حوار مرئي

الأديب محمد بن محسن الغامدي: رغم الظروف والغياب والحزن سأظل أكتب لآخر العمر

مشوار طويل حفّ وظل يحفُّ خُطاه كشاعر وكاتب، والذي لم يتخفف من هويته العربية الأصيلة رغم حضور الطائف بقوة في كل نصوصه، ومع كل خطوة يحمل في قلبه بابًا من المحبة أينما حل وكتب؛ فكانت البيئة هي من سهّلت له شاعريته الفذّة وخياله الحذِق، أن يحجز لنفسه قارباً يُبحر به في بحار الشعر العميقة. يتّصف شعره بكثافة الصورة والسهولة والحزن؛ فحين نقرأ له الغزل فهو ابن الوطن بحزنهِ وشعِره.

نحن ها هنا مع الأديب شعرًا ونثرًا الأستاذ/ محمد بن محسن بن بريك الغامدي

الحوار إعداد وإخراج/ هتون الشمري

تقديم: نحن عزيزنا القارئ مع أديب بدايته كانت مبكرة جدًّا، وكانت عبارة عن خواطر على شكل مذكرات ومن ثم بعض الأشعار المعتمدة على الموسيقى السماعية.. ومع مروره بتجربة عاطفية صعبة حيث كان يحمل في جوانحه الحب العذري الأول لكن ظروف قاهرة أجبرته على فراق هذه الحبيبة وكان آنذاك في نهاية الصف الثالث الثانوي، وهنا بدأت الكلمات تتدفق شعرًا ونثرًا.

فسألته عن نشأته ومسقط رأسه وكونه من قبيلة غامد، عن علاقته بموطن الأجداد (الباحة) فأجاب:

مدينة الطائف هي مؤل صباي ومدراج طفولتي، بمائها وهوائها غُذى جسدي، وبحبها كبر الشاعر والروائي بداخلي.

س// كأديب.. كيف حققت طابعًا خاصًا ووطدت ذلك بشكل ميَّزَكَ؟ وما الذي تريد أن تضيفه عن بداياتك؟

من مواليد الطائف، درست في كلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة قسم تاريخ، وكنت أسافر للباحة مع الأهل خلال الإجازات في زيارات قصيرة متكررة خلال الإجازات الصيفية، خاصة أنني عملت في الطائف معلمًا ثم مديرًا للمدرسة السعودية بالطائف حتى تقاعدي.

طابعي الخاص وقناعاتي في الكتابة الشعرية والروائية أنني أحاول أن أُركز على الموروث المحلي وخصائص ومعطيات البيئة، أستلهم منها ومن أساطيرها وحكايتها منجزي الشعري والروائي. ولكي تنضج موهبتي أكثر بدأت المطالعة بنهم كبير، ولا سيما في العطلة الصيفية. أحببت المطالعة كثيراً وكنت أقرأ القصص الرومانسية العاطفية ولكنها على ما يبدو كانت تعيش فترة حضانة في دمي وتفجرت في سن الشباب والنضوج. ومن خلال تجربة عاطفية فاشلة كتبت عددًا من القصائد والشعر -حينًا بالفصحى، وحينُا باللغة العامية المحلية- وظللت بين كتابات مخبأة في أداراجي وكتابات نشرتها في الصحف هنا وهناك.

س// من هو الشاعر المبدع برأيك؟ وكيف تولد الفكرة وتطور المثابرة شاعرًا ينظم القوافي بالسليقة وبالثقافة؟

لا شك أن الموهبة تحتاج الرعاية، والعلم يختلف عن الثقافة؛ لذا كنت أثقف نفسي بنفسي من خلال قراءاتي المتعددة.. كما تعلمت من البسطاء والناس الشعبيين الكثير، وكانوا هم أهل الحي الذي ولدت به، وعشت فيه طفولتي ومراهقتي وسن الوعي.. أحببتهم كثيرًا، وعشت مشاكلهم وآلامهم وأفراحهم، تأثرت بهم وأثروا بي، فالعلاقات بين الناس البسطاء مريحة وبعيدة عن التعقيدات والإشكالات، بل هي جميلة حقًّا. من هؤلاء استقيت أفكاري وإلهامي.لكن رغم ذلك كانت لدي الكثير من الأدوات التي تجعل النص قريبًا من المتلقي من مشاكله وتساؤلاته وكيفية معالجتها بطريقة ما من خلال التسلّل إلى ذائقته الأدبية، أي أنظر إلى النص من زاوية المتفرّج أحيانًا كثيرة وبالشكل الذي يتناسب مع قلقي أو لحظة نشوتي للكتابة وذائقة المتلقي، فالشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع أن يدهشنا ويحرك مشاعرنا ويجعلنا نتذكر أفراحنا وأحزاننا. ولا بد من وجود الموهبة في النفس الشاعرة، أما المثابرة والقراءة فهي لصقل الموهبة فقط.

