حين يُعيَّر الصالحين بصلاحهم
يُحكى أن ثعلبًا مشاكسًا يطارد أرنبًا ليأكله، الأرنب كان سريعًا، سبق الثعلب ودخل إلى كومة أحجار واختبأ فيها، الثعلب لم يتركه وصار ينبش بين تلك الأحجار للوصول إلى الأرنب، ومع شعوره بأن الأرنب صار قريبًا منه وأن مسالة التهامه صارت قاب قوسين أو أدنى، نَسِيَ الحذر، وصار كل همه أن يزيح الأحجار بسرعة، ومع تسرعه وغياب الحذر عن حواسه وقع حجر كبير على ذيله فقطعه.
الألم الشديد جعله ينسى موضوع الأرنب، وبالتالي ضاعت وجبة شهية، وضاع معها ذيله، بعد ذهاب الألم، وتوقف نزيف دمه، عاد الثعلب لوكره، وقبل أن يدخل لذلك الوكر قابله ثعلب آخر، وحين شاهده بدون ذيل استغرب، وسأله ماذا فعلت بذيلك، ويتدخَّل المكر الأزلي لدى الثعالب، فقال له: (إني وجدت سعادة غريبة بعد أن قطعت ذيلي، وها أنا أشعر كأنني أطير في الهواء، والمتعة التي أعيشها لا يمكنني وصفها).
الثعلب الآخر أخذته حكايات الثعلب “الأزعر” إلى مواطن غريبة، وشعر بحسد يجوس داخل نفسه، وطلب من الثعلب الأول مساعدته فيقطع ذيله، وما هي إلا لحظات وصار الثعلب الثاني يتلوى من الألم والوجع، يرافقه شعور قاسٍ يصاحب تلك اللحظات، وضاعت المتعة التي كان ينتظرها، بعد أن أفاق من آلامه المبرحة سأل الثعلب الأول قائلًا: (لماذا كذبت عليّ وصورت لي الأمر بكل هذه الوردية).
قال الأول: لن أكون مقطوع الذيل الوحيد في مملكة الثعالب، ويجب أن تكون أنت من اليوم مثلي وتتحمل ألمك، وتسعى معي لأن تصير كل الثعالب مثلنا، لذلك عليك أن لا تخبرهم بشيء سوى أننا نعيش أفضل حياتنا بمتعة لا نظير لها بدون ذيول، ويجب أن نغريهم بهذه الحالة ليكونوا جميعًا مثلنا.
أصبح الثعلبان معًا لا يفترقان، يخبران كل ثعلب منفرد يجدانه بلذة أن تكون بدون ذيل، ولا يتركانه إلا بعد أن يصير مثلهم، ثم يجندانه لكي يقنع الآخرين، ومع الأيام صارت أغلب الثعالب بدون ذيول.
بعد مدة صارت أغلبية الثعالب في تلك الناحية مقطوعة الذيول، ومع تكون الأغلبية منها دخلت مرحلة جديدة عمادها السخرية من أي ثعلب يمتلك ذيلًا، ويعلقان عليه بأشنع العبارات، ويصفانه بأقذع الصفات، ومع التكرار تجسدت قاعدة جديدة بين الثعالب، وهي أن أي ثعلب يمتلك ذيلًا، هو ثعلب لا يواكب عصرهم، ولا يزال يعيش عصر الذيول المنقرض، بل ويجب أن يُنبذ من بينهم.
هذه الحكاية تشبه تمامًا حالة المجتمعات البشرية حاليًا، ففساد البشر في أي مجتمع، وظهور الفاسدين بقوة على واجهته، يؤطر لكي يكون الفساد هو القاعدة، والصلاح هو الاستثناء، ويصل مع تكاثر الفاسدين في المجتمع إلى الغيمان بقاعدة (إذا عم الفساد صار الناس يعيرون الصالحين بصلاحهم، واتخذهم السفهاء سخرية).
بعد أن يستشري الفساد ويستسيغه البشر، تصل المجتمعات لأن تعير الإنسان بأخلاقه وجمال نفسه، وهذه قاعدة بشرية قديمة، ظهرت منذ آلاف السنين، وليست سمة عصرية حديثة فقط، حتى أن القرآن الكريم منذ زمن موغل في القدم ذكرها في محكم آياته، حين ذكر على ألسنة قوم لوط {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}
☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??
بقلم الكاتب الليبي/ عبد العزيز الرواف
مقال جيد وطريقة تناول الموضوع ذكرتنا بابن المقفع الذي كان يجري الحوار على ألسنة الحيوانات فعلا انقلب كل شيء رأسا على عقب ولم نعد نفهم ما يجري واختلط الصالح بالطالح بوركت أستاذ عبدالعزيز الرواف وبوركت أناملك..
