إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

أدبُ السيرةِ الشعبية من خِلال الشعر الشعبي العربي.

أدب السيرة الشعبية يمثلُ جانبًا من جوانب السرد العربي، هذا السرد يتميز بعدة أمور منها، المزج بين الحكي المنثور وبين الشعر، كما أن الواقع يختلطُ فيه بالخيال، والبطولة والشجاعة بقضايا إنسانية.
أما من ناحية الأسلوب فالبساطة هي عنوانه الأبرز، لأن هذا الأدب متلقيه من سواد الناس، وهؤلاء أغلبهم على قدر بسيط من التعليم والثقافة، ومضمونها يتحدث عن السلف الغابر، أوعن بطولات أفراد أو فرد واحد كما في سيرة الهلاليين وبطلها أبي زيد الهلالي أو عنترة العبسي أو سيف بن ذي يزن، وكذلك الزير سالم، إلى غيرهم من أبطال هذه السير الشعبية ذات الحقيقة التاريخية.
في هذا المقال سأركز على السيرة الهلالية، وتحديدًا من جانب الشعر الشعبي العربي، فهذه السيرة خَضعت (لمحلية) كل نطاق جغرافي مرَّ به الهلاليون من انطلاقتهم من موطنهم الأصلي “نجد” حتى وصولهم إلى تونس، كما أن الرواة الشعبيين أوصلوها لأقطار أخرى لم يمر بها الهلاليون، وخضعت أيضًا لمحلية شعراء ورواة هذه المناطق كبلاد الشام مثلًا.
في ليبيا خصوصًا جزئها الشرقي المعروف تاريخيًا ببرقة، خضعت السيرة الهلالية لشعر هذه المنطقة، وتداول الرواة حكاياتهم مخلوطة ببعض الكلمات والأبيات التي وردت ربما في أشعار الهلاليين أنفسهم، أو اقتبست بعدها من روايات أخرى في أقطار مغايرة.
الرواية الشعبية للسيرة الهلالية، تتفق في ليبيا مع غيرها في سرد هذه السيرة أو ( التغريبة ) الهلالية ، ومن ضمن ما نجد في ليبيا أن سبب الهجره كان في المقام الأول هو أستنجاد بعض من العرب المتواجدين في تونس ببني هلال لنصرتهم على الصنهاجيين.
نجد الرواية الشعبية الليبية تنقل لنا قصة شخصين من أمراء العرب في تونس وصلوا إلى مضارب بني هلال واستضافتهم “شيحا” زوجة “بوعلي” أمير بني هلال ، ثم أن هؤلاء الضيوف أخذوا في طلاء بكرة ” علاجها من الجرب ” والبكرة في اللهجة الليبية يقصد بها ناقة لا تزال صغيرة من النوق، وهنا يؤكد الراوي الليبي، بأن البكرة لم تكن جرباء وعندما رأى أبو زيد الهلالي ، فهم اشاراتهم وبأنهم يستنجدون بهم فقال لهم:
هذي بكـرة مـا فيهـا جـرب …. وهذي جربها في قلوب أرجـال
إن كنتوا جوالي خايفين مالعدو…. وصلتوا الحمى والسو عنكم زال
وإن كنتوا جوالي راميكم جفـا … عدوا البووطفه وسيع الجـال
وكعادة أهل البادية أن لا يسألوا الضيف قبل عن حاله وأحواله وسبب مجيئه إليهم، قبل انقضاء ثلاثة أيام من وصوله،
غير أن الراوي يؤكد بأن “شيحا” لما رأت ما هم فيه من هَمٍ سألتهم عن السبب فحكوا لها قصتهم مع ” المعزبن باديس الصنهاجي” وكيف شرد أهاليهم وأرتكب مظالم في حقهم.
فضربت “شيحا” الطبل وذلك كما هو متبع في كل أمر يحتاج إلى التجمع والمشورة، وربما لتباعد خيام المضارب عن بعضها، وعندما اجتمع أهل الرأي والمشورة في بيت الأمير حسن بوعلي ، أخبرتهم شيحا وكالعادة بالشعر، وهنا يأتي شعرا ليبيا من بادية ” برقة ” وخاطبت بوزيد أخيها قائلة.
نبيـك يا بوزيـد تمـشـي رايــد … ترودلنـا وطـنـا بعـيـد نـبـاه “1”
نبيـك يا بوزيـد تمـشـي رايــد … ترودلنـا وطـن العريـش ومــاه
أنتا اللي مهـول ما عليـك صعيبـه … واخـذ علـي فـج الخـلا وأعـداه “2”
بكانـي ضيفـا جـا بـات عندنـا … مـا ذاق ريـق ولا منامـه جــاه “3”
يبكي بطول الليل مشغـول عالضنـا … مظاليـم حازوهـم رجـال أعـداه “4”
وأنت يا بوعلي تمشي للمظاليم عندها… يا بـال مظلومـا محـلـك جــاه
