11المميز لدينااستطلاع/تحقيق/ بوليغراف / هستاق

شباب “الهيب هوب” يتغنون بالحكمة ويدافعون عن قيم الحرية والسلام.

يمتزج فيها الغناء بالموسيقى، بالحكمة، وتتحدث لغة الجسد، وتتزين بموضى محددة تعتمد كليًا على مصدر واحد آت من دنيا الآخر في صورة سراويل “الجينز” المهتدلة والفضفاضة وقبعات “البيتلز” وقمصان “جوردان” وأحذيته الرياضية، إنها موسيقى “الستيل” أو “الراب” أو “الهيب هوب” الظاهرة التي شغلت بال المحللين السياسيين والسوسيولوجيين، واتسعت دائرة روادها ومحبيها بشكل يشد الانتباه.

الموجة ظهرت بالمغرب كما ظهرت في مختلف أنحاء العالم، كأحد أشكال التعبير الثقافي الأكثر تأثيرًا، من خلال رقص أقرب منه إلى الحركات الرياضية التي تستدعي خفة وموهبة خاصتين، مصحوبة بموسيقى يمتزج فيها “الهاردروك”، بـ”الراب”، بـ”الريكي”، بـ”الراستا” و”كناوة”.

 استطلاع : عبدالرحمان الأشعاري/المغرب

موسيقى “الستيل”

أبدى معظم الذي التقتهم صحيفة “هتون” في شوارع العاصمة الرباط، إعجابهم وهوسهم الشديد بأغاني “الراب” وموسيقى “الستيل” أو “الهيب هوب”، مبينين أنها ظاهرة حملت الشئ الجديد، وأفرزت شبابًا واعيًا كل الوعي بما يحيط به من قضايا، كان هو أول من ذاق مرارتها، واكتوى بلهيبها الحارق، يقول (مروان الهلالي) 21 عامًا طالب بشعبة الاقتصاد لـ“هتون”: “أنا أنام على أغاني الراب وأستيقظ عليها، وأسمعها في كل الأوقات حتى داخل سيارات الأجرة الصغيرة، وأعتقد أن شباب الستيل أصبح على دراية تامة بما يجري في بلاده، فلم تعد خطابات الحكومة والأحزاب تشكل له شيئًا، بل أقول إن شباب الستيل أو الهيب هوب أصبح قادرًا على الخلق والإبداع”، وعلى بعد خطوات قليلة من مروان، كان (أنس مرادي) 18 عامًا تلميذ بالثانوي يجلس بمعية شخصين آخرين، عرفت بعد ذلك أنهما أخويه، سألته إن كان يعرف شيئًا عن “الهيب هوب”، فأخبرني على الفور بأن هناك على جانب الشاطئ فرقة تستعد للقيام بعروض في أغاني الراب، شكرته ثم أخذت أشيائي وتوجهت على وجه السرعة إلى هناك، فوجدت شبابا تتراوح أعمارهم ما بين 16 و24 عامًا يرتدون أزياء متشابهة مغايرة تمامًا لأنماط اللباس العادي لدى الشباب، فمن سراويل فضفاضة وارتداء طاقيات أو طرابيش بطريقة معكوسة، إلى بوديات وأحذية رياضية أو عسكرية “برودكان”.

استغليت فرصة ما قبل بدء الحفل، فاقتحمت عالم هذه الفرقة وسألت (سمير سفيني) 19 عامًا أحد أعضاء الفرقة عن نوع الموسيقى التي يودون تقديمها، وهل سيكتفون فقط بالحركات الرياضية، فأجابني: سنعزف موسيقى “الريكي”، فقلت له: هذه موسيقى قادمة من “الهارليم” بالولايات المتحدة الأمريكية، فقال: أعرف ذلك، ولكنها تنسجم مع طبيعة الأغاني التي نقدمها، فقلت له : وأي نوع غنائي ستطربون به هذا الجمهور، فقال: أغاني الراب طبعًا بالدارجة المغربية، قلت: ومن يؤلف لكم كلمات هذه الأغاني؟ فقال لي: أنا من يكتب الكلمات وأنا من يلحنها على وزن الراب وموسيقى الستيل على أمل أن نتحول إلى فرقة محترفة فيما بعد، ويضيف :”لا نريد خطب رنانة بكلمات كبيرة ومستعصية الفهم، بل نريد أن نسمي الأشياء بمسمياتها والتحدث عن الوطنية والبطالة وغلاء المعيشة والهجرة بأبسط أسلوب ممكن”.

