حوار مرئي

الفنان المسرحي الليبي صالح المعداني : “اعطني مسرحًا أعطيك شعبًا طيب الأعراق”

صاحب تجربة عميقة وطويلة في مجال الفن الليبي، له مكانة مرموقة بين باقي الفنانين الليبيين؛ فبرز مسرحيًّا، مما جعل صحيفتنا هتون تفتح معه آفاقًا من الحوار حول الوضع الثقافي، وحال المسرح الليبي وفق المشهد الحالي الذي يكتنف ليبيا.. إنه الفنان صالح المعداني. هو أحد فرسان المسرح الليبي الذي صال وجال على خشباته في أعمال خلاقة ومتميزة لا تهملها الذاكرة وقد نال الجوائز والتكريم أينما حل تثمينا لانجازاته الثرية ،فهو قبل كل شيء أحد المثقفين الليبيين من ذوي الرؤية الدقيقة والوعي الحاد بالمسألة الثقافية في ليبيا، وخلف رؤيته تلك تكمن حلول كثيرة لمجمل المعضلات والإشكاليات التي تعاني منها ليبيا في المرحلة الحرجة التي تعيشها الآن

أجرى الحوار/ محمد الهمالي

التقيته وهو مثقل بالأفكار والهموم الفنية التي لاتبارح خيالاته وتأملاته من اجل مسرح معافى يتوق للقمة لإثبات ريادته في الخلق والإبداع في إرجاء المعمورة وقد طرحت عليه سيل من الأسئلة الجدليةاالتي تناقش جوانب مهمة من واقع مسرحنا الحالي اجاب عليها بروح الشفافية والفهم العالي ودقة التصويب في تشخيص مكامن الخلل ومعالجته

 

س/ في البداية: أستاذ/ صالح، نريد منكم طرح بطاقتكم الشخصية للقراء في السعودية والعالم العربي ككل؟

ج: صالح سعيد المعداني،  مواليد 1968 في مدينة سرت، متزوج، بدأت العمل الفني منذ الطفولة، ومن ثم انتقلت لفرقة أصدقاء المسرح (أجدابيا). شاركت في الكثير من الأعمال بالفرقة، ثم تدرجت حتي توليت إداراة الفرقة لأكثر من عشر سنوات.

 

س/ بمن تأثرتم في طفولتكم؟ ومن كانت له اليد الطولى في تشجيعكم على الالتحاق بفن التمثيل؟ وهل كان التمثيل عن موهبة ودراسة أم موهبة فقط؟

ج: بفضل الله، ومن ثم أخي الأكبر ناجي المعداني وصديقي ورفيقي دوائمًا، الفنان القدير ناصر بقوشة، بالنسبة لي الفن هو موهبة فقط.

س/ ما هي أبرز الأعمال المسرحية التي شاركت بها؟

ج: شاركت في العديد من الأعمال المسرحية، والمهرجانات المحلية والدولية. الأعمال الفنية التي شاركت فيها، علي سبيل المثال وليس للحصر: امبرطورية البرنس، بيت العجايب، العيادة صقع، معرض ام بسيسي.

المهرجانات الدولية: مهرجان دمشق الدولي.

العديد من السلسلات المحلية، ومنها مسلسل (الرحيل المنسي، أيام الكيش، غفير الكاف، الهجيج، هول وغربة).

الأفلام السينمائية: (وادي الرجال)، وأستعد الآن لتصوير مسلسل من 30 حلقة باسم (السرج) يتناول الفترة الزمنية من الخمسينات إلى فترة الستينات (فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا)

س/ نريد إلقاء الضوء حول تجربتكم الفنية، خاصة في المسرح وآخر أعمالكم؟

ج: الفترة السابقة -فترة الستينات والسبعينات- كانت فترة مزدهرة للمسرح الليبي، بعد هذه الفترة حصلت عملية ركود للمسرح الليبي، ثم انتعشت في فترة التسعينات. وأنا في الميدان المسرحي، مثلت عددا كبيرا من النصوص المسرحية، كما ذلك لك سابقًا في السؤال السابق وخلال مهرجان دمشق الدولي تم تقديم الكثير من الأعمال عرضت على أخواننا العرب.

