إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الحب الأول .. وهم أم حقيقة؟

تتأرجح ذكريات أول تجربة عاطفية يمر بها الإنسان ما بين الحقيقة والوهم، فالبعض يرى أن الحب الأول أكذوبة، ووهم طفولي، ومشاعر مراهقة، من الطبيعى أن يشعر بها الإنسان نظرًا للتغيرات الفسيولوجية والنفسية السريعة التى يتعرض لها في تلك المرحلة العمرية، والبعض الآخر يرى أنه حب حقيقي يترك بصماته على القلب، ويصعب نسيانه، وأنه حب لن يتكرر، ولن ينسى، ولا شك في ذلك، فنسيان الحب الأول قد يكون أصعب مما نتخيل.

في أغلب الأحيان ينتهى هذا الحب نهاية مأساوية، ولا تُكَلل تلك العلاقة في الغالب بالنجاح، بل وقد تترك في النفس جرحًا عميقًا؛ بسبب الانفصال عن الحبيب لأسباب عدة، قد تكون:

– عدم كفاية الخبرة الحياتية للطرفين،

–  رفض الأهل لفكرة الارتباط،

–  ضعف الحالة المادية التى لاتمكنهما من الارتباط الفعلي،

–  السفر وتغيير مكان الإقامة،

–  عدم التكافؤ من الناحية العمرية، كأن يقع الطالب في حب معلمته في المدرسة، أو يحب من تكبره سنًّا بعامين فأكثر.

ورغم انتهاء القصة وطي صفحاتها، ورغم ما خلفته من ألم ومعاناة، إلا أن البعض ممن مر بتجربة “الحب الأول” يظل عالقًا في أحبال الذكريات المتهالكة طيلة حياته، غارقًا في بحار الأمل، يتمنى لو تعود به الأيام؛ ليكمل لحنًا رومانسيًّا، لم يكتمل، وفي مخيلته أن هذا الارتباط لو كُتبَ له النجاح ستكون حياته كلها حب في حب، وسعادة لا توصف، وتفاهم لامثيل له، وكأن هذا المخلوق الذى أحبه لم يُخلَق مثله، فهو لا يرى فيه أى نقص؛ لأنه يعيش حلمه الوردي معه في الخيال، وفي الأحلام، لا يرى سوى ما يريده وما يحبه فقط.

فشل تجربة الحب الأول قد تنشىء بداخلنا خوفًا من الارتباط مرة أخرى، وقد يقف حاجزًا بيننا وبين الشعور بالانجذاب تجاه شخص آخر، وعدم القدرة على الحب بشكل عام وإن فرضت علينا الظروف الارتباط الفعلي أو الزواج، قد يكون الاختيار بالعقل بعيدًا عن المشاعر والأحاسيس، لأن فكرة الحب مرة أخرى دائمًا ما يتم مقارنتها بأول إحساس مر بحياتنا، وهذا في الواقع مقارنة خاطئة جدًّا، وغير عادلة، فعادة ما يأتي الحب الأول في مرحلة حياتية تتسم قراراتها بالانفعالية، والحكم على الأشياء بظاهرها، وهي مرحلة “المراهقة”.

هذه المرحلة تكون المشاعر فيها لا تزال في طور النمو، لكنها مرحلة تتسم بالرومانسية المفرطة، والرغبة في إثبات الذات، وبالتالي نجد الفرد يندفع في مشاعره، ويحاول إسقاط أحلامه على شخص ما يعتقد فيه الكمال.

الحب في هذه المرحلة حب برىء بكر تتحرك من أجله كل حواس الإنسان، يحتوي على تفاصيل صغيرة يمكن أن تجعله حدثًا لا يُنسى، مثل الشعور بدقات القلب السريعة، الانجذاب الجسدي والعاطفي، التفكير والأرق والسهر، كل ذلك يمكن أن يشكل حالة عاطفية غير مسبوقة، تجعله يستمر في أذهاننا إلى الأبد، وهذا ما يجعل الجميع يؤمن بأن الحب الأول يصعب نسيانه.