وفي السيرة الهلالية بنسختها الليبية يذكر أن بوزيد داهية، ولا ينقصه المكر، وربما أراد قومه بما فيهم شيحا أخته التخلص منه بهذه المهمة فدبر لهم مكيدة بخبث ودهاء ورد عليهم أبوزيد قائلًا :
ساهله علي يا رفاقتـي ساهلـه … ولا عبد يهرب مـن قضـا مـولاه
عطونـي ضنـا شيحـا الثلاثـة … ان تونس بيهم في فجـوج الخـلاه
مرعي رسوه من رساوي باب الله … ويحـي لذيـذ الوجـاب أمـعـاه
ويونس ضمين القفل لو خص زاده … يكسـر غاليـات لثـمـان وراه
وفي هذه الأبيات يشترط أبوزيد أن يرافقه في رحلته القادمة أبناء الأمير حسن وهم أيضًا أبناء أخته شيحا الثلاثة “يونس و مرعي ويحي”.
هنا أسقط في يد الأمير حسن فرد علي أبي زيد قائلا :
هاذول يا بوزيـد ما يهونـو علـي … ولا تقول مو سايل علـي نـزلاه
هاذول مايعرفوا غير أيات الكتـب …. هـاذول هاديـهـم الله بـهـداه
هاذول ما يدوروا الا فـوق خيلهـم … ولاعند حد عمرهم علقوا مخـلاه
هاذول لا عيط العياط في قتر مالهم … يجنـه صقـوره غايـرات أدعـاه
خليتني بلاهم كيف من لاقا عـدو …….لا جواد زيـن ولا سـلاح معـاه
والله يا بوزيـد لو تجينـي بلاهـم …. ما يصنعك واحـد بشـي أمعـاه
ثم ينطلقون في مهمتهم التي هدفها الظاهر الكلأ والماء، أما غايتهم المخفية هي نصرة أمراء أصابهم الضيم في وطنهم.
ومما نجده في السيرة الهلالية بنسختها الليبية أن يحي كان ( تقاز ) أي ممن يقرأون ” الطالع ” كما يعتقد من عادات قديمة، ويذكر الراوي أنه في أحدى استراحاتهم ورفاقه نيام ” نصب التاقزة ” وفي الموروث الليبي القديم هي تشبه عملية ضرب الودع، لكن في ليبيا توضع بعض الأحجار الصغيرة بصف معين ويعتقد أن من يقيمها يدرك بعض الأحداث التي ستطالهم وبعد أن رأى ما رأى قال لهم انهضوا وتأتي بالشعر الشعبي الليبي :
بالله أقعدوا يا رفاقه لا فـرق الله بينكـم .. رحتوا علـي سـوق الربـا والتلايـف
ما فيكـم مـن قطـع بالحديـد ألانــا ..مـن عبيـد مـا يدعـوا بالوصايـف
ومرعي تقتله هامه فـي ذيـل بيرهـا … منهـا يــا نـجـاة كــل خـايـف
ويونس تمسكه حضريه في راس قصرها …عـالــي الـرواويــش هـايــف
وخالى ينعور وينـزور ويجـي يخـرف … فـي هاذيـك النـجـوع الضفـايـف
وبعد أن نهضوا كانوا قد وضعوا خبزا يطمر في النار، ويسمى في شرق ليبيا ” مدموسة ” فقال لهم يحي من يخرج هذا الخبر يموت.
تركوا خبزهم وذهبوا عنه، وبعد مسافة غير بعيدة، وكعادته في العناد قال بوزيد “العار أطول من العمر” لا يقال أن بوزيد خاف الموت وترك خبزه وذهب دون أن يأكله فرجع لمكانهم فوجد ذئبًا أخرج الخبز فقتله وأخذ الخبز.
هذه لمحة عن السيرة الهلالية أو ( تغريبتهم ) والتي كانت ليبيا جزء من مسرحها في طريقهم لتونس، وتختلط في ليبيا الأسطورة بالحقيقة والشعر الشعبي الليبي بالعربي في سرد هذه السيرة، ولا يمكنني أن أجمل كل ما قيل من شعر، أو تم سرده من أحداث إنما هي اضاءة لتبيان مدى تواصل العرب في ليبيا مع بقية أجزاء الوطن العربي، والذي تنتمي له أغلب قبائل ليبيا خصوصًا قبائل نجد والحجاز واليمن، حيث تعود أغلب القبائل العربية الليبية بأصولها لهذه المناطق.

………………………………………

بيت القصيد زاوية يحررها 
 الكاتب الليبي/ عبدالعزيز الرواف

مقالات ذات صلة

‫11 تعليقات

  1. السيرة الشعبية تمثل جانبا مهما من جوانب الأدب العربي والأدب الشعبي والكاتب المتميز استطاع ببساطة أسلوبه المتسلسل أن يمتعنا، كل التقدير للكاتب الكبير

  2. صحيفة هتون كسبتم اسما قويا في عقد كتابكم ، ونشكر الأستاذ عبدالعزيز ونتمنى أن يستمر في عطائه الابداعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88