تركت المجموعة تستعد، ثم واصلت الاستطلاع، فصادفت (مراد السالمي) رجل في الخمسينات من عمره، أب لودين يعشقان الهيب هوب والراب، فسألته عن موقفه..فقال “في الواقع كان ينتابني بعض القلق إزاء الموسيقى التي يستمع إليها أبنائي، لأني أجدها صاخبة ولا ذوق فيها، وأتساءل لماذا ليس لهما حس فني؟ وما إذا كان هذا الذوق سيؤثر على شخصيتهما في المستقبل القريب، لكني سرعان ما أجدني أتقبل الأمر لأن هذا الجيل جيلهم، وهم يتحدثون بلغة سنهم، وبالتالي لا بأس أن نبارك هذه الموهبة وهذا الإبداع”.

الطرف الآخر 

وإذا كان الجزء الكبير من الذين التقتهم “هتون” قد عبّروا عن استحسانهم لظاهرة الهيب هوب، فإن عددًا آخر لا يستهان به من المستجوبين يرى أن مرد انغماس الشباب في ظاهرة الستيل وأغاني الراب إلى درجة تقليد لباس كبار نجوم الأغنية الغربية، هو أساسًا انعدام اهتمام الأسرة ورعايتها لأبنائها، وهم في مرحلة حساسة تقتضي المزيد من الضبط والعناية في مرحلة المراهقة، فالغياب الدائم للأب- حسب هذا الصنف من المستجوبين- يترك فراغًا يولد فوضى تؤدي ببعض الشباب إلى الارتماء في أحضان الهيب هوب والخروج بالتالي من دائرة التدين والتمسك بالقيم والأخلاق التي يدعو إليها الإسلام في ربط مباشر بين الدين والظاهرة موضوع الاستطلاع، يقول (حكيم غانم) 20 سنة طالب بشعبة الدراسات الإسلامية “كل شخص له تعبير وطريقة خاصة به، وأعتبر أن أسلوب الهيب هوب هو أسوأ أسلوب يعبر به هؤلاء الشباب عن معاناتهم داخل المجتمع، ذلك لأنها طريقة لا تنسجم مع المبادئ والأخلاق العامة، فضلًا عن أنها بعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي، وبرأيي فظاهرة الهيب هوب ظاهرة سلبية وغير صحية ولن تعمر طويلا”.

ويرى (محمد المسكيني) أستاذ في الأربعينات من عمره “إن فهم هذه الظاهرة يتطلب منا العودة إلى التنشئة الاجتماعية لهؤلاء الشباب، وهنا ألاحظ أنه في الأوساط المحافظة، لا نجد أثرًا كبيرًا لمثل هذه الحالات، وقد يكون ذلك مرتبطًا أساسًا بالتربية التقليدية والدينية التي تميز هذه الأوساط، في حين تختلف المعطيات مع الشباب الذين نشأوا في أوساط اجتماعية منفتحة، والمعرضة للإنجرار وراء كل ما هو “حداثي” وإجمالًا أرى أن هذه الظاهرة تبقى مجرد نزوة أو إحدى علامات المراهقة لا أقل ولا أكثر”.

وفي السياق ذاته أكدت (مريم نوالي) 20 عامًا طالبة بشعبة الأدب الإنجليزي أن “ظاهرة الهيب هوب ليست هي الطريقة المناسبة للتعبير عن انشغلات المجتمع، وهي فقط نقل حرفي لطريقة الغناء والرقص كما هو في بلاد الغرب”، أما (عبدالصمد غرباوي) 25 عامًا طالب بشعبة الفيزياء فيتهم شباب الهيب هوب ورواد أغاني الراب بالتعاطي لمختلف أنواع الخمور والمخدرات، ويقول بأن صديقًا له أخبره بأنه عاين مجموعة من الهيبهوبيين يتناولون مخدر “المارغوانا” الحشيش، ويرقصون على إيقاعات “الفوتكا”، ويذهب عبدالصمد إلى أبعد من ذلك عندما يعتبر أن شباب الستيل يتخذ من ظاهرة الهيب هوب غطاء ليس فقط لتناول المخدرات، ولكن أيضًا للإتجار فيها.

