11المميز لديناإسبوعية ومخصصة

برنامج “مصالحة” ومعركة التأهيل والإدماج في المغرب.

أطلقت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج المغربية بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسات حكومية)، في الفترة الأخيرة، برنامجًا أسمته برنامج “مصالحة” بهدف التأهيل الفكري لمعتقلين مدانين في قضايا التطرف والإرهاب، وإعادة إدماجهم بالمجتمع، في ظل ارتفاع عدد المعتقلين على خلفية هذه القضايا.

وشددت المندوبية على أهمية تعميم البرنامج، بفضل “النتائج الإيجابية” التي تحققت في نسخته الأولى، التي جرى تطبيقها بين 29 ماي/آيار و25 يوليو/تموز 2017، أمام ارتفاع عدد المعتقلين في قضايا التطرف والإرهاب، والذي بلغ في عام 2016، ألف معتقل، مقارنة بـ723 معتقلًا في 2015، حيث استفاد من هذا البرنامج 25 سجينًا، يمثلون عينات من مختلف الاتجاهات “الجهادية”، بعضهم محكوم عليهم بعقوبات تصل إلى الإعدام، وفق إحصائيات رسمية.

وتعود المرة الأولى التي تحدثت فيها الدوائر الأمنية عن مثل هذا البرنامج إلى ما بعد أحداث 16 ماي/آيار الإرهابية عام 2003، حيث بدأت بالحوار مع محمد الحدوشي أحد أبرز منظري الفكر الجهادي المعتقل السابق في سجن تطوان، إلا أن الخلافات في التوجهات الفكرية والسياسية للمعتقلين كانت أحد الأسباب التي عطلت هذه العملية إلى حين، بعدها بدأت تطفو على السطح من داخل السجون مجموعة من المبادرات يقول أصحابها بأنها كانت نتيجة تراكمات فكرية وتجارب علمية هدفها صيانة الصف السلفي، وذلك من خلال استمراريته، وتقرير مبدأ المقاصد، مضيفين أن الهدف ليس الخروج من السجن، وإن كان مطلبًا عمليًا معقولًا، ولكن للتعريف بميلاد فكر متنور ومتحرر يؤمن بمبدأ التعددية الفكرية والسياسية، من خلال سياسة بنفس إسلامي تحت سقف مبدأ الحوار.

ومن هذه المبادرات، مبادرة المعتقل الإسلامي السابق عبدالوهاب رفيقي الملقب بأبي حفص من داخل سجن “بوركايز” بمحافظة فاس، معلنًا من خلالها استنكاره للتفجيرات العشوائية في المغرب وكل بلاد المسلمين “لما فيها من إزهاق الدماء المعصومة وإتلاف الأموال المصونة ولما يترتب عليها من المفاسد التي لا يقرها شرع صريح ولا عقل صحيح”.

وقد أطلق على تلك المراجعات الفكرية اسم مبادرة “المناصحة والمصالحة” والتي تلزم الموقعين عليها بعدم تكفير المجتمع والمسلمين بصفة عامة بغير موجب شرعي وتقترح على كل من ثبت تورطه في أعمال سابقة أن يقدم للمجتمع والمنظمات الرسمية اعتذارًا وأن يُبدي ندمًا على ما بدر منه، وبالمقابل تضمن الدولة المغربية للمعتقلين عدم متابعتهم بعد خروجهم من السجن وأن يفتح المجال السياسي لمن يريد ذلك منهم، كما طالبوا بتوفير مساحة آمنة للدعوة إلى الله تعالى دون ملاحقة أمنية مع عدم المساس بقضايا الجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان واعتبارها قضايا أمة بأسرها ليس فيها مجال للمساومة وليست خاضعة للمراجعة.