س/ فيما ذكرتم عن تجربتك الفنية الطويلة.. أستاذ: صالح، هل يمكنك أن تستقطع لنا من الفترة التي اخترقت المجتمع الليبي قبل وبعد سقوط حكومات المنطقة وحتى الآن، ما تأثيرها على الحالة الإبداعية؟ هل هي فترة مغايرة بالنسبة لكم؟

ج: بعد سقوط الحكومات ما زال المسرح بخير، وفي حالة ازدهار -بحمد الله- ولكن كل ما نستطيع قوله أن المسرح الليبي كغيره من المسارح الجيدة على الصعيد العربي. أن من يعيش جدول حياتنا المتغيّر الفصول ، العنيف الهبوب ، الذي ما أن تضع عواصفه أسلحتها المدمرّة ، التي تقضم ظهر المنجز الحضاري والثقافي لوطننا المبدع معنىً ومبنى ، تقضم روح الليبي وحلمه الوثاب ، حتى يهبُّ هذا العاصف المجنون ثانية ، ليأتي على ما بُني وعُمرِّ وأزهر .. من يعيش تجربة حياتنا ، عمقها التراجيدي ، لا اعتقد أنه بقادرٍ أن يُثمر شيئاً ، وإن صادف وأثمر ، فلا يمكن لحاصل الثمر هذا أن يكون بقوة وجاذبية ما أسسنا له وربحناه .. لذا فإن ما أنجزه العقل الليبي الخلاق في مجال المسرح ، وعلى مدى عقود من السنين ، ما هو إلا تحصيل لعقل مركب ، ومبدع إلا أن العقل الليبي المبتكر استطاع أن يسير جوار إبداع هاته الظاهرة المسرحية الجديدة .. المسرح ، وأن يقدّم أطروحات هامة كتابة وتمثيلاً وإخراجاً ، نقداً ، وبحثاً برغم تحديات الزمن ، ألاعيبه التي لا تنتهي ، وتغير إيقاعات الظروف من صعب إلى أصعب ، استثني من هذا الحساب الفترات التي تميزّت بهامش من الهدوء.

س/ معروف أن المسرح ليس عرضًا فقط، بل هو وسيلة تفكير ووجهة نظر في العالم وأسلوب حياة.. كيف يحدّد المعداني تقنيته في تقمص الشخصيات المسرحية التي يمثلها؟ وما هي الرسالة التي يريد إيصالها؟ وما الشخصية التي كانت وما زالت تعني له الكثير؟

ج: المسرح أستاذ الشعوب، (اعطني مسرحًا أعطيك شعبًا طيب الأعراق)، وعلي الممثل أن يتقمص الشخصية أو الدور المسند له، وأن يعيش الحالة، وأن لا يغفل عن العرض ولو للحظة. كل الأدوار والشخصيات التي أديتها على خشبة المسرح تعني لي الكثير. ذلك أن الأعمال التي يجسدها الممثل ما هي إلا مشاريع يمنحها من روحه ووقته الكثير ، ويترشح من تجاربها المتنوعة العديد من الخبرات والدروس .. وللذاكرة أيضاً حصتها في تمثل لحظة الخيار والفرز ، والمشاريع هي بالتالي محطات لامتحانات متواصلة قاربها القلق حدّ الخوف ، حدّ الهلع ، لأن مواجهة هذا العدد من الوجوه الغارقة في الظلمة وهي تحاصرك بعيونها المترصدّة أنىّ همست ، تكلّمت ، جلست ، وقفت أو تحركت موضعاً أو انتقالاً ، قضية ليس من السهل تجاوزها ، نسيانها أو التساهل معها. لذا وعندما تغريني الرغبة بالحديث عن الأعمال التي سُعدّت بإحيائها ، فأن هذه الأعمال ما تفتأ إلا وأن تفزّ بكلّيتها أمام شاشة ذاكرتي مرّةً واحدة .. فكيف والحالة هذه سيكون الحديث عن بعضها دون كلها ، وأنىّ لي أن اختار.

س/ أستاذنا كفنان.. ثنائية التقليد والتجديد هي معادلات يومية في الفن وفي العمل المسرحي خاصة، أين يقف المعداني في هذا المسار الطويل؟

ج: أنا لا أؤمن بفن التقليد.. أنا مع التجديد؛ الفنان هو من يحاول أن يطور من نفسه، والبحث عن ما هو أفضل. طبعاً خبراء العالم في العلوم الإنسانية والمفكرون حدّدوا مجموع من التساؤلات في هذه القضية، ولكن ما يهمني هنا هو أن أقول لك أن المجتمع عندما يستقر اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً يتحول الفرد فيه من بشر إلى إنسان، ويبدأ يعيش إنسانيته من تأمل وتفاعل راقي، وبذلك يفرز المجتمع مبدعيه الذين يرتقوا به ليرتقى بهم، بمعنى أي واحد يتخلف عن الركب ولا يحاول أن يجدد بغية الارتقاء والتجاوز والتجدّد ويبقى يراوح مع الزمن، فهذا هو التقليدي في نظري، ولكن الذي تفرزه التجربة ويرتقي بها ويرتقي بالآخرين الذين سيكونون عامل مساعد لرقيه هو أيضاً هذا هو المبدع الحقيقي والمتجدد.

