حوار مرئي

الشاعر والصحفي الجزائري/ طارق ثابت: لا أحبّذ الانتماء إلى تيار معين وقلمي وُلِدَ حرًّا ناقدًا

آمن بقلمه منذ نعومة أظفاره، سرعان ما أصبحت الكتابة لديه أكثر من هواية؛ بل تعدت إلى نمط حياة وممارسة دائمة، برع في الأدب ونبغ في الشعر فدخل عالم الصحافة متسلحا بالموهبة والقلم، يطمح في التربع على عرش الإعلام العربي؛ كي يُسْهِم في نهضة أمته، ويدافع عن الحق وينصر المظلوم، لا يعرف الحزبية أو الفئوية، انفتح بقلمه وبعقله المستنير على الجميع فرحب به الجميع.

حوار الصحفي والشاعر: طارق ثابت 
أجرى الحوار: م. خالد عبد الرحمن

 

نرحب بكم  في صحيفتنا هتون بوابة الثقافة العربية، ونبدأ الحوار معكم بعد الحمد والتوكل على الله، بهذا السؤال:

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]علاقة متينة بيني وبين القلم والورقة والكتابة تحولت من هواية إلى نمط حياة خاص بي وممارسة دائمة[/box]

س: كيف يقدم الصحفي والشاعر طارق ثابت نفسه إلى القارئ العربي؟

بداية، أشكر صحيفة هتون على منحها لي هذه المساحة، وفتحها نافذة، أطلّ من خلالها على القارئ العربي عموما، والمغاربي خصوصًا.

طارق ثابت هو الاسم الكامل لي، مواليد أكتوبر 1985 بمدينة تقرت الواقعة في الجنوب الشرقي للجزائر، من أسرة محافظة متماسكة، اجتزت مختلف مراحل الدراسة في مسقط رأسي، (الابتدائي، والمتوسط، ثم الثانوي بثانوية الأمير عبد القادر)، وبداية المرحلة الجامعية كانت بدراسة تخصص القانون العقاري من 2006 إلى 2009، وخلال هذه المدة كنت أتكون في المجال الصحفي أيضًا، حتى تحصلت على شهادة معتمدة كمراسل صحفي سنة 2008 من مدرسة المراسل الصحفي، وحاليًا أواصل دراسة تخصص الإعلام سمعي بصري، في الجامعة على أمل تحقيق درجات عليا  في هذا المجال الذي أعتقد أنني أجيده إلى حدٍّ بعيد.

أما عن هواياتي المفضلة، لي الكثير منها: ممارسة الرياضة باختلاف أنواعها، والتصوير، والسفر، والمطالعة، والكتابة، وقد تحولت الكتابة من هواية إلى نمط حياة خاص بي وممارسة دائمة، وعلاقة متينة بيني وبين القلم والورق. كما أهوى  أيضا قيادة السيارات، وأنا من محبي السرعة في القيادة، والتجارة من هواياتي التي أحب ممارستها منذ الصغر، ولا زلت أفكر في إقامة مشاريع تخص مجال تخصصي، وتعود بالفائدة على غيري وعلى وطني .

بالنسبة للاهتمامات، أعتقد أنني مهتم جدًّا بالعمل التطوعي، ومزاولة الأنشطة العلمية والثقافية المختلفة، والانتماء إلى جمعيات فاعلة، ومنظمات لها أهداف سامية، مع أني لا أحبّذ الانتماء إلى تيار معين، لما في ذلك من حدٍّ لحريّتي، خاصة الفكرية منها، بحيث يغلق انتمائي لتيار معين الباب أمام قلمي، الذي ولد حرًّا ناقدا للوضع السائد، وأريده أن يظل كذلك. أيضًا اهتمامي بتطوير قدراتي ومهاراتي في القيادة والتحكم في الجو المحيط بي إلى أبعد حد، الأمر الذي جعلني وعلى ما أعتقد أنجح في كثير من الاختبارات الصعبة التي مررت بها.

كل هذا ساعدني كثيرًا في مسيرتي العملية في مجال الصحافة، منذ بدايتي في هذا المجال مع صحيفة النهار الجزائرية.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]كنت أجلس في غرفتي خلف طاولة، وأقرأ نشرة الأخبار وكأنني المذيع[/box]

س:  فيمَ كان يختلف الطفل طارق ثابت عن باقي أقرانه في مرحلة الطفولة؟ وهل في طفولتك ما كان يشير في يوم من الأيام إلى أنك ستعمل في الصحافة؟

تميزت مرحلة الطفولة لدي بحبّي للتميز والظّفر بالفرص الجيّدة التي كنت أراها لا تُعوَّض، كما أعتقد أن فترة طفولتي حملت بذور شخصيتي الحالية، خاصة وأنا ابن رجل قضى ما يزيد عن عقد من الزمن في الجيش الوطني الشعبي، الأمر الذي جعلني آخذ من شخصيته سمات الجديّة، والحزم، التي أراها ساهمت كثيرًا في تحديد طريقي.

