إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

لِنُحِبَّ ضَادَنا أكثر!

18 (ديسمبر) هو اليوم العالمي للغة العربية، واختيار هذا التاريخ، جاء لكونه يوافق اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها في (ديسمبر) 1973م، والذي أقر بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته السعودية، والمغرب آنذاك.

وبهذه المناسبة قارئي العزيز، آثرت أن يكون (اشتياري) اليوم، حديثا عن هذه اللغة العظيمة التي قال عنها السيد أحمد الهاشمي في كتابه البديع؛ (جواهر الأدب):
” لغة العرب من أغنى اللغات كلامًا، وأعرقها قِدَمًا، وأوسعها لكل ما يقع تحت ِِالحس، أو يجول في الخاطر: من تحقيق علوم، وسَن قوانين، وتصوير خيال، وتعيين مرافق”.
ويضيف الهاشمي: ” وهي على هندمة أوضاعها، وتناسق أجزائها لغة قوم أميين، ولا عجب إن بلغت تلك المنزلة، من بسطة الثروة، وسعة المدى، إذ كان لها من عوامل النمو، ودواعي البقاء والرقي، ما قلما يتهيأ لغيرها”.  

وما من شك في أن العربية اكتسبت سمة الخلود، وذؤابة المجد، ومَزِيَّة الريادة؛ لأن القران الكريم؛ كتاب الله الخاتَم نزل بها، ولا يُقرَأُ بغيرها، وكل مسلم مفروض عليهصلوات يومية لا تؤدى إلا بشيء منها.

والعربية سميت بلغة الضاد لأنها اللغة الوحيدة التي تحتوي على صوت الضاد؛ وهو حرف يتميز بصعوبة نطقه عند غير العرب، حتى أنّ بعض القبائل العربية لا تستطيع النطق به، كما أن بعض المتكلمين بغير العربية يعجزون عن إيجاد صوت بديل له في لغاتهم.

يقول أحدهم في مقال له في موقع (موضوع) على الشبكة العنكبوتية: “ فإن اللّغة العربية لم تسمَّ بلّغة الضاد إلا بعد أن كتب (المتنبي) بعض الأبيات يفخر فيها بنفسه:

لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
      وبنفســــــي فخرت لا بجدودي

وبهم فخر كل من نطق الضـــاد
        وعوذ الجاني وغوث الطريد.


وهذه اللغة العظيمة في مأمن بفضل الله من الانقراض الذي هدد، ويهدد كثير من اللغات؛ لا سيما في ظل العولمة المعاصرة، وتداعياتها المختلفة؛ وما ذلك إلا لأنها لغة القرآن الكريم؛ المُتَعهد بحفظه من قبل رب العالمين إلى أن تقوم الساعة، ولكنها (أي العربية) رغم ذلك – ليست بمنأى من أن يعتريها الضعف والهوان، والتشويه ما لم يخدمها علماء أجلاء، وتلاميذ نجباء، ومحبون شغوفون؛ يُشغلون بعلومها المختلفة، ويَشْتغلون على قضاياها القديمة والمحدثة، جاعلين من الفراهيدي، وسيبويه، والكسائي، وأمثالهم، نجومًا يهتدون بها.

     العربية اليوم محتاجة من أبنائها مزيدا من الحب والاحترام والتبجيل لها، وللحب أصول وفنون، كما أنه عندما يتغلغل يحقق المستحيلات، ويأتي بالأعاجيب، فليتنا نغرسه في نفوس فلذات أكبادنا في سنين عمرهم الأُول؛ في رياض الأطفال، والمدارس الابتدائية، وقبل ذلك وأثناؤه وبعده في بيوتنا، ومن خلال مساجدنا وجوامعنا، ووسائل إعلامنا، وتواصلنا الاجتماعي.

لنحب ضادنا، ونعلم أبناءنا صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، على اختلاف تخصصاتهم أن العربية هي الأساس، وأن تعلم غيرها وإتقانه أمر نافع دون شك، لكنه بمثابة النافلة التي لا تكفي عن الفريضة.
ثُمَّ إن علينا جميعا مسؤولية نشرها خارج حدود أقطارنا العربية، وتعليمها من لا يجيدها، ولنجعل من ذلك صناعة ناجحة تُدر علينا بجانب المكاسب الحضارية والثقافية – أرباحا اقتصادية معتبرة، وليكن لنا في جهود (بريطانيا) الحثيثة منذ قرون؛ في الترويج لإنجليزيتهم في كافة أصقاع العالم، لدرجة أن ذلك أصبح جزءًا معتبرًا من اقتصادهم؛ راهن عليه مسؤولون كبار في حكومتها؛ ملاذا معتبرا عندما بدأت تطغى على السطح مخاوف اقتصادية؛ جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي. ليكن لنا في ذلك مثالا يُحتذى، نبني مثله وأحسن منه، ونفعل مثلما فعلوا، ونزيد عليه.

