11المميز لديناإسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

كيف اتسعت دائرة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟

رغم أن المتتبعين والمهتمين بظاهرة الإسلاموفوبيا (Islamophobia)، يرجعون أول استعمال لها كمفهوم إلى بداية القرن العشرين إبان الفترة الاستعمارية، حيث استعمل، حسب علماء اجتماع فرنسيين، لوصف رفض جزء من الإداريين الفرنسيين ومعاداتهم للمجتمعات المسلمة التي كانوا يتولون إدارة شؤونها في زمن الاحتلال، إلا أن هذه الظاهرة في الواقع انتشرت واتسعت دائرتها مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وتفاقمت وتصاعدت مع مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة وتحديدا إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية التي كانت كلا من مدينتي نيويورك وواشنطن مسرحا لها وتبنى مسؤوليتها تنظيم القاعدة، ففي أي سياق جاءت هذه الظاهرة؟ ومن يتحمل مسؤولية انعكاساتها السلبية على جالياتنا المقيمة بالخارج؟

صحيح أن الغرب الاستعماري الإمبريالي التوسعي كان السباق إلى إلحاق الضرر والأذى بالشعوب العربية والإسلامية، قتل وذبح أبناءها، وانتهك حرماتها، ونكل بعلمائها وأهان مقدساتها واستغل خيراتها أيما استغلال وما يزال، وصحيح أنه كان يسعى دائما إلى إزالة ومحو كل أثر للحضارة العربية الإسلامية في مجموعة من البلدان التي استعمرها وخاصة في إفريقيا وآسيا، موظفا في ذلك كل طاقاته وترساناته العسكرية والسياسية والدبلوماسية، وصحيح كذلك أنه كان منحازا ولم يكن منصفا في مجموعة من القضايا العادلة التي تهم العرب والمسلمين وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إلا أن كل ذلك لا يعفي تنظيمات الإسلام السياسي وخاصة منها الدموية من مسؤولية ما يعتمل داخل الأوساط الغربية وتحديدا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من تفاعلات سياسية ومجتمعية وإعلامية أدت إلى ظهور وبروز حملة عداء غير مسبوقة ضد الإسلام والمسلمين يكتوي بنارها اليوم الجاليات العربية والمسلمة المتواجدة هناك.

وذلك لاعتبارات ثلاث أولها، حرص هذه التنظيمات وخاصة منها الأكثر تطرفا، على اختطاف الإسلام واستغلاله وتقديمه للعالم على أساس أنه دين تطرف وكراهية وإرهاب، وثانيها، كفرها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا خصوصا ما يتعلق بحرية المعتقد ومناهضة عقوبة الإعدام والعنف ضد النساء، وثالثها، رفضها من دون تعليل لأي إصلاحات تهم المجال الديني والتربوي، كما هو الشأن بالنسبة للإصلاحات التي يباشرها المغرب على هذا المستوى وتحديدا طريقة تدريس مواد التربية الدينية في المدارس المغربية التي تؤدي إلى نزوعات متطرفة تكفيرية وتوسع من دائرة الفكر الإرهابي، منصبة نفسها مدافعة عن الدين وعن التربية الدينية، ومعتبرة أن تلك الإصلاحات دخيلة تحيل على المرجعية العلمانية التي تمتح من المعنى الكنسي للدين في نشأته التاريخية وامتداداته الفكرية وفصله بين الذي لله والذي لقيصر.

وبذلك وانطلاقا من هذه الاعتبارات الثلاث، فإن هذه التنظيمات تغدي بشكل غير مباشر ظاهرة الإسلاموفوبيا وتنفخ في رماد خطاب الكراهية، وتوسع من دائرة العداء لتطلق بعد ذلك “سيمفونية” القتل والذبح والدم ثم تنغمس في حفلة رقص صاخبة على حساب جراحات جالياتنا وخاصة تلك المقيمة بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

تصاعد الاعتداءات الإرهابية كان يوازيه في الجهة الأخرى تصاعد آخر يتمثل في الأعمال العدائية ضد المسلمين وفي حق المساجد ومقابر المسلمين التي تعرضت للتدنيس في أكثر من مناسبة، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين تعتدي بشكل منتظم ومنهجي على المسلمين في شوارع وأزقة المدن الأوروبية.

الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2007 وضربت بشكل أكبر القارة العجوز، زادت هي الأخرى من الطين بلة، وبات “اليمين المتطرف يروج لفكرة ظالمة مفادها أن الهجرات القادمة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط هي سبب الأزمة، وأن هؤلاء المهاجرين باتوا يزاحمون الأوروبيين الأصليين في الحصول على فرص ويكلفون الميزانية العمومية نفقات باهظة، وفي نفس الوقت يبنون مستقبلهم في بلدانهم الأصلية”، وتفاقم الأمر بشكل أكبر مع موجات اللجوء الكبرى القادمة من سوريا والعراق والصومال عبر تركيا عام 2016، وباتت أخبار الاعتداء على المسلمين تأتي من معظم العواصم الأوروبية، حيث شهدت العاصمة البريطانية لندن في أبريل/نيسان 2017، اعتداء على امرأة محجبة تم إنزالها من حافلة نقل عام عنوة، كما تعرضت عدة نساء محجبات لاعتداءات مشابهة عام 2016 في لندن، وتضمنت الاعتداءات أعمال ضرب في الشارع، وإزالة للحجاب.