أما عن مسألة ولوجي إلى عالم الصحافة، فلا زلت أذكر تلك اللحظات المهمة جدًّا، والمؤشّر الذي منحني الثقة لاحقًا، حين كنت أجلس في غرفتي خلف طاولة، وأقرأ نشرة الأخبار، وكأنني أمام الكاميرة، وهي إشارة كما ذكرت، استوعبتها بعد قليل من السنوات، بمجرّد اقتحامي عالم الكتابة، وأنا ابن الأربع عشرة سنة تقريبًا.

س: حدثنا عن بداياتك في الوسط الصحفي؟ ومع من كانت؟ 

بداياتي في الوسط الصحفي، كانت مع يومية النهار سنة 2006، كمراسل مبتدئ، مع الأستاذ فوزي حوامدي رحمة الله عليه، ولا أنكر أنني تعلّمت على يديه الكثير من أسرار وآليات هذا المجال الواسع والمتشعّب جدًّا، لتتوالى بعدها الانتقالات من صحيفة إلى أخرى، أذكر على سبيل المثال لا الحصر: يومية الأجواء، يومية الشروق، يومية الوسط حتى عام 2014، حيث برزت قدراتي الصحفية أكثر، وأنا أحرّر الأخبار المختلفة.

وأعتبر ما سبق ذكره من المحطات، إضافة جادة وفعليّة لمسيرتي التي تُوِّجت لاحقًا، وفي السنوات الأخيرة بالالتحاق بالمواقع والصحف العربية التي وبالرغم من قلّتها إلاّ أنّ بعضها فتح أبوابه أمام قلمي، لإيصال الصّوت الذي لم يصل بعد.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]تجربتي في الكتابة الأدبية مهّدت الطريق أمام دخولي عالم الصحافة[/box]

س: تجربتك في الكتابة متعددة فأنت كاتب، وشاعر، وقاص، ولك الكثير من المقالات الثقافية المتنوعة، بالإضافة إلى العمل الصحفي .. فما السبب؟ وكيف وظفت ذلك كله واستثمرته في توصيل صوتك إلى المجتمع؟

منذ آمنت بقلمي، استثمرته في العديد من المجالات، ولم أجعله مقتصرًا فقط على الكتابة الأدبية التي كانت بداياتي معها. وتجربتي في الكتابة الأدبية مهّدت الطريق أمام دخولي عالم الصحافة من بابها الواسع، وهذا لسببين:

أولًا: شغفي بهذه المهنة، والكتابة فيها، وتأثرًّا ببعض الإعلاميين والصحفيين العرب.

ثانيًا: ليس رغبة مني في إسماع صوتي للآخر، بل إسماع صوت الضعيف، والمظلوم، والمضطهد، إلى المسئول العادل والحاكم الرّشيد.

لذلك، كان ولا زال وسيظل العمل في حقل الصحافة أو الإعلام عبارة عن رسالة عظيمة، هناك من يقدّرها حقّ قدرها، ولكن هم قلة قليلة.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]الإعلام عبارة عن رسالة عظيمة، هناك من يقدّرها حقّ قدرها، ولكن هم قلة قليلة.[/box]

س: ماهي الصحف والجرائد التي عملت بها؟ وكيف استفدت من كل صحيفة على وجه الخصوص؟ وما هي أغنى تجربة صحفية لك ولماذا؟

من أبرز الجرائد التي اشتغلت بها في بداية مشواري، أذكر جريدة النهار ، والأجواء، والشروق، وإن كانت مدة تعاملي معها قصيرة جدًّا، كذلك جريدة الوسط الوطنية، وقد استفدت من كل واحدة على حدة. فالنهار كبداية سنة 2008 فتحت أمامي الطريق لمعرفة ما يدور في عالم الصحافة الجزائرية، والعربية، والعالمية عمومًا، وكانت فرصة لصقل مواهبي في هذا المجال، خاصة بعد تحصلي على شهادة معتمدة كمراسل صحفي، كذلك هو الشأن مع جريدتي الأجواء والشروق، ولم أرتبط بهما طويلًا، ولكن الإفادة التي حظيت بها، كون الشروق وقتها كانت تتميّز بأقلامها الصحفية، ما أعطى دفعة حقيقية لمسيرتي في هذا المجال.

