البيت والأسرةتربية وقضايا

عبادة التأمل.. واستعادة الروح

التأمل هو العبادة الروحية التي أمر القرآن الكريم بها بشكل واضح وصريح في العديد من المواقع، وحثّ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ودعت إليها الفطرة الإنسانية، وعلى الرغم من أنها السلاح الفتاك في مواجهة الهموم وعبور الأزمات وتجاوز الأحزان والتصدي للمخاوف، إلا أن الكثير من البشر تمرّ بهم الأيام وهم في غفلة تامة عن ممارسة عبادة التأمل.

إذا تمكنّا من قطع اتصالات حواسنا بالمؤثرات الخارجية والسماح لأرواحنا بالغوص في الداخل في هدوء وصفاء، فإننا نكون ببساطة قد وضعنا عقولنا وقلوبنا على طريق الراحة والسلامة والأمان، وسنجد أنفسنا عائدين مرة أخرى إلى واقع الحياة الملموس والمعاش ونحن نشعّ بالحيوية والقوة والصلابة والنورانية.

وضعية مريحة

لا يمكنك أن تمارسي عبادة التأمل إلا إذا اتخذتي الوضعية المريحة للجسد التي تساعد على الاسترخاء والانسحاب التدريجي من الهموم والضغوط والمخاوف والانشغالات، ثم ابدأي في إغماض العينين بشكل بطيء إلى أن تغلقا بالكلية.

التنفس بعمق

في المرحلة الثانية من مراحل التأمل يجب أن تبدأي في التنفس بعمق فالتقاط الهواء في عملية الشهيق يجب وحتماً أن يكون هوا البداية وأن يكون بشكل مستمر حتى تشعري أن صدرك قد امتلأ بالكامل بالهواء، ثم تبدا مرحلة الزفير بإخراج الهواء من الصدر على مراحل متتابعة بحيث تشعرين أن الهواء لا يخرج من مكان واحد في جسدك وإنما تخرج دفعات الهواء من كل همسة من همسات الجسد من قمة الرأس حتى أخمص القدمين.

تخلصي من الطاقات السلبية

أثناء عملية التنفس وإغماض العينين من الضروري أن تتركي كل الطاقات السلبية تنزلق من جسدك من أعلى إلى أسفل بحيث تسيل كل الومضات الضاغطة من الرأس إلى الوجه ومن الوجه إلى الصدر ومن الصدر إلى البطن ثم إلى القدمين ثم تشعرين وكأن كافة الضغوط والهموم والمنغصات والنزغات الشيطانية قد باتت أسفل قدميك ورددي في داخل نفسك بدون أن تتحرك شفتاك عبارات من قبيل “اللهم اغسلني من ذنوبي ونقني من خطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد”.

اشعري باحتياجات روحك ولا تتركي شيئًا يصرف انتباهم عن ذلك فكلما كان تركيزك مشدودًا صوب احتياجات الروح كلما تحررت نفسك من متاعب الجسد وأمراض النفس والقلب، استشعري كم أن روحك تهفو إلى السلام وترنو إلى الأمان وتبحث عن الرضا والسكون والسباحة في ملكوت الله تعالى مسبحة بحمد ذي الجلال والإكرام ملتحقة بالركب الكوني الذي لا يتوقف عن التسبيح والإخبات والقنوت لرب الأرض والسماء.

اعلمي وأنت تمارسين عبادة التأمل أن عدوّك الأول هو التفكير في هذه اللحظات، فتجهزي جيدًا لمجابهة هذا العدو فلا تتركي عقلك أن يتدخل أو يجلب من مخزونه رصيد الأفكار حتى لو كانت أفكارًا جميلة وإيجابية، إنك الآن في اختبار حقيقي اختبار ستعيشينه يوم القيامة مصداقًا لقوله تعالى “هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت” أي تختبر كل نفس ما لديها من آثار وذكريات وباقيات، فعندما يشلّ العقل عن التفكير يوم القيامة ويدخل الإنسان في حالة الذهول بل تأتيهم بغتة فتبهتهم، عندئذ ستبدأ الروح في الإفصاح عما داخلها ويقف العقل بأفكاره وقدرته على العمل والتفكير عاجزًا مستسلمًا نزع الله المقيت منه كل قوت وأوقفه عن العمل، لابد من الآن وفي الحياة الدنيا أن توقفي عقلك عن التفكير للحظات وتكتشفي روحك هل تميل إلى السلام والصفاء والانسجام أم أن العقل وبمجرد أن يتوقف عن التفكير ستبرز في داخل كيانك كل شياطين الجحيم في حالة انقضاض كامل عليك لالتهامك؟

إن الله يتحدث في كتابه الكريم عن “القوم البور” وهم القوم الذين أجدبت أرواحهم عن أن تنبت الثمار وتوقفت أرواحهم عن التفاعل مع ماء الوحي النازل من السماء فتحولت أرواحهم إلى أراضٍ هامدة جامدة والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.

لا يمكنك أن تصلي إلى تحقيق عبادة التأمل على الوجه الكامل إلا إذا أصبحت روحك مليئة بحب الخير للبشر جميعًا، ففي هذه الحالة لابد أن تنبعث الرسالة من أعمق أعماق كيانك لتغمر الكرة الأرضية بكاملها وهي رسالة عنوانها المحبة ومضمونها تمني السلامة والخير والفلاح لكل بني البشر، فلا ضغائن أو أحقاد ولا كراهية ولا رغبة في الانتقام وإنما رغبة صادقة وممتدة في السلام والخير للجميع.

حتى تنالي عبادة التأمل من الضروري أن تستغرقي بخيالك في عبارة “أنا أقبل أنا أستسلم” فبدون القبول لأقدار الله والاستسلام لما يمليه في حكمه لن تعرف روحك إلى الراحة والسكينة سبيلاً، لذلك اتركي لخيالك العنان حتى يشمل شعور الاستسلام والانقياد والخشوع كل همسة من همسات جسدك وعقلك وقلبك.

بعد الخضوع والاستسلام والقبول للأقدار تكونين مؤهلة إلى حد كبير لمرحلة التضرع وهي أهم وأسمى مراحل عبادة التأمل فيبدأ قلبك في التوسل والتضرع والتذلل لله عز وجل أن يهبك النور الذي تفرقين بيه بين الخير والشر وبين الحق والباطل وأن يحميك من المخاوف والأحزان والآلام وأن يكون عوناً لك في كل خطواتك.

ابحثي عن الحكمة الداخلية في أعماق روحك، فالله بعدله ورحمته وفضله ألهم كل نفس تقواها وأودع فيها أسرار زكاتها، والمطلوب منك الآن أن تمضي في طريق البحثة عن الحكمة الداخلية حتى النهاية فكلما اقتربت روحك من ينابيع الحكمة المختفية داخلك كلما بلغت إحساس التصالح مع الذات والكمال الإنساني.

امسكي الآن في حبل التفاؤل فهذا هو النهر الجاري الذي لا يجف ولا ينضب وهو من فيوض بركات الله تعالى عليك وعيشي يومك وأنت مليئة بالتفاؤل والاستبشار في موعود ربك عز وجل.

أحمد عباس

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. التأمل شىء جميل يخرج كل شىء سيىء بداخلنا ويشعرنا بالتفاؤل عندما نتأمل فى مخلوقات الله ننسى كل شىء بداخلنا وندرك فى هذه اللحظه نعم لله علينا حتى نصل لمرحلة التضرع التى هي اهم مراحل التأملحيث نبدا فى بالتوسل والتذلل الى الله لينير طريقنا لنفرق بين الخير والشر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88