إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

هل فشل التنوير العربي أم تعثر؟!

وأنت تطالع كتب التاريخ تنبهر بصفحات مشرقة من تاريخ العرب والمسلمين، تجد مراحل عاشها أجدادنا وكانت منارات في مختلف العلوم التطبيقية والإنسانية والرياضيات والموسيقى والفلك والترجمة.

إنتاج معرفي علمي استعان به الغرب ونقل عنه المعارف وقطف ثمار العصر الذهبي للعرب والمسلمين، مما مكنه من شق طريقه نحو التطور والحداثة، بينما نحن أهدرنا هذه الإنجازات في غمرة الصراعات السياسية والاحتقان المذهبي والتعصب الديني والاقتتال الطائفي.

ماذا حصل؟

الأمة العربية والإسلامية دخلت العصر الظلامي حين دمّر المغول بيت الحكمة في بغداد عام 1258، ورموا أمهات المخطوطات العربية، ونفائس كتب الطب والفلك والرياضيات في نهر دجلة.

وقتل جيش هولاكو أكثر من 200 ألف مسلم حسب بعض التقديرات. وأفضى سقوط بغداد إلى سقوط الخلافة العباسية، بعد تدمير كافة المنشآت العمرانية الحضارية لمدينة بغداد، وقتل الخليفة المعتصم، ومازال العرب يعيشون في العصور الوسطى رغم كافة مظاهر الحياة العصرية التي تحيط بنا.

كان العرب في عصر النور فدخلوا في عصر العتمة، فيما الغرب خرج من هذه العصور الظلامية ليدخل عصر التنوير والتقدم، فقد شهدت أوروبا تحولات فكرية كبيرة في القرنين الخامس والسادس عشر نتيجة الإصلاح الديني الذي تم في النصف الأول من القرن السادس عشر، ثم بسبب الحركة النهضوية التي تمثلت في ترجمة الآداب اليونانية والرومانية، ثم الاكتشافات العلمية الكبرى التي حصلت في ذلك العصر.

ثم راح فلاسفة عصر النهضة يهتمون بفلسفة أفلاطون أكثر من أرسطو من أجل تحجيم هذا الأخير الذي كانت أفكاره وفلسفته تتبناها الكنيسة المسيحية، ودخلت أوروبا العصر الحديث التنويري الذي دشّنه عصر النهضة نحو عام 1500 ومستمر حتى يومنا هذا. فما هو هذا التنوير السحري الذي غيّر المسار التاريخي لأوروبا، ونقلها من حالٍ إلى حال.

عُرِف العصر الذي ظهرت فيه الأفكار الفلسفية التنويرية في فرنسا بأنه عصر الإيضاح، وفهي ألمانيا سمي عصر التنوير، الذي هو في الأصل مصطلح إنكليزي Enlightenment كان مرتبطاً بالانتلجنسيا “. وللتنوير كمصطلح فلسفي كثير من التعريفات، جميعها تصب في سياق مفاده أن العلوم والثقافة والتنوير قادرة على تعديل الحياة الاجتماعية، حيث تتولى العلوم المختلفة تطوير الجوانب العملية في المجتمعات، بينما الثقافة تطور المعارف والعقل والقدرة على التفكير المستقل.

الفكر التنويري يدعو العقل للتمرد على حاله؛ ليخرج من وضعية القصور التي تسبب له عجزًا عن الاستعمال الأمثل للعقل إلا بوصاية من آخر، وبهذا فإن الإشكالية لا توجد في العقل إنما في صاحب العقل نفسه الذي يتسم غالبًا بالجبن أو الكسل أو الاتكالية، والذي يقبل بمبدأ الوصاية على عقله.

التاريخ البشري يعلّمنا أن الممالك – وربما الأمم أيضًا – تولد وتموت، مثل البشر أنفسهم، يولدون ضعفاء بلا حول ولا قوة، تشتد سواعدهم في مرحلة الشباب، ثم يُحسب لهم في مرحلة الرجولة، إلى أن ينتهي بهم العمر بالوهن والضعف والخرف في مرحلة الشيخوخة، التي نهايتها الموت الطبيعي الذي ينسجم مع صيرورة الحياة، وهناك أمم عظيمة لا تفنى.

أوروبا التي نتغزل بمكانتها، وديمقراطيتها، وتنويرها الآن لم تخرج عن هذه القاعدة، وهي ذاتها التي كانت مستنيرة في العهد الإغريقي والروماني، ثم دخلت مرحلة الانتكاسة الفكرية في القرن الخامس، ثم عانت من العصر الظلامي بعد انهيار الحضارة الرومانية، وانتشار الأفكار اللاهوتية، ولم تبدأ فيها مرحلة التنوير الحديث إلا في نهاية القرن السابع عشر في إنكلترا ثم في فرنسا وألمانيا وبقية الدول الأوروبية.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

الباحث والكاتب العربي/ حسن العاصي

مقالات ذات صلة

‫13 تعليقات

  1. للأسف يبدو أن التنوير العربي فشل فعلا وليس مجرد تعثر، لأننا الآن في مرحلة ما تحت الصفر رغم المظاهر العصرية كما ذكرت في مقالك!

  2. صدقت أستاذ حسن، ولكن أحيانا لا تكمن المشكلة في قبول فرض الوصاية على الأفكار، وإنما في الاضطرار لقبول هذا الفرض، فبعض المديرين يفرضون على موظفيهم منهجية معينة يحجرون بها على أفكارهم، حتى وإن أثبتت منهجيتهم هذه فشلها.

  3. بصراحة مقال يستحق القراءة، ويستحق بعده أن نسأل أنفسنا هل نحن ممن يتيحون للغير فرض الوصاية على عقولنا؟!

  4. تشبيهك للممالك والدول بالإنسان جاء في محله تماما، “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ”، صدق الله العظيم!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88