كانت التجربةالفعلية مع جريدة الوسط، حيث اشتغلت مراسلًا جهويًّا، ومعدًّا للصفحة الخاصة بأخبار الجنوب الجزائري سنة 2014، وهنا وصل قلمي الصحفي إلى مستوى مرموق، إضافة إلى التجربة الأدبية التي بقيت مستمرة ولا زالت إلى يومنا هذا. ونشرت في جريدة الشعب الجزائرية، وجريدة أخرى عراقية، لتتوالى بعدها سلسلة النشر في المواقع الإلكترونية المعتمدة، خاصة أن العالم توجه إلى الصحافة الإلكترونية.

س: ماذا يحتاج الإعلامي العربي لكي يصل إلى المستوى المطلوب؟

من وجهة نظري، أعتقد أنه لكي يصل الإعلامي العربي إلى المستوى المطلوب عليه أن يكون قريبًا من واقعه، هذا شرط أساسي بداية، انطلاقًا من كون رجل الإعلام لسان حال مجتمعه ووطنه وأمته أيضًا، ولكي يصل إلى المستوى المطلوب عليه أن لا يوهم نفسه أنّه بلغ منزلة الكمال، فكأنه بهذا قد حكم على نفسه بالموت أو الإعدام، ومسألة تطوير الذات والقدرات والمهارات، وتوسيع ثقافته إلى أبعد الحدود أمر مطلوب وضروري جدًّا.

وعليه أن يتيقّن، ويصل إلى درجة من الإدراك والوعي الكبيرين، بأنّ الإعلام رسالة نبيلة، ولا يتولى تبليغها أيّ كان، ولا يتولى زِمَامَها من يمكن الاصطلاح عليهم بأشباه الإعلاميين، الذين يعود لهم الفضل في الأزمات التي يمرّ بها الإعلام العربي، والوطني، والمحليّ، من تَردٍّ وانحطاط، وتخبّط، لا نميّز بين دارس الإعلام من غيره، من المتطفلين عليه، كما لا يفوتني في هذا المقام أن أقول بأن الإعلام علم، وفن، ورسالة راقية ونافعة للأمّة، وليس مجرّد التقاط صور، وهي مهمة يستطيع أي إنسان القيام بها، سواء درس الإعلام أم لم يدرسه.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]الإعلام علم، وفن، ورسالة راقية ونافعة للأمّة، وليس مجرّد التقاط صور[/box]

س:  أهم سلاح أنت مسلح به كصحفي؟

كصاحب قلم، ورسالة إعلامية مقروءة كانت أو مسموعة أو مُشاهَدة، سلاحي هو المعلومة الصحيحة والدّقيقة، كون ما نبوح به قد يبني أو يهدم أي شيء في أيّة لحظة لا نعيرها القدر الكافي من الاهتمام والمتابعة.

ومنه أجيبك على سؤالك التالي المتعلق بطموحي الإعلامي، فأقول: إن طموحي هو التربّع على عرش الإعلام العربي، ومنحه زاوية جديدة من النّور، وإيضاح  وتِبيان رسالته الحقيقية.

س: ما هي أهم مقابلة أجرتيها في عملك؟ أي البرامج الإعلامية تعجبك؟

البرامج الإعلامية التي تعجبني، وتزيد من مداركي وفهمي للوضع السائد على الصّعيد الوطني، والعربي، والدولي، لا شكّ، أنها البرامج السياسية، والثقافية الجادّة، لما يلعبانه من دور في تشكيل وإعادة تشكيل الرأي العام، وبلورته وصياغته.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]من الخطأ الجسيم تقييد الاعلامي بهامش حريّة ضيّق يمنعه من تبليغ صوت الآخر[/box]

س: برأيك ما الذي يمنح الإعلامي حافزًا للعطاء ومجالًا أكبر للحضور بشكل مختلف ومميز؟

الإعلامي الجاد والصّادق والمخلص لهذه المهنة الشريفة صاحب فكر ورؤية، لذلك من الخطأ تقييده بهامش حريّة ضيّق يمنعه من تبليغ صوت الآخر، حتى لا أقول صوته هو، وقد أشير في هذا الصّدد إلى السياسات التحريريّة للمؤسسات الإعلامية العربيّة، التي تضيّق وبشكل واضح المساحة بين إعلاميِّيها ورسالتهم الإعلاميّة لدرجة تحوير اتجاهها فتحيد عن الهدف المرجو، ونحن نعلم أن الإعلامي الجاد والمخلص لهذه المهنة النبيلة الشريفة، همّه الوحيد إيصال فكرته بالطريقة التي يراها مناسبة، وتخدم المتلقّي بالإيجاب.

