إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

وإن جنحوا للسَّلم فاجنح لها

في ظل تَعنُّت كلٍّ من الشعب والمعارضة فلن نسلم من تأزُّم الوضع أكثر مما هو عليه، فلا المعارضة تريد الجلوس للتشاور والنقاش من أجل الخروج بسلام من المأزق والورطة، متخذة من الفضاءات الافتراضية جسر تواصل بينها وبين أنصارها ومؤيديها، بدل الخروج واقعيًّا والجلوس مع الحكومة الحالية، وطرح ما بجعبتها من أفكار واقتراحات هادفة وذات بُعد، وهو الخطأ الذي سيُحسب عليها ويسجله التاريخ، وكذا الشعب لا يريد التهدئة أيضًا، رافضًا من يمثله وبشدة، فمن غير المعقول أن يتم الحديث والنقاش مع ملايين الناس بطريقة فوضوية، ولا أن يظل الشارع هو الحاضن لقضية تتعلق أساسًا بأمن الوطن، يكفيه أنه عكس تشبع الفرد الجزائري بوطنيته وتمسكه بوحدة ترابه شبرًا شبرا، ويكفيه أنه أوصل صوت كل الفئات إلى من أوكلت لهم مهمة تسيير شؤون البلاد، بغض النظر عن فسادهم أو صلاحهم، من خلال الخروج والتظاهر طيلة أربعة أسابيع متتالية، وإن كانت مشكلة الجزائريين هي إبعاد الفاسدين، والقضاء على الفساد، فها هي فرصتهم، للخروج بحلول تخدم البلاد و أمنها واستقرارها، وما التعنت إلا دليل على أننا نريد إدخال أنفسنا بأيدينا في مشكلة أكبر- حتى لا نقول مصطلحًا آخر- دون حاجتنا إليها، وسندخلها لو استمر تصلُّب الجانبين وتحجُّرِهما متناسين المصلحة العليا للبلاد، ضاربين بها عرض الحائط، حتى نستفيق لا قدّر الله على ما كنا نخشاه.

إن الجولات المكوكية لوزير خارجيتنا، بدءًا بإيطاليا كشريك اقتصادي مهم، مرورًا بروسيا والتي تعتبر هي الأخرى حليفًا للجزائر، وسندًا لها اقتصاديًّا وعسكريًّا، وهي التي قالت: الجزائر من بين العشر (10) دول التي نقوم بحمايتها من أي تدخل أحنبي، ولو استلزم الأمر السلاح النووي، ما يحيلنا إلى أن المشكل العائلي كما أسماه الشارع الجزائري، لم يعد عائليًّا البتة، بل شاركنا فيه أقارب آخرون، كذلك المناورات العسكرية الأخيرة لجيشنا في جنوب البلاد، رسالة ضمنية ودليل على التحضير لأمر جلل سيحصل، ناهيك عن القوى الكبرى التي تتربص فقط وترقب الرّاهن و تطوُّراته عن كثب، ولا يمكن ان ننسى أبدًا أو ننكر أن الجزائر تربطها علاقات واتفاقيات مع كثير من دول العالم (اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وعسكريًّا …إلخ)، ولو تحدثنا بموضوعية وعقلانية، بعيدًا عن العواطف التي لن تخدمنا قيد أُنملة، لقلنا، نظرا لمصالح هذه الدول في الجزائر فلها الحق في الخوف على مصالحها، ولكل منا أن يُبَسِّط المسألة حتى يتسنى له استيعابها والوقوف عندها وفهمها، صحيح المسألة عائلية كما نادى بهذا الشعب الجزائري المؤمن بقضيته، وبضرورة تخليص البلاد من حزمة الفاسدين، والرغبة المُلِحَّة في تغييبهم بشكل نهائي عن المشهد السياسي، ولكنها ليست عائلية مئة بالمئة، وحقيقة الإضرار بمؤسسات الدولة الاقتصادية،لها علاقة وطيدة بالإِضْرارِ بأطرافٍ أجنبية مختلفة، ولن تسمح هذه الأخيرة بالمساس بمصالحها الاقتصادية، ولو كلف الأمر ( كذا وكذا ).