بوركت أستاذ عبد العزيز، حقا أصبح التعيير الآن بصلاح النفس والحال، هدانا الله وإياكم وأصلح ذات أمورنا.
أصبح الثعلبان معًا لا يفترقان، يخبران كل ثعلب منفرد يجدانه بلذة أن تكون بدون ذيل، ولا يتركانه إلا بعد أن يصير مثلهم، ثم يجندانه!!
في ناحيتنا هذه أصبحت الثعالب بدون ذيول أكثرية، حسبنا الله وحده!
للأسف نعود بالتدريج إلى عصور الجاهلية ظنا منا أنها مواكبة للعصر..
بورك قلمك أستاذنا عبد العزيز، فعلا موضوع في غاية الأهمية.
وفعلا بيت القصيد في قوله عز وجل “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”.
أحسنت كاتبنا، موضوع تعيير الصالحين بصلاحهم وسلامة طويتهم يحتاج إلى وقفات عديدة، ودراسات مفصلة.
قصة جميلة ومقال ممتاز أسلوب يجعلك دون أن تشعر تقرأ وتحب القراءة
لا بد ان نتخلص من الأفكار السلبية أفضل حل كي تعيش في امان وسط هذه العقول
جو يرجع للتربية لازم نربي أبنائنا على الفكر السليم ويكون عندهم شخصية قوية يقدر ياخد كرار من دماغه ولا ينساق وراء اي فكر اخر ما دام مقتنع
الثعالب البشر اللي كل هدفهم لو عملوا اي خطاء يحاربوا في سبيل ان تكون مثلهم عشان يكون مبرر ليهم وحجه
كلامك استاذ صحيح والتشبية في قمة الروعه في تعاملتنا اصبح الرشوة عادي تحت اسم الشاي والشخص مقتنع ان هو دى الصح والحياة كلها كدة. وأنه إنسان او انسانة طبيعي وغيره مش عارفة اذكر اية ولا اية من الحرام اللي اصبح شئ عادي عند بعض الناس
لابد من الاعتزاز بقيمنا الجميلة ونتمسك بها ونفتخر بها ..بدلا من التحلل منها والهرولة لقيم الغرب غير الاخلاقية
قصة الارنب اصدق تعبير عن واقعنا الماثل
شكرا للكاتب ..لتطرقه لموضوع ملح ونحتاج له حوجة ماسة وبالاخص لاجيالنا الناشئة وما تتعرض له من تفكك اخلاقي وانبهار بقيم الحداثة المجافيةوللدين والقيم النبيلة…وكل هذا باسم التطور ومواكبة العصر..
شكرا عبدالعزيز الرواف هكذا عهدناهم اهل ليبيا
القصة معبرة وذات مغذى
نعيش عالم يعيش اغتراب اخلاقي وقيمي
وايضا يا استاذنا للاعلام دور كبير في تجميل القبح والتشجيع عليه…وهذه كارثة
شكرا لصحيفة هتون..ادارة وتحريرا..وللكاتب وعيه وبصيرته
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اجتنابه ..وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه..
لابد من اعلام يرسخ للقيم والاخلاق والاعتزاز بها
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}
صدق الله العظيم
كثير من الخطابات باسم حقوق الانسان تروج للمثلية الجنسية والعهر والفحش
يجب علينا ان نقف وقفة قوية امام الغزو الفكري والاخلاقي
دة يرجع للتربية لازم نربي أبنائنا على الفكر السليم ويكون عندهم شخصية قوية يقدر ياخد كرار من دماغه ولا ينساق وراء اي فكر اخر ما دام مقتنع
تشكر ادارة هتون الأستاذ والكاتب الكبير عبد العزيز الرواف على طرحه لمثل هذه المواقف والقضايا المهمة أخلاقيا وتربويا واجتماعيا، كما نشيد بتميز قلمه ورصانة أسلوبه وقد ظهر ذلك جليا في استحسان وتعليقات القراء والمتابعين…حفظكم الله جميعا
كلام رائع وأسلوب الكاتب جاذب فشكرا للموقع والكاتب المبدع.
صحيفة هتون كسبتم اسما قويا في عقد كتابكم ، ونشكر الأستاذ عبدالعزيز ونتمنى أن يستمر في عطائه الابداعي
اسقاط رائع لا يكتبه إلا متمكن تحية للرواف المبدع
سرد سلس وجميل
اكتشفت هذا الكاتب عبر مقالاته هنا وبحثت عن ابداعه في اماكن اخرى بالفعل كاتب مميز شكرا لهتون التي عرفتنا به