إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

العالم الرقمي.. سيف ذو حدين

الحديث عن العالمي الرقمي، في نظر عدد من المختصين والمتتبعين، في الواقع، حديث عن نقلة كبرى في الوسائل والأساليب التي تنقل المعلومة، وفي سرعة تطور وتراكم المعلومات، وتدفقها السريع بدون ضوابط، بل وفي صيرورتها عنصرا لا غنى عنه من عناصر الإنتاج القادر على المنافسة في سوق مفتوحة على الجميع، ولذلك أيضا فإن الحديث عن هذا العالم هو بالضرورة حديث عن العولمة على اعتبار أن الآلة الرقمية هي إحدى أدواتها وآلياتها الأساسية.

ولعل أول ما ينبغي ملاحظته هو أن العالم الرقمي، كاد أن يدخل كل بيت ويتناول في تأثيره معظم البشر، فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة “اللايبو ليكا” الإيطالية في أحد أعدادها الصادر في سنة 1997، أنه يوجد في العالم آنذاك 1.28 مليار جهاز تلفزيون و690 مليون مشترك على جهاز الهاتف منهم 80 مليون اشتراك بالهاتف الخلوي و200 مليون حاسوب منها 30 مليون مربوطة على الأنترنت وتوقعت الصحيفة أن يصل عدد المتواصلين عبر الأنترنت 600 مليون جهاز تربط مليار مشترك، وقدرت كلف قطاع صناعة الاتصالات بما يعادل 10% من الاقتصاد العالمي، وقدر عدد الأشخاص الذين استخدموا الأنترنت خلال سنة 1995 وحدها بعشرة ملايين شخص ليرتفع هذا الرقم إلى مليار مع حلول سنة 2000، فيما يمكن أن يتضاعف مرات أخرى مع انطلاق هذه السنة، وهكذا يمكن القول أن الإنسان على امتداد الكرة الأرضية قد أصبح متأثرا بصورة أو بأخرى بهذا العالم الذي اخترق الحدود والعقول معا.

ومن الإيجابيات الكبرى لهذه العالم الرقمي أنه سهل الاتصالات بين الأفراد والمجتمعات وقصر المسافات بينهم حتى أنه يمكن القول أنه حول العالم بأكمله إلى قرية صغيرة، كما أنه أنشأ ما بات يعرف بـ”الكتاب الرقمي”، بحيث أن هذا الكتاب يمكن مستخدمه، من القراءة والتسجيل والبحث بل والمشاركة والنقاش مع الآخرين عبر الشبكة العالمية والشبكات الاجتماعية، كما يمكنه من حمل كتب كثيرة جدا في جهاز خفيف الوزن لا يكاد يجاوز 200 غرام، بمعنى أن المكتبة التي كان الصاحب بن عباد ينقلها معه أينما حل وارتحل، كما يقول الدكتور المهدي السعيدي، أستاذ الأدب العربي بجامعة ابن زهر بمحافظة أكادير (جنوب الرباط)، على قافلة من الجمال، “نستطيع الآن أن ننقلها في جهاز صغير خفيف لا يكاد يجاوز في حجمه كتابا متوسط الحجم”، مضيفا أن لهذا العالم حسنات أخرى تعود بالنفع على المحيط البيئي الذي يعيش فيه الإنسان من نباتات وأشجار وغابات..، “بمعنى أن نشر محتوى موقع معين من شأنه أن يقضي على جزء كبير من غابة الأمازون، ويمكن أن نقيس على ذلك البريد الإلكتروني والكتب الرقمية، وغير ذلك.. فجهاز القراءة الواحد يمكننا من قراءة آلاف الكتب واختصار الحيز المكاني الذي يمكن أن تشغله هذه الكتب في البيت خاصة في زمن البيوت والشقق الضيقة، بحيث أنه لو تمت كتابة جميع ما ورد في موقع “تويتر” من النصوص لاحتاج الأمر إلى آلاف من المدن الضخمة ذات الكلفة العالية فيما يخص تملك العقار شراء وكراء”.

على المستوى الوطني، يلعب العالم الرقمي أدورا مهمة في الرفع من وتيرة تنمية المجتمع المغربي، وقد ساعدت عملية خصخصة مجال الاتصالات في فتح الباب أمام الشباب للارتباط بشبكة الأنترنت، بل وأضحت الشبكة العنكبوتية مجالا واسعا للمساهمة في البحث العلمي، وفي هذا الإطار يعتبر قطاع التعليم من القطاعات الأكثر استفادة من هذه الثورة الرقمية، خاصة على مستوى التعليم الإعدادي والثانوي وما فوق، بحيث بدأ التلاميذ والطلبة يحتكون مع المجال الإعلامي، من خلال توجه المؤسسات التعليمية نحو تقريب المعلومات والأنترنت منهم، بحثا عن الجودة التي من شأنها أن تعمل على تحسين مستواهم العلمي وتعمل كذلك على ترشيد سلوكهم القيمي والأخلاقي، ومن المرجح أن تكون كافة المؤسسات التعليمية الوطنية قد استفادت، قبل سنتين من الآن، من خدمات شبكة الأنترنت.

