أنفاسها البريئة
كانت تمشي الهُوَينَى؛ عمرها عشر سنوات ويتم، بملابسها الرثة وخطواتها المتثاقلة، ما من شيء يدفئ جسدها الصغير من برد الشتاء القارص، كانت شبه عارية، أنفاسها تتصاعد وتنزل كأنما بها مس، ترتعش محمومة وأنفها يسيل، اكتست شفتاها اللون الأزرق للبرد، لفها الحزن؛ واحتضنها الضياع، ارتعدت كثيرًا وهي ترفع يدها إلى رأسها لتغطيه بوشاح صيفي، لا يصد عنها كل ذلك البرد. تلمست مكانا يؤلمها برأسها؛ إذ به ينزف دما بعد أن شج بسبب ضرب أباها لها، خافت وهي ترى يدها الصغيرة خضبت بالدماء، مسحت دمها في فستانها، وأخفت آثار الدماء، وأطبقت يداها لتتدفأ منها. ارتعدت كثيرا وهي تدير رأسها نحو بيتها، تناثر دمعها وهَمَا على وجنتيها مسترسلا. تساءلت: ماذا يا أبي؟؛ ماذا فعلت لك لتطردني؟ كنت أفعل كل ما تطلبه مني أنت وزوجتك، حتى الدراسة تركتها لأخدمها وأرعى شؤونكما. بكت بحرقة، ثم ضمت طفلتها (دميتها) وأجهشت باكية، سقطت أرضا، ورفعت يديها إلى السماء تناجي ربها، لماذا يا رب؟ أنا مظلومة، لم أفعل شيئا، يا رب يا رب، أين أذهب بنفسي؟ يا رب احمني؟ آه، أين أنت يا أمي؟ تعالي، لتري ما حل بابنتك؟ تحسست رجلها المتورمة ثم صرخت، يا إلهي ما هذا؟ كانت رجلها تنزف، كانت نهايتها ضياع في الشارع.
تابعت المسير نحو المجهول، والألم يزداد في رأسها وسائر جسدها. ها هو الظلام يحل والليل يهل، خارت قواها، فوقفت قليلا ورفعت رأسها إلى السماء، وقالت: أين أذهب يا الله؟ آه يا أمي ليتك تأتي لتري ما حل بابنتك .. تعالي حبيبتي لتأخذيني إلى جوارك، ليس لي في الدنيا أحد.
تمادى الوجع؛ وتعبت من المسير، واشتد عليها البرد، واضمحل أملها في العثور على مكان آمن تواري فيه جسدها الصغير عن ظلمة الليل، وسواد القلوب، وشر الأنفس.
تعاقب خوفها، وتثاقلت خطواتها، نزفت كثيرًا ثم أحست بألم شديد يعتريها من رأسها حتى إخمص قدمها، زارها طيف أمها؛ ابتسمت لها نادتها: تعالي معي صغيرتي، مدت يدها “خذيني معك أمي فالقلوب حافية من الرحمة والحب، والأرواح فارغة من الإنسانية” وسقطت مغشيا عليها، مرت سيارة وأخرى وما من أحد التفت إلى كومة الضياع تلك على ناصية الطريق، لم يسعفها أحد، لفظت أنفاسها البريئة، ورحلت إلى حنان أمها وانتهت.
شيء رائع، بالتوفيق
بالتوفيق ان شاء الله
ابداع في اختيار الكلمات
وجمال الطرح حفظكم الله
قلم مبدع..
ممتاز ممتاز بجد
ما أبدعه من إحساس!
كلمات رقيقة تفيض بالوجع والألم..
خذيني معك أمي فالقلوب حافية من الرحمة والحب!!
تلخص كثيرًا من حكاياتنا في مسرح الحياة..
دام إبداعك كاتبتنا القديرة.
فعلًا لم أشفَ بعد!
الشكر لصحيفة هتون لأنها أفسحت المجال أمام إبداع الكاتبة الجزائرية القديرة.
تابعت المسير نحو المجهول، والألم يزداد في رأسها وسائر جسدها
تشبيه رائع
رخيل الأم ألم ما بعده ألم
قصة رائعة بارك الله في كتاباتك
ومن لنا غير الأم
كلمات مؤثرة وذات وقع خاص شكرا جزيلا لك أستاذة فتيحة رحمون
كلمات مؤثرة وذات وقع خاص شكرا جزيلا لك أستاذة فتيحة رحمون