا معها فرصة التمتع بلحظات الود والمحبة التي تمنحنا إياها صحبة الأبناء والآباء والأصدقاء والأحبة.

سيكون الندم على أيام كان من الممكن أن نعيشها بسلام وسعادة ولم نعشها، أشياء كثيرة سنندم عليها؛ لأنها ضاعت من بين أيدينا، ولم ندرك أهميتها إلا حينما حان الأجل.

لذا؛ عيشوا الحياة كما تريدون، لا كما يريد الآخرون منكم أن تعيشوا، ولا تهتموا بآراء الناس فيكم يكفى أنكم راضون عن أنفسكم؛ فافعلوا ما يرضيكم ويرضي رب العالمين، عيشوا حياة إيجابية، عبروا عن كل ما تشعرون به دون خوف أو قلق ممن حولكم، لا تؤجلوا سعادتكم أبدًا؛ فالسعادة قرار بيد كل إنسان منا.. لا أحد، ولا ظرف، ولا موقف يملك أن يحدد لنا سعادتنا، عيشوا واسعدوا مع أبنائكم وآبائكم بجميع اللحظات ولا تخافوا من شيء أو من أحد إلا الله تعالى، لا تعطوا المشاكل والمواقف والحزن أكبر من حجمها؛ لأن كل ذلك يستنفد من طاقتكم وحياتكم ومشاعركم.

وقتك وحياتك ملكك الآن؛ فاستمتع بها قبل فوات الأوان.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديبة العربية/ جيهان السنباطي

مقالات ذات صلة

‫45 تعليقات

  1. مهمة الإنسان وهاجسه الذي يسكنه هو البحث عن الطاقة الإيجابية والتفاعل بشكجل جيد مع كل الأحداث الإيجابية التي تتفاعل في محيطه.. أشكرك الشكر الجزيل

  2. الإنسان هو مجرد كائن زائر للأرض … فلا بد لهذا الزائر أن يترك من وراءه ذكريات جميلة يتذكرها به الأخرين …

  3. نحن لا نندم على أشياء مادية، او أشياء لم نقدمها فقط، أحيانًا كثيرة نندم على ما قدمنا أيضًا.

  4. نحن لا نذكر الموت إلا حينما يزورنا طائفه، ثم نتناساه تدريجيًّا، ليس لأننا نبغضه، فكثير منا مر بمرحلة تمنيه، بل لأننا نبغض الاحتياج والشوق، نبغض أن تظل أجزاء من أرواحنا عالقة بأجساد واراها التراب.

  5. الموت حقيقة، بيد أننا لا نستشعر حقيقة وقعه إلاّ حين نصدم في حبيب أو قريب كان يحتلّ مساحة هامّة في حياتنا، شُغرت برحيله، واستحال علينا تعويضه.

  6. تمر بنا السنون لنكتشف فجأة أننا كنا ندور في حلقة مفرغة، ربما عندما نتذكر الموت بمهابته نفيق من غفلتنا.

  7. والحديث عن الموت ليس تشاؤميًّا أبدًا، بل إنه ربما الموضوع الأكثر أهمية لإنقاذك من التيه، والتخبط، واليأس وربما الإحباط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88