وعمومًا فإن هذه الفئة من المستجوبين الرافضة لهذه الظاهرة تذهب إلى أن الفراغ هو الدافع الأساسي الذي جعل هذا الشباب يتحول إلى كائن “هيبهوبي” ويتنكر لهويته وقيمه وأخلاقه ومبادئه.

غناء وحكمة

غير أن ما يشفع لمجموعات الهيب هوب، ومطربي الراب المغربي لدى منتقديهم، هو تشبتهم بمغربيتهم، وحسهم الوطني، فهاهو “البيغ” مثلا يغني “مغاربة حتى الموت”، ومجموعة “آش كاين” تصدح بـ”كلنا مغاربة” وهي تشير إلى الاختلافات الموسيقية والثقافية والعرقية التي يتشكل منها المجتمع المغربي.

وللتذكير فثقافة الهيب هوب في المغرب هي ثقافة الشارع، لأنها لم تخرج قط من المعاهد، بل إنها خريجة الأزقة والأحياء الشعبية، حيث تجد كلمات استقاها رواد موسيقى الستيل من القاموس السياسي المغربي مثل: الحرية، المساواة، العدالة، والسلام.

على هذا الإيقاع يتناول الراب المغربي مواضيعه التي على حد تعبير مغني الراب “توفيق حازب” المعروف بـ”البيغ” في أحد تصريحاته للصحافة الوطنية “لا تؤمن بالخطوط الحمراء، وهي العتبة التي من خلالها نعلن عن وجودنا، وهي الطريقة الوحيدة التي عبرها يمكن أن نصل إلى الحل، على الأقل فإننا ندفع المسؤولين في هذه البلاد عن طريق الراب كي ينتبهوا لهؤلاء الشباب ويقولوا إنهم آدميين مثلنا”.

يحكي (سمير سفيني) أحد أعضاء الفرقة التي التقيناها في حي “الأوداية”، تجربته مع “الهيب هوب” باعتزاز ونظراته تعبر عن حب جنوني بلون موسيقى “الريكي” “كنت معجبا وما زلت بموسيقى الريكي، خصوصًا موسيقى “ألفا بلاندي” و”بوب مارلي” الذي أبهرني مضمون أغانيه الرامزة للاحتجاج والتمرد على واقع التمييز ضد السود والجنسيات ذات الأصول غير الأوروبية في أمريكا”، هذه هي المقدمة الأولى التي ستدفع بالشاب سمير إلى اعتناق “الستيل”، حسب إفاداته، حيث تعرف على أحد أبناء حيه من أصحاب الراب الذي استقطبه إلى عالم جنون الموسيقى الصاخبة ومتعة ركوب قواربها.

والمعروف عن “الزنوج” عمومًا هو أن الموسيقى والرقص هي من بين أشكال التعبير والاحتجاج، والسود من بين الإثنيات العرقية المعروفة بالموسيقى والرقص، مثلًا في جنوب إفريقيا نشاهد في كل المظاهرات السود وهم يرقصون، وهي ميزة تميز هذه المجتمعات وتدخل في صميم ثقافتها وفي أسلوب عيشها.

يقول (كريم يماني) 27 عامًا جامعي عاطل عن العمل لـ“هتون” “أصبحت لدينا ثقافة الهيب هوب التي تعني باللغة الإنجليزية الأعلى والأسفل، حيث ترمز إلى الفوارق الاجتماعية، وأصبح لدينا الراب الذي يتحدث عن مواضيع مغربية بامتياز كـ”الحريك” والإرهاب والبطالة والانتخابات والأحزاب، والملحوظ أنه في أغانيه يعبر عن حبه للبلاد، حيث نجد شبابا يرتدون قمصانا مكتوب عليها “مغاربة حتى الموت”، ويؤكد كريم أن ممارسي الهيب هوب “أناس عاديون، لا يفكرون في “الحريك” ويحبون بلادهم، ويدافعون عن قيم السلام والتسامح والحرية”.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. اصبح هذا هو ما يشغل الشباب عن اي شيء اخر الغناء والراب والهيب وغيرها من الموسيقي الشعبيه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88