س: ما هو مصدر ثقافتك ؟

بالحديث عن مصدر ثقافتي، بطبيعة الحال المطالعة، والسفر المتواصل، وحبّ البحث والإطلاع في مختلف المجالات، أيضًا الاختلاط الدّائم والمستمر بذوي الخبرات والتجارب المتعدّدة من أساتذة وأكاديميين في الوسط الجامعي الذي أنتمي إليه، أو خارجه أيضًا، من مثقفين وإعلاميين عرب بارزين.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]الصحافة الإلكترونية باتت متنفّسًا حقيقيًّا للأقلام الشابة المبدعة و الصحافة الورقية تعيش أحلك أوقاتها[/box]

س: ونحن في إطار الكتابة الإلكترونية هل تظن أنها كانت فعلًا متنفسًا للكتير من الأقلام التي لم تجد فرصتها عبر ضيق مجال الصحف الورقية؟

الحديث عن الكتابة الإلكترونية يحتاج إلى الكثير من التفصيل والشّرح، خاصة وأنها باتت متنفّسًا حقيقيًّا للأقلام الشابة المبدعة وغيرها، والحقيقة التي لا بدّ من قولها، هي أن الصحافة الورقية تعيش وحسب رأيي أحلك أوقاتها، في ظل طغيان الفضاءات الإلكترونية كبديل عنها، وهنا أذكر أني كنت قد حضرت مؤخّرًا موضوعًا كان ليصبح عنوان مداخلة لي في أحد الملتقيات الأدبية التي دعيت إليها، الموضوع بعنوان: ” الشبكة العنكبوتية وأثرها على الإنتاج الأدبي للكتّاب الشّباب” واعتقد هنا، أن الفضاءات الإلكترونية ساهمت كثيرًا في  تكوين الأفكار لدى الشباب المبدع، ومنح فرص للذين لم تنصفهم الصحف الورقية.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]أحد أساتذتي قال لي: “ستكون لك مدرسة مستقبلًا”[/box]

س: من كان له الفضل في اكتشاف موهبتك الشعرية؟

يعود الفضل في اكتشاف موهبتي الشِّعريّة إلى أساتذتي في المرحلة الإكمالية، والثانوية. وأذكر جيدًا قول أحد أساتذتي في اللغة العربية: “ستكون لك مدرسة مستقبلًا”، لأكتشف بعد مدّة أنه قصد بها أسلوبًا خاصًّا في الكتابة ليست الشعرية فقط، بل في جميع ما أكتب. كما يحضرني قوله أيضًا: “عليك أن تكون غني لغويًّا”، وبطبيعة الحال كلماته لم تغادر عقلي منذ ذلك الحين، واتخاذي منها محفّزا ودافعًا، هو ما زادني إصرارًا على ضرورة بلوغ مراتب متقدّمة في المجال الذي أبرع فيه، والذي يمكنني من خلاله إيصال صوتي وصوت الآخرين ممن لا صوت لهم.

س: كتاب وشعراء أثروا في الشاعر طارق ثابت؟

في الحقيقة تأثرت كثيرا بالشعراء والأدباء العرب، وكان لكتاباتهم وأسلوبهم الرّصين، الوقع الشديد على مَلَكَتي وموهبتي في الكتابة، أذكر على سبيل المثال: (طه حسين، عباس محمود العقّاد)، الذي كلّما قرأت له أو رفعت قلمي لأكتب،تذكّرت مقولته الشّهيرة : “كتاباتي ليست مروحة للكسالى النّائمين”.

أيضًا،أدب (الرافعي) المعروف بجزالته وقوّته، أذكر كذلك (مي زيادة، نزار قبّاني)، وشاعر القضية الفلسطينية (محمود درويش)، وشاعر الثورة الجزائرية المجيدة والخالدة (مفدي زكرياء) … وغيرهم الكثير، ممن كان لهم الفضل في استقامة الأسلوب في كتاباتي، ولا زلت أعمل على تطويره وتحسينه دائمًا.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]لو لم تشأ الأقدار أن أكون شاعرًا، لكنت كاتبًا وإعلاميًّا ناجحًا[/box]

س: لو لم تكن شاعرًا ماذا كنت تحب أن تكون؟

أعجبني السؤال كثيرًا،لدرجة أنني لم أتردّد في الإجابة عليه،بطبيعة الحال لو لم تشأ الأقدار أن أكون شاعرًا، كنت أحب أن أصبح كاتبًا وإعلاميًّا ناجحًا، سائلًا المولى عز وجل،أن يمنح قلمي القدرة على نصرة الحقيقة أينما كانت، لأني أعتبره سلاحًا لا يحمله إلا من هو قادر عليه، كما أعتبر الإعلام كذلك أيضًا،لا يلِجُه إلاّ من تعلّم وأجاد التصويب ناحية الهدف وأصابه.