أما بخصوص باقي القطاعات، فقد سبق لوزارة تحديث القطاعات العامة، أن نشرت دراسة حول خرائطية استعمال المعلومات والاتصال بالقطاعات العامة، في إطار تتبع تطور استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالقطاعات العامة، واستهدفت هذه الدراسة القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، وبلغ مجموع المؤسسات، التي شملتها هذه الدراسة، 278 إدارة، بزيادة 22 إدارة، مقارنة بسنة 2008، وأفادت الدراسة أن أكثر من ثلثي المؤسسات العمومية الكبرى تتوفر على بنيات تنظيمية للمعلوميات، مرتبطة مباشرة بالقيادات الإدارية، في حين، لا تتعدى 45 في المائة في القطاعات الوزارية، وأن 48 في المائة فقط من القطاعات الوزارية تتوفر على مخطط مديري لنظم المعلومات، كما لا تتجاوز نسبة المؤسسات العمومية، التي تتوفر على هذا المخطط 37 في المائة، بينما أزيد من 56 في المائة من الإدارات تتوفر على مخطط لأمن نظم المعلومات، وسجلت المؤسسات العمومية الكبرى أعلى مستوى في التوفر على هذا المخطط.

وذكرت الدراسة أن متوسط تجهيز الإدارات بالحواسيب يقدر بحاسوب واحد لكل ثلاثة موظفين، بينما بلغ هذا المؤشر حاسوبا واحدا لكل موظفين اثنين بالنسبة للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية الكبرى، وفاق عدد المقرات المجهزة بشبكة محلية على مستوى الإدارات المركزية والمصالح الخارجية 80 في المائة، كما ناهزت المقرات المتصلة عبر الشبكة بمقراتها المركزية في المؤسسات العمومية الكبرى 85 في المائة، مقابل حوالي 61 في المائة في القطاعات الوزارية، وحوالي 25 في المائة بالنسبة للمؤسسات العمومية الأخرى.

وبذلك يكون العالم الرقمي قد تغلغل داخل جميع المؤسسات، الشيء الذي يؤكد أن المغرب واعيا كل الوعي بمدى أهمية هذه الأدوات والآليات التقنية الحديثة ومدى قدرتها على المساهمة في الرفع من قيمة ومكانة البلاد والعباد.

وكما أن لهذا العالم الرقمي إيجابيات، فإن له بالمقابل سلبيات تؤدي بشكل مباشر إلى إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات على السواء، ومن هذه الأضرار التأثير السلبي على العلاقات الاجتماعية، بحيث أن هذه الوسائل التقنية التي جعلت لتخدم الإنسان وتكون تحت تصرفه حتى يساهم في تطور وتقدم مجتمعه، أصبحت تحكمه وتسجنه داخل عالمها الخاص، فمثلا وسائل التواصل مع الأهل والأقارب عن طريق الأجهزة الجادة لا شك أنها مفيدة، لكنها لا يمكن أن تحل محل التواصل المباشر وأن تكون بدلا منه، إذ أن ذلك من شأنه أن يقيم السدود بين المرئ ومجتمعه، مما قد يؤدي مستقبلا إلى إضعاف الوشائج والروابط المجتمعية، كما أن هذه الوسائل قد تحمل لمجتمعنا الإسلامي بعض الأفكار والأيديولوجيات الخاطئة التي تمقتها قيمنا الحضارية والدينية والتي من شأنها أن تفسد عقول شبابنا وتقودهم نحو الأسوأ.

غير أن الأسوأ من كل ذلك هو أن هذا العالم الرقمي قد يتحول إلى وسيلة للإتجار في السموم، وفي هذا الإطار ذكر تقرير لهيئة الأمم المتحدة أن شبكة الأنترنت تعتبر أحد أهم وسائل الاتجار بالمخدرات، بل إنها الوسيلة الأكثر فعالية، ففي سنة 2012 قدرت الهيئة الأممية قيمة تجارة المخدرات غير المشروعة بنسبة 8% من قيمة التجارة العالمية، أي ما يتجاوز قيمة تجارة المركبات أو الحديد الصلب.

…………………………….

زياد القصابي

المغرب العربي

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. العالم الرقمي هو حديث لانهاية له
    ايجابياته كما ذكرت بها وسلبياته ايضا كما تحدثت عنها بل بالأضافة العالم الرقمي تداوله محتواه بلا رقابه فهناك في المجتمعات احزانا غمرت قلوب وشتت مجتمعات ايضاً وسبب ذلك نشر ملا يستحق ان ينشر ويتداول في مجتمعنا .
    كما ان هناك جيل قادم قد فتحت له ابواب لم تكن بعين الاعتبار باذهانهم من قبل .
    فهو سيف ذو حدين مثل ماذكرت به .
    دمت بجمال قلمك الذي يحمل واقع نعيشه به.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88