قصة أصحاب الأخدود
محمد وسلمى ينتظران عودة أبيهما من العمل، ليناقشا معه أمرًا اختلفا فيه، فتحكي لهما الأم حكاية أصحاب الأخدود.
فاطمة الزهراء علاء – هتون
محمد وسلمى بصوت واحد: أخيرًا عدت يا أبي! كنا ننتظرك بفارغ الصبر.
الأب: ما هذا الأمر المهم الذي تنتظرونني لأجله يا أولاد؟
الأم: أرادا أن يناقشا معك ما فعله بطل القصة التي قرأها محمد.
الأب: عن ماذا كانت القصة يا بني؟
محمد: بطل القصة يا أبي موظف في إحدى الشركات، رئيسه مرتشٍ، وفي إحدى المرات كُشف الأمر أمام الموظف الصغير، وعندما فُتح تحقيق في الشركة عن الأمر، ساوم الرئيس الموظف، وخيّره بين أن ينطق زورًا أو أن يُفصل من عمله، فاختار بطل القصة أن يشهد زورًا، وأنا أرى أن ما فعله الموظف ليس صوابًا.
سلمى: نعم يا أبي، ولكنه كان مجبرًا فابنه كان مريضًا جدًّا، وإذا فُصل فربما يموت ابنه قبل أن يج عملًا آخر.
الأب: حسنًا حسنًا.. فهمت وجهة نظرك يا محمد، وأنتِ كذلك يا سلمى. اسمعيني يا سلمى، أليس الرزق بيد الله وحده؟
سلمى: نعم يا أبي، ولكن هناك أسباب يقيدها الله ليرتزق منها الإنسان.
الأب: أحسنتِ يا ابنتي، ولكن ليس من ضمن الأسباب عصيانه سبحان وتعالى فالله وحده هو المنوط به الرزق، “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ”.
أطرقت سلمى مفكرة، ثم قالت: معك حق يا أبي.
الأب: أما أنت يا محمد فقد أصبت، أتعرف من قصص القرآن الكريم من الذي قال للمخطئ إنه مخطئ في وجهه دون أن يخاف، غير الأنبياء؟
محمد مفكرًا: لا أذكر يا أبي.
سلمى وقد أشرق وجهها: أعتقد أنه غلام أصحاب الأخدود، لكنني لا أتذكر القصة تمامًا يا أبي، فهلا قصصتها علينا؟
الأب: أحسنتِ يا سلمى، هو غلام أصحاب الأخدود بالفعل.
الأم: سأقص أنا عليكم قصته ريثما يرتاح والدكم قليلًا. كان هناك ملك متجبر يدعي أنه إله ويرغم شعبه على عبادته، وكان لهذا الملك ساحر يعتمد عليه في تثبيت ملكه وتخويف الناس، فكبر هذا الساحر في العمر، وطلب من الملك أن يعين له غلامًا يعلّمه أمور السحر؛ ليخلفه في مهمته. وفي أثناء ذهاب ذلك الغلام للساحر، تعرف على راهب مؤمن دعاه للإيمان والتوحيد، فأعجب الغلام بكلام الراهب، فكان كلما أتى إلى الساحر مر بهذا الراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فأشار عليه الراهب قائلًا: إذا خشيت الساحر فقل “حبسني أهلي”، وإذا خشيت أهلك فقل “حبسني الساحر”.
محمد: وكيف صدّق الغلام كلام الراهب دون دليل؟
الأم: في أحد الأيام يا محمد، رأى الغلام دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال الغلام في نفسه: اليوم سأعلم من الأفضل الراهب أم الساحر، فأخذ حجرًا وقال: “اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس”، ثم رمى الحجر فقتلها، فذهب الغلام إلى الراهب وأخبره بما حدث فقال له الراهب: “يا بني أنت اليوم أفضل مني، حيث بلغ من أمرك ما أرى، فإن ابتُليت فلا تدُلَّ عليَّ”.
فأُحضر الراهب وقيل له: “ارجع عن دينك”. فأبى الراهب ذلك، وجيء بمنشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نُشِرَ فوقع نصفين. ثم أُحضر جليس الملك، وقيل له: “ارجع عن دينك”، فأبى فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب. ثم جيء بالغلام وقيل له: “ارجع عن دينك”، فأبى الغلام. فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، وتخييره هناك، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل.
فأخذ الجنود الغلام، وصعدوا به الجبل، فدعا الفتى ربه: “اللهم اكفنيهم بما شئت”، فاهتزّ الجبل وسقط الجنود، ورجع الغلام يمشي إلى الملك. فقال الملك: “أين من كانوا معك؟”، فأجاب الغلام: “كفانيهم الله تعالى”.
سلمى: صحيح أنهم لم يكسبوا شيئًا في الدنيا، لكن الله عوضهم بثواب الآخرة، أليس كذلك يا أمي؟
الأم: صدقتِ يا سلمى، فقد وعدهم الله عز وجل في سورة البروج بالجنة “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ”.
محمد وسلمى: صدق الله العظيم.