س: هل لك أن تضيف شيئًا عن حياتك الأكاديمية وأبرز مسيرات حياتك؟

أبرز مسيرات حياتي، هي تلك اللحظات والأوقات التي أدركت من خلالها فعلًا أنني أعانق القلم، وأكتب للحب، والسلام، والوطن والأمة.

أما عن حياتي الأكاديمية، فأنا ولله الحمد أحقق نجاحات معتبرة جدًّا في مسيرتي العلمية، وأطمح بعون الله، إلى نيل شهادة الدكتوراة في مجال تخصصي (إعلام سمعي بصري) أو أعلى من الدكتوراة، فلطالما حملت في جعبتي قناعة مفادها، أنَّ طالب العلم وطالب المال لا يشبعان، وأنا أعتبر نفسي وبكل فخر واعتزاز من الصنف الأول، طالب علم.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]أبرز مسيرات حياتي، هي تلك اللحظات والأوقات التي أدركت من خلالها فعلًا أنني أعانق القلم، وأكتب للحب، والسلام، والوطن والأمة.[/box]

س: برأيك، متى وكيف يصبح الإنسان شاعرًا، وهل الشعر موهبة، وراثة، أم يأتي الشعر على خلفية المعاناة، الرفاهية أم أن هناك أمورًا أخرى هي التي تصنع الشاعر؟

الحديث عن الشعر،أعتقد هو نفسه الحديث عن المعاناة، وهو نفسه الحديث عن الألم، والقهر، واجتماع كثير من العوامل والظروف التي تساهم في صناعة الشاعر، ليُخرج لنا ما كان مخفيًّا ومستترًا، في أجمل صوره وأبهى حُلَلِه، لذلك فالموهبة تلعب دورًا كبيرًا جدًّا فيما يتعلق بالفن والإبداع عمومًا، فليس من الممكن أن كل من يريد أن يصبح شاعرًا، يجد نفسه كذلك، وهو يفتقر لأدنى الدلالات والعلامات التي تؤكّد أنه سيصبح كما أراد، وهو نفس الأمر بالنسبة للمجالات الفنية الإبداعية الأخرى. أما عن الوراثة فقد يكون لها دخل في الموضوع، ولكن لا أظن أنها تمثل النسبة الكبيرة في صناعة الشاعر، فلو تحدّثت عن نفسي على سبيل المثال،لا أذكر أن في عائلتي من يقول الشعر،لا الفصيح ولا الملحون أي الشعبي كما نسميه في الجزائر.

س: الشعر الحقيقي انعكاس لموهبة، ولكن ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبو إليه من إبداع، ما هي العوامل التي تسهم في تشكيل هذه التجربة؟

أجل، وكما تفضلت بالقول، الموهبة لوحدها لا تكفي لتصنع من الشّاعر شاعرًا بمعنى الكلمة، فهناك من العوامل القدر الكبير التي تتحد فيما بينها، وتساعد على صقل الموهبة، ومن أهمها العامل الأكاديمي، والاحتكاك بأصحاب المجال، والمطالعة المستمرة قصد الاغتراف والنّهل من تجارب السابقين، والاستفادة من أسلوبهم والاستزادة قدر المستطاع من مفردات اللغة العربية، التي لا تعدّ ولا تحصى.

إذًا على الشاعر صاحب الموهبة،أن لا يعتقد أن موهبته كافية لترسو به في ضفة آمنه بالمعنى الصحيح، حتى ولو اعتقد أنه وصل إلى ذلك، وإن أراد فعلًا الرسوّ في ضفة أكثر أمانًا في هذا المجال فعليه بما ذكرنه آنفًا.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]على الشاعر صاحب الموهبة،أن لا يعتقد أن موهبته كافية لترسو به في ضفة آمنه بالمعنى الصحيح[/box]