ومما جاء في هذه المراجعات الفكرية، التفاعل مع “قضايا المسلمين والإدانة المطلقة للاحتلال والدعم المعنوي التام للمجاهدين من أبناء الأمة المدافعين عن حياضها في فلسطين والعراق وأفغانستان والاصطفاف في تيار الممانعة الرافض لمشاريع الهزيمة والاستسلام والانبطاح أمام المحتل الغاصب لخيرات الأمة وثرواتها”، والتبرؤ من تكفير المجتمع، مؤكدين على أنهم كانوا وما يزالون يصرون على إسلامية هذا المجتمع، فنحن، يقول معتقلي السلفية الجهادية، “أبناؤه وثمرته به تربينا وتعلمنا وعلمنا، نصلّي في مساجده ونأكل من ذبائحه، وتنبيهنا على بعض مظاهر الخلل والقصور ليس إلا من باب الحرص والشفقة والغيرة، وليس من باب التكفير الذي تنحله طوائف من الخوارج والغلاة لم نسلم من تكفيرهم لنا”.

وليس المغرب وحده من اعتمد أسلوب المراجعات الفكرية والمصالحة مع المعتقلين المدانين في قضايا التطرف والإرهاب، فقد سبقه في ذلك كل من مصر وليبيا وتونس، إلا أنها لم تستطع تحقيق نتائج إيجابية، والسبب كما يشير إلى ذلك عدد من المهتمين بقضايا وشؤون الحركات الإسلامية يعود إلى ضعف كبير في عمليات الرصد والتتبع والمواكبة لهؤلاء المعتقلين وهو ما صعب على تلك الدول مأمورية تأهيلهم وإدماجهم في المنظومة المجتمعية، زد على ذلك أن تلك الدول اعتمدت في تعاطيها في قضايا التطرف والإرهاب على المقاربة الأمنية والعسكرية، وهو ما تنبهت له الجهات المعنية في المغرب فقامت بوضع برنامج يرتكز حول ثلاث محاور أساسية وهي، المصالحة مع الذات، المصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع”.

وتمت بلورة هذه المحاور، وفقا لما جاء في بلاغ للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، “من منطلق إدراك المندوبية العميق لأهمية تأمين شروط إعادة إدماج شريحة المدانين في قضايا الإرهاب والتطرف بالمؤسسات السجنية، والتي تحتاج إلى مقاربة علمية مبدعة تتكامل مع الجهود المتعددة الأبعاد والمبذولة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وحماية المجتمع المغربي من آفاته المبنية على الاستباقية الأمنية والتحصين الروحي ومحاربة الهشاشة”.

بالإضافة إلى أن هذا المشروع الفريد من نوعه على المستوى العالمي، يضيف البلاغ “يندرج في إطار الاستراتجية الجديدة للمندوبية العامة المبنية على مبدأ تفريد العقوبة وإعمال البرامج الرامية إلى أنسنة و تحسين ظروف الاعتقال، وتأهيل السجناء لتهييئهم للإدماج حيث يأتي في سياق خطة المندوبية العامة التي سبق إعلانها في شهر مارس/آذار 2016 والمتعلقة بنشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف العنيف داخل السجون بتنفيذ برنامج خاص للتثقيف بالنظير، إضافة إلى تنظيمها لبرنامج الجامعة في السجون لفائدة النزلاء الجامعيين حول مواضيع تعنى بالقضايا المجتمعية المتصلة بالإدماج”.

وقد تم تنفيذ البرنامج، يضيف ذات البلاغ، في محاوره الثلاثة وفق أربعة أبعاد أساسية تبتدئ بالبعد المتعلق بالتأهيل الديني وما يتصل به على مستوى فهم واستيعاب النص الديني بالشكل الصحيح والمكرس لقيم التسامح والاعتدال بارتباط بالرؤى والقناعات ذي صلة بتمثلات السجناء الجهاديين للمجتمع وللدولة وللعالم، مرورا بالبعدين الحقوقي والقانوني، حيث تم تأهيل السجناء على مستوى فهم واستيعاب وقبول الإطار القانوني المنظم لعلاقة الأفراد بالمجتمع وبالدولة وبضوابط النص القانوني، انطلاقا من جدلية الحقوق والواجبات، وأيضا بالبعد الخاص بالتأهيل والمصاحبة النفسيتين باعتبار أن الفئة المعنية من السجناء تعيش تحولات وصراعات نفسية على مستوى تمثل الذات، وانتهاء بالبعد المتعلق بالتأهيل السيوسيو اقتصادي، من خلال تأهيل السجين للعودة للمجتمع بمؤهلات ذاتية تمكنه من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي”.

بقلم الكاتب زياد القصابي

 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88