التعقل وفتح باب الحوار، هما الطريق الصحيح المفضي إلى تسوية مرغوبة، والقول بعدم قبول التفاوض والحوار مع السلطة الحاكمة بدعوى أنها غير شرعية وفاسدة، فكأنه القول بضرورة تدخل أجنبي عاجل غير آجل، وهو ما ينتظره أعداء الجزائر من غير أبنائها ولا أصدقائها، وما ينتظره أيضًا المرتزقة من أبناء جلدتنا، ولو فتح باب الحوار لما اضطر رمطان لعمامرة إلى السفر خارج الوطن؛ طلبا لسند من الخارج، وذلك لِعِلمِه بأن هناك من يريد الإضرار ليس بمصالح الدول الأجنبية في الجزائر وضربها فقط، بل ضرب الجزائر وشعبها المسالم الأبي أيضًا، ضربة موجعة عن طريق التحريض والتخوين والتشكيك.

ونحن نحيا الذكرى 57 من عيد النصر الجزائري 1962، المصادف للتاسع عشر (19) مارس من كل عام، عاد بي التاريخ إلى المفاوضات التي دارت رحاها بين الوفد الجزائري والحكومة الفرنسية، وهي التي منيت بهزيمة نكراء على إثر إسقاط أربعة من جمهورياتها. رجوعي لهذه الحقبة التاريخية بالذات، هو محاولة مني لوضع بعض النقاط على الحروف في أزمتنا السياسية هذه، فإن كان الشعب الجزائري الذي لا يمثل حراكه السلمي أي أحد، والمعارضة البائسة التي لم تخرجنا من عُنُق الزّجاجة، يعتبران (الشعب و المعارضة) أن النظام الحالي، هو نظام فاسد وعميل لفرنسا، وخائن لمصالح الأمة الجزائرية، ومغتصب لهذه الأرض الطاهرة المُرتوية بدماء الشهداء الزكية …إلخ، فأين هو المانع في التفاوض معه والانتصار عليه سياسيًّا، بحنكة وذكاء منقطعيِّ النظير، بدل البكاء والتباكي والهروب إلى الفايسبوك لمخاطبة الجماهير. ألم يتفاوض رجال هذه البلاد مع عدوهم وعدونا وقاتل أبنائنا ونسائنا ومغتصب أرضنا إبان الثوة التحريرية المجيدة الخالدة؟ بلى، لقد تفاوضوا مرارًا وتكرارًا، وكانت كلما فشلت مرحلة أعادوا الكرة وتفاوضوا مرة ثانية وثالثة، حتى غنموا، باعتبارها حربًا، فأين المعارضة الحالية والشعب من هذا الأمر؟! ألم يتعلموا من التاريخ؟ أين هم من رغبتهم في التفاوض وإطفاء فتيل جهنم التي ستشتعل في البلاد. لا ولم أرى عقلاء حتى هذه اللحظة، أو سياسيون محنكون تهمهم مصلحة البلاد وأمنها، فكل ما رأيته، محرضين، تلهث ألسنتهم بحب الوطن، وما هم سياسيًّا بعالمين ولا فاعلين.

الكاتب الجزائري/ طارق ثابت

مقالات ذات صلة

‫49 تعليقات

  1. اسمح لي أستاذي الفاضل أن أختلف مع حضرتكم، فليس الحوار دائما حلا ناجعا خاصة عندما يكون هناك طرف مفسد وفاسد أو ظالم وطرف مظلوم، الحوار معه بالعقل والمنطق لا يجدي نفعا.

  2. تحية طيبة مني لجميع الأساتذة المبجلين الحاضرين،شكرا لكم جميعا على قراءة المقال،شكرا جزيلا .
    اردت أن أشكر أيضا الأستاذة فايزة الشهراني،وأقدم لها تحية خالصة،بَيْد أني أود توضيح أمر مهم وفي غاية الأهمية بالنسبة لمسألة الحوار،هو نعم يصلح ما قلت،لو كنا مع استعمار غاشم ظالم متعجرف ومتغطرس،ولكن ولله الحمد أنا أتحدث عن أبناء وطن واحد،الجزائر تجمعهم،والحكومة فتحت أبوابها للتشاور مع الأطراف الفاعلة من معارضة وممثلين عن الحراك الشعبي.
    إذا هي كسبت الرهان في هذه الجولة،ومن سيُلام؟ الطرف الرافض للحوار( شعبا ومعارضة) إذ وجب عليهم قبول الجلوس مهما كان الامر،في النهاية الحكومة لا تريد تخريب البلاد،وأبدت نيتها الحسنة في إيجاد مخرج ملائم للجميع من هذه الازمة.وأعتقد أنها قامت بالصواب هنا،ولا حجة عليها.بل اللوم كل اللوم على المعارضة والشعب المتحجر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88