س: ما هي بواكير أعمالك سواء شعرية أو غيرها وفي أي مرحلة؟

بالحديث عن بواكير أعمالي، التي لازالت لحد الساعة مخطوطات،كانت في الشعر، منذ سنة 2000 – 2001 وأذكر جيدًا كيف أنني كنت أكتب بحزن شديد، وأتخذ من موضوع المرأة، محورًا أساسيًّا في كتاباتي الشعرية حينها، وهي مرحلة المراهقة بالنسبة لي، حيث تفجّرت طاقتي في العديد من القصائد التي كانت تسترسل بشكل يومي، وللأسف لا تحضرني بالضبط عناوين بعض القصائد، لطول المدة، ولابتعادي أيضًا عن ذلك النمط الذي انغمست فيه عددًا من السنين، قبل أن أفتح عيني على واقع الأمة، وواقع العرب المؤسف، لأقرّر تسخير قلمي للكتابة فيما يخدم أمتي العربية المسلمة، وهنا بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الكتابة عندي، حيث اقتحمت بقلمي عالم النثر، بعد وصولي إلى قناعة أن ما أجده في النثر من فسحة للتعبير، وللدفاع عن ما أريد الدفاع عنه، لم أجده في الشعر، فخضت في الرواية، والقصة، والمقال الذي أعتبره وسيلة مهمة جدًّا وفعّالة لإيصال الكثير من الأيديولوجيات والقناعات، أو حتى وسيلة مجدية إلى حدٍّ بعيد في نقد الأوضاع السائدة على اختلافها وتنوعها.

س: ما هي الموضوعات التي تتناولها في نصوصك؟

بعدما كان موضوع المرأة يشغل نسبة كبيرة من إبداعاتي في فترة معينة من مسيرتي في الكتابة التي تجاوزت عامها السابع عشر، والتي تخللتها الكثير من المشاركات في الملتقيات والأمسيات الأدبية، داخل الجزائر، تحوّل شغفي إلى الكتابة في مواضيع أخرى، وجدتها من منظوري الشخصي أكثر أهمية من سابقتها، فلا خير في قلم لا يكتب لصالح وطنه، ونصرة دينه، وتبيان عِلل قومه، ووصف ما يمكن وصفه من علاج، خاصة وأنا أعتبر الكاتب أو الشاعر أو الأديب، طبيب مجتمعه، يشخص مرضه، ويجتهد ليصف له الدواء المناسب الذي قد يكون متمثلًا في التمسك بالوحدة، والدين،والمبادئ، والأخلاق، أو قد يكون دافعًا للاجتهاد والعمل، فلا خير في أمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع. والكاتب بالنسبة لي هو المحرّض الإيجابي على تحقيق النهضة عمومًا،ما يحقق ذلك النوع من الحضارة البائدة التي صنعناها ذات يوم، وسُلِبت منا أو قُدِّمت لغريمنا بطريقة أو بأخرى.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]لا خيرفي أمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع[/box]

س: هل القصيدة قلعة الشاعر الدائمة يحتمي فيها وبها من عواصف الحزن والاغتراب والشجن، أم نافذة يطل منها على أشيائه السرية والحميمة؟ 

لا أعتقد ولا أعتبر  الشاعر شخصًا جبانًا، حتى يجعل من قصيدته قلعة يحتمي بها وفيها من عواصف الحزن والاغتراب بقدر ماهي نافذة تمكنه من إلقاء نظرة على العالم، وما يحيط به من أسرار.

فالقصيدة مستودع الذكريات، والمشاعر والأحاسيس، والأحداث حُلْوِها ومُرِّها، وصمام أمان لها، لو نزعناه لكانت مغامرة مجهولة العواقب.

س: كثير من الشعراء لديهم الحظ، ولكن ليس لديهم “المعجم اللغوي” الذي لديك، كيف تفسّر ذلك؟

المعجم اللغوي، يتولّد بالتراكم، ومع الزمن، ومع الالتزام أيضًا، وحب الشاعر لتطوير مَلَكَاتِه وقدراته اللغوية، فهو بأمس الحاجة إليها، كيف لا وهو من يترجم أحاسيس أمته وواقعها الأليم، أو ينقل آمالها وتطلعاتها إلى ضفاف أخرى. وهذا ما أحمد الله عليه، أنني امتلك من الزاد اللغوي ما يؤهلني للمضيِّ قدُمًا، لأشقُّ طريق الإبداع الوعرة بثبات وتؤدة ونجاح.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]لا أعتبر الشاعر شخصًا جبانًا، حتى يجعل من قصيدته قلعة يحتمي بها[/box]

هل كتب الشاعر طارق ثابت  قصائد عن فلسطين أو الحرية، إذا كان الجواب نعم، هل من قصيدة للقراء؟ 

أجل، كتبت كثيرًا عن الحرية، وحملت فلسطين على كفِّ قصائدي الجريحة لجرحها، والمتألمة لألمها.

