إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

التغيير .. أسباب ثم نتائج

يقول مالك بن نبي، المفكر والفيلسوف الجزائري في كتابه (ميلاد مجتمع): “وعلى أية حال فإن أمام كل مجتمع غاية، فهو يندفع في تقدمه إما إلى الحضارة، وإما إلى الانهيار”،
ويقول أيضًا: “إن الطبيعة تُوجِد النوع، ولكن التاريخ يصنع المجتمع”، وقد اخترت هذا التقديم لواحد من أعلام الفكر؛ لأضع القارئ الكريم في لبّ ما سيأتي، ضمن أفكار مقالنا، وهي محاولة أرجو لها التوفيق؛ لفهم متطلبات مجتمع يسعى للتغيير، والتقدم.

لا أنكر، كما لا ينكر جميعنا، أننا نمرّ بمشكلة لم يعد يهمنا حجمها، بقدر ما يهمنا تأثيرها، كما أن مسألة تشخيصها في اعتقادي، أصبحت من الماضي، لأنه وطيلة الحِقَب الماضية من التاريخ، عمل المفكرون على تشخيص داء الأمة، بل وربما توصلوا إلى علاج ينقذها، ويخرجها مما هي فيه، بالرغم من التصدي الكبير للأفكار وأصحابها، من طرف من لا يبغون في الأرض إصلاحًا ولا إعمارًا، لكن أمام حاجة الإنسان المُلحّة للتغيير الذي يُعتبر ضرورة من ضرورات إيجاد مجتمعات سويّة متّزنة، كان من اللازم أخذ زمام المبادرة، مَغبّة أن يمرّ التاريخ من بين أيدي الأفراد، ويجدوا أنفسهم لم يحرِّكوا ساكنا.

التغيير قبل أن يحدث، وهو حلقة من الحلقات الإيجابية المرتبطة فيما بينها، لا بد أن يتعرّض لعملية إنتاج، هنا يحضرني قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل ١١٢]، إذًا الحديث هنا عن إنتاج الأسباب، سواء المُهلكة منها، أو المُنجية، فلكل نتيجة سبب، يقول تعالى {وجعلنا لكل شيء سببًا}، القرية التي ضرب الله لنا بها مثلًا، قدمت سببًا واضحًا ملموسًا لا يتعارض والنتيجة الناجمة عنه. والسبب هنا هو الكفر والجحود، وما يصاحبهما من شِرك وغيره، وليس هذا موضوع مقالنا، والنتيجة هي زوال النعمة من أمن إلى خوف، ومن اكتفاء إلى جوع وحرمان.

وما أوردته من مثال، استندت فيه على دليل من كتاب الله، يمكن إسقاطه على ما نحن عليه اليوم، والمجتمع يطمح إلى التغيير، ولكن هل أنتج أسبابه؛ ليضمن نتائجه؟!

الكثير من الثورات قامت لأسباب تتعدد وتتباين، منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية … إلخ، ولكن لم تصل جميعها للهدف المرجو، بل هناك من ضيعت ماكان أمامها من مستقبل، وما كانت عليه من حال في ماضيها، فلا هي بالمستقبل، ولا هي بالماضي، ونحن نعلم أن لكل تحرك اجتماعي هدف يرجى تحقيقه بالكامل، أو بلوغ أعلى مستويات التحقيق فيه على الأقل، دون الاكتفاء بما هو أدنى، أو مساوٍ لما كان قبل التغيير، فبهذا نكون قد حكمنا على أنفسنا تاريخيا بالعجز والخَوَرِ، وضعف الهمّة، وعدم توفر هدف واضح.

المسألة إذًا لا تتوقف عند الإرادة في التغيير، بقدر ما هي مرتبطة بتقديم أسبابه بجدية ووعي، دون إهمال كيفية تقديم هذه الأسباب، فإن كانت خاطئة غير مدروسة، فلا رجاء في تحقيق التغيير، وإن أوكلت الأسباب لغير أهلها، وتبناها غير العقلاء أيضًا فلا رجاء من تحقيق التغيير، وهذا يدعونا إلى القول بأنه: لا أمل في إحداث التغيير الاجتماعي، أو السياسي ما دامت الطبقة المثقفة والمفكرة والمبدعة غائبة أو مغيبة عن المشهد والساحة، بينما من يمسكون زمام الأمر كله عاجزون عن التفكير السليم، وإن فكروا، ففي مجالهم الضيق المنغلق.

الكاتب الجزائري/ طارق ثابت

مقالات ذات صلة

‫52 تعليقات

  1. الأزمة في عالمنا العربي هي أزمة إنسان يحتاج إلى توفر مجموعة من الشروط حتى يكون إنسانأ إيجابيا قادرا على فعل التغيير.. تسلم..

  2. بس امتة التغير ومين عنده استعداد للتغير الكل ساكت وراضي وكان هو دة الصح ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

  3. المسألة إذًا لا تتوقف عند الإرادة في التغيير، بقدر ما هي مرتبطة بتقديم أسبابه بجدية ووعي

  4. لكثير من الثورات قامت لأسباب تتعدد وتتباين، منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية

  5. لا أمل في إحداث التغيير الاجتماعي، أو السياسي ما دامت الطبقة المثقفة والمفكرة والمبدعة غائبة أو مغيبة عن المشهد والساحة

  6. كلام في الصميم

    لا أمل في إحداث التغيير الاجتماعي، أو السياسي ما دامت الطبقة المثقفة والمفكرة والمبدعة غائبة أو مغيبة عن المشهد والساحة، بينما من يمسكون زمام الأمر كله عاجزون عن التفكير السليم، وإن فكروا، ففي مجالهم الضيق المنغلق.

  7. وعلى أية حال فإن أمام كل مجتمع غاية، فهو يندفع في تقدمه إما إلى الحضارة، وإما إلى الانهيار”،

    مقولة رائعه لمالك بن نبي

  8. قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل ١١٢]

  9. المسألة إذًا لا تتوقف عند الإرادة في التغيير، بقدر ما هي مرتبطة بتقديم أسبابه بجدية ووعي، دون إهمال كيفية تقديم هذه الأسباب..

    صدقت أستاذنا

  10. لا أمل في إحداث التغيير الاجتماعي، أو السياسي ما دامت الطبقة المثقفة والمفكرة والمبدعة غائبة أو مغيبة عن المشهد والساحة، بينما من يمسكون زمام الأمر كله عاجزون عن التفكير السليم، وإن فكروا، ففي مجالهم الضيق المنغلق.

    الله الله صدقت وأنصفت

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88