ولنتنبه إلى أن (النت ووسائل التواصل الاجتماعي تُكرِّس العاميةكثيرا في الخطاب والكتاب، على حساب الفصحى، وهذا أمر يؤثر سلبا على تعاطي الناس مع لغتهم الأساس خصوصا الناشئة منهم والفتيان.

ولا يعني هذا أن العامية سيئة ورديئة، فلكل لغات العالم عامياتها، وكل إنسان مضطر ومحتاج لاستعمال العامية، ولكن لكل مقام مقال، والمشكلة تكمن عندما تزاحمالعامية الفصحى في منابرها ومحابرها، وقاعات دروسها، ومنتديات ومحافل هي أصل لها.

وعلماء العربية المعاصرون عليهم مسؤولية عظيمة تجاه هذه اللغة، ونهديهم بهذه المناسبة مقولة بديعة للناقد الأدبي الدكتور سعيد السريحي يقول فيها: “إن خلاف النحاة واختلافهم مصدر إثراء للدرس النحوي لدى أولئك العلماء، وهو الخلاف والاختلاف الذي تجاهله جُل نحاة اليوم؛ الذين اطمأنوا إلى مختصرات النحو، وركنوا إلى ملخصاته، وإذا ما وقفوا على شئ من الشروح والهوامش والتعليقات، قصدوا إلى ما هو متفق عليه، متجاوزين مواقع الخلاف باعتبارها خروجا عما هو موضع إجماع، وشذوذا لا يزيد القاعدة إلا متانة، غير مدركين أن العلم إنما يبلغ غاياته، ويحقق مقاصده بتتبع ما يخرج على قواعده، ويتمرد على ثوابته”.
إن نحو العربية وصرفها في حاجة إلى مراجعة وتسهيل وتيسير، وقبل ذلك، وبعده عدم الأخذ بالمقولة التراثية الشهيرة والمُعيقة (النحو علم طُبِخَ حتى احترق)، على علاتها.

وحبذا لو حرص كل منا على تعلم وإتقان الجوانب اللغوية التي يرى في نفسه نقصا فيها؛ نحوية كانت أم إملائية أم أسلوبية. واللغة بحر عظيم، قلَّ من يتمكن من جوانبه الكثيرة، ويحيط بها إجادة واتقانا؛ لذا فلا يعيب الإنسان التعلم مهما بلغ من عمر، أو وصل من علم.

وفي (النت) اليوم عموما و(اليوتيوب) خصوصا، فرصا تعليمية وتدريبية مجانيةيحسن استغلالها وتوظيفها. وثمة أيضا منصات تعليمية افتراضية تقدم دورات ذات قيمة بثمن بخس.

والقليل كثير، فلو تعلم وأتقن الإنسان كل يوم كلمة واحدة جديدة، أو قاعدة إملائية أو نحوية غير متقنة بالنسبة له، أو تَعَلَّمَ تصويب شئ من أخطائه اللغوية المتكررة، لوَجد نفسه قريبا من الإجادة والإتقان للغته بعد فترة من الزمن.

أخيرًا وليس آخرًا لغتنا حَفِية بالحب، جديرة بالإتقان، وأي جهد، أو مال، أو وقت يصرف من أجلها، وفي سبيلها مأجور ومخلوف بإذن الله تعالى، كونها لغة القرآن الكريم.

??????????????????

بقلم الأديب العربي/ خلف بن سرحان القرشي 

مقالات ذات صلة

‫46 تعليقات

  1. فعلا لغة الضاد تحتاج منا حبها والترنم بعشقها .. فبعيد عن جمالياتها فإن إعجازها ظهر في قرآننا … ولله الحمد والفضل . لكن مؤسف أن هنالك من حين يتحدث بها يتشدق ببعض من لغات أخرى ، وهنالك من على الانترنت ومواقع التواصل أضاع الكتابة المجودة بها فأصبح الضعف في الإملاء دأبًا جعل حرف الجر على يصبح الأخ علي وإلى صارت إلي وحتى ذهبت لتكون حتي …..
    فحثك لنا استاذ خلف لكي نحب لغتنا يواكبه أن دورنا يكون في إصلاح وتحسين ونبذ كل مايضعفها.
    كما هي العادة اشتيار تعيش التميز بهذا الحس الواقعي والإسلوب المتميز واللغة الفريدة بقلمكم
    سلمت أناملكم ودام قلمكم لهتون ودمت بود ??