ومن بين ما كتبته عن فلسطين الحبيبة قصيدة ” للتي أبصرتها ”

قل لِلَّتي أبصرتها، أأبصرتِني؟

وهل للمداد حكم إذ أرهقتني؟

قول العارفين في تودُّدِنا ..

وقولُكِ الحسّون إن سامرتني ..

هي حالنا إن زال العقل والورعُ

وسُدّ الفم على ما فيه، وابتلعوا

أقوامنا كريش نعامةٍ

إن هم لطبول الحرب قد قرعوا

وبنوا يعرُبَ تفتِنُهم شقيّات

لأنفُسِهنّ بالله ما نفعوا

وهل يروي الزمان خيبتنا

إن كان منا خائن جزعُ؟

وهل تهون الأرض على عُمّارها

وتحتها أشرافٌ بما صنعوا؟

لله ذرّنا، أقوام قد انسلخت ..

عن مجدها وتفرّقت شيع ..

فلسطين تبيت ليلها ظمآ ..

وحبيبتي، لحدّ اليوم تقترعُ

تنتظر عُمرًا جديدًا .. وهل

فينا من كمِثلِك عُمرُ؟

فلسطين، تلكم التي أبصرتها

تزجّ بنيها وقتما رضعوا

لساحات الوغى،

وتسأل المولى نصرهم ..

إذا ما لعِداهمُ برزوا

حتّى إذا ارتفعت أرواحهم

خرّت لله، كلّما ارتفعوا

فوضاي بداخلي تزلزلني ..

غداة خدشوا الحياء فيك ..

واقتلعوا

وأنت حبيبتي منذ فطرتنا ..

ونصيبنا كتلكم الأطيار والبجعُ

كلّما عادت بعد رحلتها ..

لاقت عشّها هدّه الوجعُ.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]لم ولن أتعب من الكتابة، لا في الشعر ولا باقي توجهاتي الأخرى الأدبية، أو الصحفية والإعلامية.[/box]

هل تعبتَ من كتابة الشعر؟

سؤال،تطلَّب مني أخذ نفس عميق قبل الإجابة عليه، طبعًا لم ولن أتعب من الكتابة، لا في الشعر ولا باقي توجهاتي الأخرى الأدبية، أو الصحفية والإعلامية.

الكتابة بالنسبة لي نمط حياة، وصلاة لا بدّ من الإتيان بها ولو مرة في اليوم، بل هي حياة أخرى أعيشها كلما ابتعدت بكليّتي عن عالم الحقيقة والزّيف إلى العالم الذي يعرّي ويفضح ويكشف ذلك الزّيف، ويميط عنه اللثام، ويعيد الأمل للبسطاء الذين فقدوه بطريقة أو بأخرى.

س : هل أقيمَ لك أمسيات وندوات تكريميَّة تقديرًا لجهودِكم وعطائكم الإبداعي المتواصل شعرًا ونثرًا؟

في الحقيقة، لا أنتظر تكريما نظير ما أقدّمه، لأني أعتبر نفسي مجاهدًا بالحرف، والمجاهد ينتظر أجره من الله، لا من البشر. فمهما كان تكريم البشر، يظل فقيرًا أمام تكريم الله لنا. ناهيك على أنّ ما نقدّمه من أفكار، محاولين بها التجديد قدر المستطاع، والنهوض بأمتنا العربية المسلمة، هو فعل لا يقتصر على الكاتب أو الشاعر وحسب، بل على كلّ نزيه وشريف من مكانه وموقعه ومنصبه.

س: الكتابة ماذا تعني لك، وهل لك أي طقوس خاصة؟

الكتابة، وكما أسلفت هي نمط حياة بالنسبة لي، ولم تعد كما كانت في بداياتها مجرد موهبة، أو كما يعتبرها البعض للترفيه والتسلية، أو حبًّا في الظهور دون هدف يُرجى، فالكتابة بلا هدف، كمن يحيا في هذه الدنيا عبثًا، والمولى سبحانه وتعالى يقول: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)

هذا الأمر الذي جعلني، وأنا أعيش لحظة خلو ذهن، وصفاء عاقلة، أستحضر بعض الطقوس، كالعزلة، وبعض الموسيقى الهادئة، المساعدة على الاسترخاء، ومن ثم استرسال الأفكار وانسيابها جملة واحدة، حتى دون أن أستدعيها، فقد ألفتني وألفتها.