وذكر بيان لجمعية مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا، أن البلاد شهدت عام 2016، حدوث 419 جريمة تمييز، و39 جريمة مضايقة وتحرش، و25 هجوما، و98 حادثة خطاب يحض على الكراهية واعتداء على المباني الدينية، ومن ذلك ما قام به أحد المتطرفين مباشرة بعد اعتداء تشارلي إبدو عندما شن هجوما على منزل فرنسي مسلم يدعى محمد المعقولي، وقال له “أنا إلهكم”، قبل أن ينقض عليه ويطعنه 17 مرة أمام زوجته طعنات مميتة.

وفي النمسا، سجلت أحداث الاعتداءات زيادة بنسبة 65%، حيث تعرض المسلمون هناك لاعتداءات أثرت على حياتهم اليومية، ومن ذلك الاعتداء الذي قام به مواطن نمساوي في سبتمبر/أيلول 2016 في العاصمة النمساوية فيينا، عندما عنف مواطنة نمساوية من أصل تركي أويغوري، ونزع الخمار عن رأسها.

غير أن عدد ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية من جرائم كراهية ضد المسلمين، يعتبر الأكثر ارتفاعا، فقد ذكر مكتب التحقيق الفدرالي الأميركي (أف بي آي) في مايو/أيار 2017 أن نسبة تلك الجرائم شهدت ارتفاعا بنسبة 67% عام 2015، مشيرا إلى أن عدد المجموعات المعادية للمسلمين في تزايد.

وقد تفطنت رئيسة الوزراء البريطانية السيدة تيريزا ماي لهذا السيناريو فقامت بإضافة الإسلاموفوبيا لأسباب التطرف لأول مرة بعد حادث الدهس بمسجد فانسبيري بارك بلندن في يونيو/حزيران الماضي، وأشادت صحيفة الغارديان حينها بهذه المبادرة، مشيرة إلى أن المسلمين يعانون في بيئة تسودها “الإسلاموفوبيا” من العنف اللفظي والجسدي والبطالة والكراهية.

وأمام فظاعة وهول ما يحدث لجالياتنا المقيمة بالخارج، طرحت وأكثر من السابق قضية مواجهة هذه الظاهرة، وبحسب باحثين متخصصين في المجال، فإن عملية المواجهة تتم عبر مدخلين اثنين، الأول هو الرهان على القيم الروحية الروحانية للإسلام، التي تعرضت لفترة من الزمن للتشويه والتقزيم، مثل ما حصل قبل ذلك للمدونة الأخلاقية.

والثاني هو تعديل الصورة السلبية اللصيقة بالإسلام حول المرأة، وإعادة النظر فيها بتصحيحها وتصويبها، وهو الأمر الذي لن تقوم له قائمة إلا بانخراط المرأة المسلمة نفسها، والحديث هنا عن المرأة الفاعلة الباحثة والكاتبة والموظفة والجمعوية، في تفكيك وتحليل جوانبه النظرية والعملية.

ودعا آخرون إلى ضرورة تأسيس خطاب بديل للخطابات المشبعة بالصور النمطية تجاه الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام، سواء داخل الدول الإسلامية أو في الغرب، على اعتبار أن  الظاهرة هي في أصلها إفراز ومحصلة للترسانة الإعلامية الغربية، وليس المراكز البحثية والعلمية، وعلى رأس هؤلاء الخبير المغربي في مجال الإعلام والاتصال، السيد عبد الوهاب الرامي، الذي قال في تصريح صحفي، على هامش ورشة عمل إقليمية مخصصة لبحث آليات تفعيل الاستراتيجية الإعلامية للتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا والتعريف بوسطية الإسلام في الدول الإفريقية، احتضنتها العاصمة السنغالية دكار يومي 16-17 أكتوبر/حزيران الماضي، إنه أمام تنامي مظاهر الإسلاموفوبيا التي تطال الجاليات المسلمة في الغرب، فإن المطلوب اليوم هو “تأسيس خطاب بديل للخطابات المشبعة بالصور النمطية تجاه الإسلام والمسلمين، سواء من لدن الصحفيين المسلمين خارج الدول الغربية، أو الذين يشتغلون داخل هذه الدول، أو من لدن الصحفيين الغربيين الذين يشتغلون على قضايا الإسلام”.

وحول محتوى ومكونات هذا المنهاج، الذي أعده السيد الرامي لفائدة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بعد استرشاد العديد من الخبراء في المجال، قال الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط إنه يعرض، وبطريقة تدريجية، المفاهيم الأساسية المرتبطة بالصورة النمطية، وجردا تاريخيا لكيفية ظهورها وميكانيزماتها وأسسها وأهدافها، سواء على مستوى المجتمع في معزل عن وسائل الإعلام، أو على مستوى وسائل الإعلام، أو في الارتباط بينهم، مشددا على ضرورة تدريس هذا النوع من المناهج وإدراجه في مسارات تكوين الإعلاميين ليتشربوا قيمة الحق في الاختلاف في إطار التناغم، وليضطلع الإعلام بالتالي بدوره في “حلحلة التصورات المتكلسة المرتبطة بالآخر بالتدريج”.

بقلم الكاتب زياد القصابي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88