س// درست التاريخ في كلية الآداب، هل شكّل تخصّصك التاريخي والاطلاع على الأحداث والبطولات والشخصيات هذا فارقاً في شاعريتك؟

بالتأكيد.. القصص التاريحية وما يدور حول الأمم عنصر مهم جدًّا في صياغة عدد من الأفكار التي تحدد الجملة الشعرية، والآن بعد تخرجي وعملي ومن ثم تقاعدي، أستطيع أن أقول: إن هذا القسم كان قادرًا على إضافة الكثير على ملكتي اللغوية والأدبية والنقدية والعيش في أجواء الارتباط بالبيئة سواء كانت بيئة محلية أو عربية أو عالمية، هكذا الإنسان يتأثر بكل علم يتعلمه.

س// التجارب الحياتية تحقق نقطة فاصلة في حياة الشاعر.. ما مدى تحقق ذلك في قصائدك الشعرية؟

نعم.. لكل قصيدة تجربة عاطفية أو اجتماعية أو وطنية؛ أحاول أن أعبر عما أحسه بصدق وعفوية ودون تكلف. أكثر ما يثيرني ويشجيني عندما أرى المظلومين والمحرومين. وإن كانت معاناتي منذ أن وعيت: أعاني ما يعانيه أي إنسان بالكاد يدبر قوت يومه، أو عاشق خذلته الظروف أو خانه الأحبة، وشاعر يحمل هم الإنسان في أي زمان ومكان.

س// ما هو النوع الشعري الذي يستهويك ولمن تكتب؟

ما زلت أكتب الشعر العامودي وشعر التفعيلة ولدي مشاركات كثيرة عبر وسائل التواصل. ولمن أكتب يقول الشاعر اللاتيني هوراس” إذا أردت أن تبكي الناس فابك أنت أولاً ” فمن خلال معاناتي التي أجسـدها يرى أي قارئ نفسه فيها؛ لأن معاناتنا في بلادنا واحدة، ومشاكلنا متشابهة. أكتب معاناتنا وما يجيش في صدورنا، وأحاول إيجاد الحلول والمبررات من خلال تجربتي؛ فمهمة الكاتب أن يجعل مساحة القبح في العالم أصغر وأن يُجمّل الحيـاة بصوره الأدبية وإبداعاته الفكرية، فعواطفنا لا يمكن أن تكون إلاّ جميلة ونبيلة. ولا ريب أن الشاعر والأديب لا يحسن الكتابة بغير حب.

س// تكتب الشعر بالعامية وبالفصحى.. برأيك: أيهما الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في نفوس قرائك ومتابعيك؟

مما لا شك فيه ولا يقبل الجدل أن لغتنا الفصحى من أعرق اللغات، فهي بحر مترامي الأطراف وبلا حدود؛ وقد عرفت منها ما جعلني أكتب بمفرداتها. وحين كتبت بالعامية فهذا الشعر الغنائي بلهجتنا المحلية التي هي قريبة من القلب وتصل بسهولة إلى أكبر شريحة من مجتمعنا فهي الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في نفوس القراء. ألم يقل “أليوت” بضرورة اقتراب الشعر من كلام الناس؟ فالكلمة البسيطة تخرج من القلب لتصب في القلب بواقعية جميلة، والناس عامة يرددون الشعر المحلي ويحفظون شعر الأغنية أكثر مما يحفظون القصيدة وشعر التفعيلة، والدليل على ذلك شعر الرحبانية الرقيق المعجون برائحة الأرض والطيوب والزعتر البري والذي جسَّده صوت فيروز. من منا لا يحفظ أغنية “نحنا والقمر جيران بيتو خلف تلالنا“؟ كذلك شعراء العامية أمثال: أحمد رامي، وبيرم التونسي الذي كتب أعذب الكلام لأم كلثوم وحفظها الناس عن ظهر قلب، حتى أن أحمد شوقي قال في إحدى جلساته الخاصة : ” أخشى على اللغة الفصحى من بيرم التونسي من كثرة ما أحب الناس شعره على امتداد الوطن العربي“. وفي نظري أنه لا بأس أن يكون للشاعر أو الكاتب جوانب متعددة تكشف عن قدراته الأدبية.

س// التحول لديكم، أستاذنا من الشعر إلى الرواية كعمل سردي يختلف عن الشعر.. ما هي الأسباب والدوافع؟

تحولي من الشعر إلى الرواية إنما هو محطة من محطات الإبداع، وما زلت وفيًّا لعالمي الشعري، وفي الرواية أجد مجالاً أرحب للتعبير عما أحسه. وأرى أنه لا يمكن الفصل بين الأجناس الأدبية، هناك شعر في المسرح وفي السينما، وحتى حين ننظر نحو النوافذ والبيوت البعيدة، وفي الرواية والقصة أيضًا، القارئ يبحث عن النص المختلف الذي يقدم له الجديد ولا يهمه الاسم طبعا.

س// في روايتك (حوش السادة) نجد ذلك الحلم المضيئ.. علام اعتمدت في استحضار بعض ذكرياتك؟

الحلم المضيئ هو الطريق الذي سلكته سيارة اللوري الكبيرة ما بين الباحة ومدينة الطائف، كان عمري سبع سنوات في تلك الرحلة. أعتمد في استحضار ذكرياتي القديمة على ذاكرتي وما سمعت من الحكايات والأساطير في طفولتي.

