11المميز لديناإسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

قصـــة قصيــــرة / “إعــادة ضبــط ” ….. بقلم عبدالعــــزيز الرَّواف *

عبر سنوات طوال، أعبرُ هذه الدرب في الصباح، وأعودُ منها في وقتٍ محدد ظهيرة كل يومٍ، دائمًا تنبض بالتنوع، تشع تفاصيلها في ذاكرتي من صورة ذات صلةخلال عيون الباعة الواقفين على أرصفتها، ارتسمت في مخيلتي كل علامات هذا الدرب، كما التصقت أسماء المحطات ويافطات المحلات كعناوين لسنيين العمر،  وأصبحت مواعيدُ العشاق بنواصيها منبه لتحديد ساعات الزمن، ومن فرط عشقي لتأمل تفاصيلها وصلت لمرحلة أن أُميزَ سيماء العابرين بها بكل وضوح.
أفعل هذا الأمر كل يوم، وبنفس الحماس، وكأنني أشاهد كل هذا الاختلاط للمرة الأولى، لم يفتر عشقي للتفاصيل رغم تكرارها، ولم يخفت عندي اشتهاء نبض الوجوه، ولم تفقد العلامات رونقها في عيني.
زادت رغبتي في معرفة ما خلف الوجوه، وسَطتْ على عقلي لهفة البحث فيما تكتنزه عيون العابرين..! وتملك تفكيري اشتياق دائم لتأمل كل شيء.
صورة ذات صلةهرولت سنوات العمر بأيامها وشهورها، اختلفت تفاصيل الإحساس، اضمحلت خطوط الطريق، غبرة الاختفاء بدأت تَتَرسّمْ بوضوح، اختفت تفاصيل البهجة من الوجوه وغدت كوجه واحد مموه، الطريق لم تعد تنبض بالحياة، ضاع التميز من كل العلامات، شعور قاسٍ مريب، أتوقف، أتمهل، أسأل نفسي دائمًا لماذا اختفت ملامح الطريق؟.
أفتش ذاكرتي عن كل علاماته، أدون معالمه كأنني أراها للمرة الأولى، وبعد كل محاولة أتوقف، وأسأل مجددًا أين ذهبت تضاريس الطريق؟ أشعر بجلطة تفكير قاسية تمحو تفاصيله التي عشقتها ! ، ذاكرتي امتلأت بأسئلة كقنابل معدة للانفجار، أين تلاشت تلك الوجوه والعلامات ؟ وماذا حل بها ؟
هاجس داخلي يهتف بي دائمًا بأن معالم الطريق لم تتغير، التفاصيل لا تزال كما هي، المبـاني، صورة ذات صلةالازدحام العنوان الدائم لكل شيء، نفس المشاهد، ونفس تفاصيل الوجوه.
لا أنتشي كثيرًا بهذه القناعة، سرعان ما تعود سيطرة الهلوسة واختلاط الصور والأصوات، تتكاثر الوجوه الشاردة في ذاكرتي، ومعها تختفي كل الدلالات، تعلوا أصوات بضجيج الفوضى تغلفه همهمات بشرية لا معنى لها، تضيع تفاصيل الأماكن، وانمحت نقاط العلامات، أعود لفقد رسم الوجوه من ذاكرتي.
أسبح في لجة الطريق، تُعاني ذاكرتي فحص الدلالات، تتراكم في رأسي كبقايا مخلفات، عناوين، صور بشرية، علامات وإشارات، بشر يركضون، وآخرون يعبرون على مهل، لقاءات حالمة، مارة يصرخون لآخرين، ثم نهاية الطريق يختلط هذا التداخل، ليعيده العبث من سلة المهملات مع أول فرصة.
أهرب للنوم أملاً في صحوة تعيد التواصل، بمجرد أن أبدأ في أولى خطواتي، تعود المعاناة للسيطرة، لا شيء يتغير، أشعر بأن تجاويف رأسي صورة ذات صلةشُحِنت بأشياء غريبة، تحتاج لإعادة ترتيب وتنظيم، وحذف ما لا يلزم.
قررت ذلك الصباح أن أثور على هذه التفاعلات، أعيد التواصل مع تفاصيل المكان، وألتقطُ حميمية الصور والوجوه من جديد، إشارات بدأت تعتمل كوميض خافت، يجب أن أترك البحث في التفاصيل، أترك مالا يعنيني، أهتم فقط بالأشياء ذات القيمة.
 بعد أيام من تكرار المحاولة، أيقنت بأن داخلي يتغير، مضاد داخلي يقاوم هلوسات الطريق، أشعر بأن فضلات التداخل تنزاح من ذاكرتي، وتترك مساحات في ثناياها، الصور بدأت تشرق من جديد، خطوط الأماكن ترتسم بوضوح، عُدت أرسم كل تفاصيل الطريق، بالوجوه، والعلامات، ولقاءات العشاق، هدأ ضجيج الفوضى، سمعت صوت الحلم الذي عشقته في هذا الطريق… لقد نجحت عملية إعادة الضبط..
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
*كاتب وصحفي من ليبيا

 

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88