  2. لما حق الفخر يا ضاد…وللمتنبي حسب المقال حق سبق وريادة وابداع…ليس بالشعر فقط …فقد أبدع في كل مجال

  3. وفي (النت) اليوم عموما و(اليوتيوب) خصوصا، فرصا تعليمية وتدريبية مجانيةيحسن استغلالها وتوظيفها. وثمة أيضا منصات تعليمية افتراضية تقدم دورات ذات قيمة بثمن قليل او مجانا

  4. ماشاء الله تبارك الله الله يرفع قدرك ابداع ماشاء الله عليك شكرا على ما قدمته… جزاكم الله خير.

  5. اشتيار القرشي رائعة جدا من الروائع استفدنا منها في إذاعتنا عند طابور الصباح شكرا بحجم جمال اللغة العربية

  6. إن الذي ملأ اللغات محاسناً
    جعل الجمال وسره في الضاد
    جزاك الله خير ياأباسعد على هذه الاطلالة الجميله

  7. بارك الله في قلمك كاتبنا الرائع فلغتنا تستحق الكثير من الفخر والاعتزاز حرفًا وفعلًا .

  8. كم كنت سأحرم من متعة وجمال لو فاتني قراءة هذا المقال.
    رسالة ناصح محبٍ غيور على محبوبته لغةِ البديع والإمتاع
    شكرًا أخي خلف على جمال طرحك الذي هو من جمال ما تدعونا للاعتزاز به والحفاظ عليه
    في انتظار سنبلات قلمك دائمًا.

  9. لاخوف على لغة حفظها كتاب الله
    وتغنى بها أبناؤها
    ووجدت من يغار عليها
    ويسعى لتخليدها تحدثا وكتابة
    أمثالك أبا سعد

  10. للأسف لا تجد احتفالات رسمية باليوم العالمي للغة العربية.. مقال نثل هذا يشير للكثير من المغفول عنه

  11. حافظت اللغة العربية على رونقها طيلة قرون.. وتحتاج للكثير من التطوير لتستمر.. اليوم العالمي للغة العربية

  12. من فضل الله عز وجل أن هيّأ للغة الضاد أبناء بررة يعملون على بقاء مكانتها ومركزها بين اللغات ولا عجب فهذا من حفظ الله لها لأنها لغة القرآن كلام الله عز وجل فلاخوف عليهافهو المتكفل بحفظه
    وما أنت إلا واحد من هؤلاء الأبناء المخلصين.
    وفقك الله في عملك وبارك لك في قلمك.

  13. شكرا جزيلا لكم أحبتي الكرام.? قراء هتون.
    دمتم ألقا وضوءا وتحفيزا.
    سعيد بكل كلمة ذكرت، وكل حرف كتب، وأرجو أن أكون بعض ظنكم الجميل بي..
    ووفقنا الله وإياكم لخدمة لغة الضاد العظيمة.

  14. شكرا جزيلا لكم أحبتي الكرام.? قراء هتون.
    دمتم ألقا وضوءا وتحفيزا.
    سعيد بكل كلمة ذكرت، وكل حرف كتب، وأرجو أن أكون بعض ظنكم الجميل بي..
    ووفقنا الله وإياكم لخدمة لغة الضاد العظيمة.
    خلف سرحان القرشي

  15. يقول حافظ إبراهيم عن العربية:
    “رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
    رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
    وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي”

  16. لكي تبقى أي لغة لا بد من أن يعتد بها أبناؤها أولا، ولكي يحدث ذلك لجيل ينتمي للتكنولوجيا أكثر من أي شيء، لا بد من تطوير اللغة، باستخدام المتداول منها لا تعقيدها!

  17. #اللّغة_العربيّة ? الأمّ التي نجافيها رغمَ عظمتها، رغم جمال أعماقها، رغم روعة تفاصيلها.. الأمّ التي وهبنا اللّٰهُ إيّاها، وجعلها لغةَ أعظم معجزة، ولغة أهل الجنّة، ولغة القلب.. تقف كلماتي على استحياء، في حضرتها، وهل يتكلّم الحرف في حضرة المحيط؟

    دمت مبدعًا أستاذنا الكبير خلف القرشي
    ولا مجال للختام دون توجيه الشكر لصحيفتنا الغراء هتون على ما تتيحه لنا من جواهر ثمينة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88