 

س: لمن يقول الشاعر طارق ثابت .. نعم؟ ولمن تقول .. كلا وألف كلا؟

أقول نعم وبصوت مرتفع: للثوابت، للكرامة، للإنسانية، للعروبة، للإسلام، للمحبّة والسّلام، للمساواة والعدالة.

وأقول كلا، وألف كلاّ: للظلم، الاستعباد والاستبداد، الكراهية، النفاق، الحروب التي غيرت ملامح عالمنا الجميل،لا وألف لا لكلّ من يستبيح مقدّساتنا.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]الكُتَّاب المغاربة والمشارقة سفراء للكلمة الرّاقية، والحب، والسّلام[/box]

س: العلاقة بين المشرق العربي، ومغربه هل تطورت عن المرحلة السابقة؟ وهل يشعر الكتاب المغاربة أنهم جزءًا من المشهد العربي الثقافي؟

نعم، لا شكّ عندي في أن العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين، علاقة متجذّرة وقوية تاريخيًّا واجتماعيًّا، وأن شعوب المشرق وشعوب المغرب متآخية لأبعد الحدود، ويصدق فيها نعت “الجسد الواحد”، وهذا ما جعل الأديب أو الكاتب المغاربي ينصهر مع إخوانه المشارقة، لما يحملانه من همٍّ عربي واحد، وأمل ورؤية واحدة، خاصة ثقافيًّا، وأنا أعتبر الكُتَّاب المغاربة والمشارقة سفراء للكلمة الرّاقية، والحب، والسّلام، وأن رسالتهم مقدّسة وستأتي بثمارها لو حظيت ببعض الرعاية والاهتمام.

س: ما هو الشيء الذي تود تحقيقه ولم تحققه بعد؟

الشيء الذي أودّ تحقيقة ولم أحققه بعد، لا يعنيني كفرد بقدر ما يعني الأمة التي أنتمي إليها، وهو السّلم والأمان والرفاهية. أريد أن تحقّق كتاباتي هذا الهدف ذات يوم، وبهذا أكون قد حقّقت ما حملت قلمي من أجل تحقيقه.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]خُلِقنَا كي نعيش بسلام، وهذا ما نودُّه فعلً[/box]

س: في ختام الحوار .. الكلمة لك .. إضافاتك .. تعريجاتك .. ما يجول في خاطرك .. كلمة أخيرة توجهها للقراء؟ وما هي كلمتك لجيل اليوم؟

كلمتي الأخيرة: خُلِقنَا كي نعيش بسلام، وهذا ما نودُّه فعلًا.

كلمتي للقراء: شكرًا لأنكم آمنتم بما أكتب سواء أنتم المتواجدون في المغرب، أو المتواجدون في المشرق، لكم مني كل الحبّ والتقدير والاحترام.

كلمتي لجيل اليوم: كن خير خلف لخير سلف، وتمسّك بما يجعلك عصيًّا على الغريم. تمسّك بالعلم وثوابتك ووطنك (وطنك، ثم وطنك، ثم وطنك)

مقالات ذات صلة

‫49 تعليقات

  1. حوار ثري جدا، شكرا للصحفي القدير طارق ثابت، وشكرا لمهندس خالد على حواراته المتميزة دائما.

  2. الشكر لصحيفة هتون وللباشمهندس خالد..لهذا الحوار الذي كشف لنا موهبة عربية تستحق ان نعرفها ونشجعها

  3. وأنت حبيبتي منذ فطرتنا ..
    ونصيبنا كتلكم الأطيار والبجعُ
    كلّما عادت بعد رحلتها ..
    لاقت عشّها هدّه الوجعُ.

    قصيدة روعة

  4. حوار شيق جدا وممتع وثري بالأفكار والآراء، دمت مبدعا أستاذ طارق.
    وكل الشكر لمهندس خالد على هذا الحوار القيم.

  5. حوار قيم فعلا، وأكثر ما أعجبني توصيفك بأن الشاعر ليس جبانا ليكون شعره قلعته الحصينة.
    شكرا لقلمك أستاذ طارق.

  6. تحولك عن الرومانسية إلى قضايا وهموم الأمة شيء جميل جدا، ولكننا بتنا نفتقر في عالمنا العربي إلى شعراء غزل عفيف، أتمنى أن أقرأ لك في هذا اللون.

  7. عندما يكون الصحفي شاعرا وأديبا يشعر بالقضايا بصورة أكبر لما للأديب من حس مرهف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88