وغالبًا ما يكون المظهر هو المقياس الأول في اختيار الحبيبِ؛ لذلك نجد كثيرًا من الشباب يعيشون قصص حب وهمية، وهي في الحقيقة لا تتعدى أن تكون حالة من الانبهار والإعجاب، وهذا على عكس الحب في سن النضوج، حيث يقوم الحب الناضج على الواقعية التي تمزج العاطفة بالعقلانية، بمعنى أنه يخطط لينتهي بالزواج، وحتى لو لم ينتهِ بالزواج، فهناك جدية الهدف للسعي نحو الزواج، والذي يدرس فيه مقومات الطرف الآخر، ويدرس الأمور بلباقة للمستقبل وبشكل متوازن، كما أن الحب الناضج قادرعلى رؤية مزايا المحبوب وعيوبه، على عكس الحب الأول الذى لا يرى أي عيوب في الحبيب.

ولأن البدايات دائمًا لا تُنسى، فإن نسيان الحب الأول من الأشياء التي لا يمكن فعلها بسهولة؛ لأنه الشعور الأول الذى يتذوقه الإنسان لهذه العاطفة الجامحة المسماة بالحب الأول، لذلك لا يمكنك نسيان أي من تفاصيل هذا الحب، ولا نسيان الشخص الذي منحك هذا الشعور الأول بالعاطفة والسعادة، ولكن، كيف يمكننا التغلب على هذه التجربة وكيف ننساها؟

كي تتغلب على تلك التجربة وتنساها وتعود إلى نفسك عليك أن تتبع الآتي:-

أولًا: لا تجعل حياتك متوقفة على حياة شخص آخر، ولا تجعل وجودك مرهون بوجود شخص آخرِ. حاول أن تقنع نفسك أن حياتك ليست مرهونة بوجود أحد، ولا متوقفة على بقاء أحد أو مغادرته، حياتك ستستمر بهذا الشخص أو بدونه وإن اقتنعت بهذه الحقيقة فربما تتمكن بالفعل من نسيان الحب الأول.

ثانيًا: لا تترك نفسك في دوامة الحنين، كالحنين إلى الأماكن التي جمعتك بالحبيب، أو الحنين إلى سماع صوته، كما كنت تفعل معه وتحدثه حتى الصباح في الهاتف، أو الحنين إلى بعض المواقف التي حدثت بينكما، لأن ذلك سيصيبك بالاكتئاب، ولن تستطيع تكملة مشوار حياتك، فعليك أن تعي تمامًا أنه ليس معنى أنك مررت بتجربة الحب الأول أن تظل عائشًا على ذكراه إلى الأبد، بل يجب أن تنظر إلى الأمام، وأن تنشد السعادة في أدق وأبسط الأشياء العابرة، عش اللحظة ولا تسجن نفسك في سجون الحنين.

ثالثًا: يجب أن تؤمن بأنه ليس هناك ما يسمى بتوأم الروح، فهي الخدعة الكبرى التي نوهم أنفسنا بها في العلاقات العاطفية، فنوهم أنفسنا بأنه لم يكن يناسبنا غير هذا الشخص، ولن يأتي بعده من يحل محله مهما حدث، وحتى إن أحببنا فلن يكن الحب بنفس قوة الحب الأول.

رابعًا: لا تترك نفسك إلى الاكتئاب، فالحياة لن تتوقف بسبب أحد، ولا تدع غيابه يؤثر سلبًا على حياتك، فينعكس ذلك على الحالة النفسية والمزاجية لك، خذ استراحة قصيرة، فترة استجمام تجمع فيها قواك، واستكمل طريق حياتك، ولا تترك نفسك للضياع.

خامسًا: املأ وقت فراغك، ولا تترك نفسك للعزلة، قم باغراق نفسك في العمل، أو الدراسة، أو السفر، أو تجربة أشياء جديدة. وطِّدْ علاقاتك مع أصدقائك، تَقَرَّب من خالقك، اقرأ الكتب، كن على يقين أن العالم ليس بجنة ولا بنار، بل مكان ملئ بالتجارب والخبرات والعلاقات، والمعارف، والأسرار التي تنتظرك، فَلِمَ تُضيّعُ كل هذا من أجل علاقة حب فاشلة؟

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم الأديبة العربية/ جيهان السنباطي

مقالات ذات صلة

‫24 تعليقات

  1. هذا مربط الفرس

    لا تجعل حياتك متوقفة على حياة شخص آخر، ولا تجعل وجودك مرهون بوجود شخص آخرِ

  2. نصيحة جميلة

    املأ وقت فراغك، ولا تترك نفسك للعزلة، قم باغراق نفسك في العمل، أو الدراسة، أو السفر، أو تجربة أشياء جديدة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88