س// كذلك تجسيدك لشخصية الأب في رواية (ولد صندلة) بملامح المعنف والقاسي، كذلك ماسر اختيارك لـ (أزهار التباسكو) بالذات، وما هي رسالتك في كل ذلك؟

عالجت قضايا التشدد والعنف الأسري كما في رواية (ولد صندلة) وعالجت الهجرة من الريف إلى المدينة، وصور مختلفة من الحياة في الطائف ومكة.

أزهار (الثباسكو) هي أزهار نبتة الفلفل، وفي ذلك إشارة إلى حركة الأشخاص داخل الرواية، لأنهم يمتازون بالسرعة والخفة، إنها تصوير ولقطات للأساليب السابقة في بعض أحياء (الطائف، ومكة) ليست رواية ذات فكرة واحدة ولكنها صور لعدة أفكار.

س// ما هو النوع الذي يستهويك غير الشعر والرواية، ولماذا؟

الشعر، والرواية، والموسيقى، والرسم، هذه التي أعشقها وأجد نفسي فيها: كاتبًا للشعر والرواية، ومتأملًا ومتذوقًا للرسم والموسيقى.

س// ما رأيك بالحركة الأدبية وخاصة بعد انتشار مواقع التواصل؟

الحركة الأدبية حاليًا لديها مجال للتعبير في عدة محاور أكبر مما كان متاحًا لنا في الماضي. وبرأيي أن الأدب بمختلف أشكاله والشعر منه خاصة والفن والعلوم ليست إلا محاولات لتقرب الناس من بعضهم البعض. والأدباء والشعراء والفنانون والمفكرون مهمتهم جميعًا أن ينبّهوا الناس إلى طوفان اللا مبالاة الذي يجتاح نفوس الناس ويؤدي إلى تردي العلاقات الإنسانية. والآن في زمن (كورونا) على الأديب أن يجاري الأحداث وأن يعبر عما تمر به الأمة من أحداث وأمراض اجتماعية وجسدية ونفسية. كذلك نجد أن هذه الحركة اعتراها ما اعترى العصر من غياب للقراءة، أصبح الذين يكتبون أكثر من الذين يقرؤون.

كذلك السؤال: وهل كل ما يكتب يُقرأ؟. ولكن بالنهاية لا بد لنا من الاستمرار في الكتابة لأن رسالتنا في عصر الاستهلاك أن نجعل مساحة القبح في العالم أضيق، وأنا أعتبر الشعر غذاء الروح فإن تلاشت وتبددت فما نفع الجسد بلا روح تحركه. والشاعر أو الكاتب عندما يتوقف عن الكتابة معناه وقف النبض، أي النهاية. عندي بعض الأمل، ولكن هيهات.. امرؤٌ يتمنى وقدرٌ يسخر

س// ماذا عن النقد الأدبي، ماذا يعني لك؟

أكيد أن النقد يؤثر في الكتابة، لكن في لحظات الكتابة القريبة من النفس لا التفت إلى النقاد. الرواية الخليجية تطورت تطورًا مذهلًا في العقدين الأخيرين كما نلاحظ في رواية (موت صغير، والقندس) وروايات رجاء عالم، وعبد العزيز الصقعبي.

س// ما الجوائز والعضويات التي حزتموها؟

– عضو بنادي الطائف الأدبي، وقد عاصرت النادي منذ تأسيسه وكنت قريبًا منه دائمًا. كل أعمالي الأدبية طبعها نادي الطائف الأدبي بطلب مني، رغبة في إثراء مدينة الطائف؛ هذه المدينة التي أحبها وأحب كل شارع وحارة بها.

– حصلت على كثير من دروع التكريم، لكن أعظم المكافآت: ما كتبة د. فوزي خضر عن ديواني في كتابه (إطلالة من الشعر السعودي المعاصر، ودراسة د. المحيسني).

– وأخيرًا.. البحث الذي قدمه الدكتور محمد الشدوي إلى جامعة الطائف عن روايتي “ولد صندلة” وقد تم تحكيمه وإقراره.

س// ما هي مشاريعكم القادمة؟

عندي ديوان جاهز للطبع.. سيرى النور قريبًا، إن شاء الله.

ماذا تريد أن تقول أخيرًا؟

أريد أن أقول: ما زال للأدب و الشعر و الكتاب قيمتهم السامية التي لا غنى عنها، وما زال هناك أناس يتذوقون الشعر والأدب ويجدون فيه الغذاء الروحي لأجسادهم. وفي رأيي للكتاب قيمته المعنوية لا المادية؛ فهو الصديق الوفي الذي بديل عنه لبعض الناس رغم كل هذه التقنيات الحديثة ورغم أننا نعيش في عصر السرعة والإنترنت. وبما أن معين الفكر لا ينضب وطالما نعيش الحياة، نرى ونسمع ونعاني، وطالما ما زلت قادرًا على العطاء وما زال في العمر بقية.. سأبقى أكتب حتى آخر العمر رغم الظروف والغياب والابتعاد.

أخيرًا.. تمنياتي لي ولكم التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88