 

س/ من وجهة نظركم كعربي.. هذا الوطن العربي المشتّت، والذي تزداد بعض دوله العربية انهيارًا يومًا بعد يوم.. ما هي مساهمة المثقفين والفنانين لإنقاذه؟

ج: أنا لا أستطيع الجزم بأن الفنانيين والمثقفين ساهموا في لم شمل هذا الوطن المشتت. ولكن كل ما أطلبه من الفنانين والمثقفين علي مستوى الوطن العربي أن يقومو بأعمال وندوات للم شمل وجمع شتات هذا الوطن الممزق. فغياب الحوار بين المبدعين شتت الفكرة وخلق عزلة في اللاوعي، وبالتالي تبعثرت القدرات والأفكار، ولم نبنِ بيئة سليمة ومحيط يمكنه أن يحتضننا بل بالعكس تكونت (البيئة الطاردة) وتشتت المبدعون بين المهجّر سواء كان في أوروبا أو غيرها، وهناك من قدم نصه المميز وفعل ما عجز عنه أهل الحضارة – أو العالم الأول إن صح التعبير- بشكل شخصي واستطاع أن يحمل صفة العالمية وهناك من بقى في الداخل، إما مهمشاً أو مركوناً في زاوية ما، فلم يرى أو يشاهد، ولم يسمعه أحد بشكل جيد ولا يجد من يحاوره، فتاه في وطنه وتاه في نفسه، فأنا أرى الخلل حقيقيةً ليس في إبداعنا أو في أفكارنا، بالعكس، أنا شخصياً شاءت لي الظروف أن أقيم فترة في أوروبا، وفي محيط مليء بالعباقرة والأساتذة في أكاديمية علمية وفنية، والفارق الوحيد أو لنقل الفارق الخطير هو أننا نحن هنا لم نخلق الوعاء الذي يجمعنا، مشكلتنا في التفتت، ليس هناك وعاء شاعري حقيقي يخلق التفاعل ويفرز التجربة، وللأسف فإن الأنظمة لعبت دور كبير في خلق جسور وهمية بين المبدعين، وأخذت تصدر لأصوات هي في الحقيقة أبواق وأغلبها كان دون المستوى ولاتمثل التجربة الإبداعية الحقيقية.

س/ لو تحولنا إلى الحالة الليبية أو الساحة الليبية الآن، وتزامنًا مع عودتها للحياة وتحررها من بطش الإرهاب، ومحاولة إرجاع ملامح الدولة لها.. كيف تقيم مساهمة المسرحيين في ذلك؟

ج: الحالة الليبية ازدادت سوءًا، ولم تتحرر، ولكن نحن كفنانين نحاول جاهدين أن نلملم جراح الوطن، ونسعى إلى لم شمل الليبيين، فنحن على يقين أن المسرح أستاذ الشعوب. العملية الثقافية من عشرات السنين غير موجودة.. وحتى بعد الثورة مباشرة ربما كانت هناك أولويات أخرى فغابت العملية الثقافية وما يترتب عنها، غابت الهيكلة فتم تمييع الحقوق والواجبات، أما الثقافة فهذا موضوع آخر ينتجه الناس في كل العالم، وربما أقول لك البسطاء أيضاً، ولكننا نفتقد إلى المنظم الذي ينظم هذا الإنتاج ويخلق له البيئة المناسبة، وبالتالي الوعاء الصحي الذي يحدد الحقوق والواجبات ويدافع عنها ويضمنها، ومع الأسف الشديد هذا يؤثر كثيراً، فالعالم الآن أصبح قرية صغيرة وفي هذه القرية أصبحت هناك إشكالية كبيرة جداً عند المبدع بشكل عام لأنه إذا لم يكن لديه ما يضيف إلى هذه القرية كقيمة، فهو بذلك سيكون خارج اللعبة، اللعبة الحقيقية للإبداع، ومن هنا يصبح لزاماً عليك من مكانك من هنا أن تحدّد كيف تنطلق وتصبح جزءاً، ولو كان بسيطاً، من المشهد العام، سواء كان المشهد العربي أو العالمي، وهذا هو مكنون توصيل الرسالة وتحقيق الانتشار، وفي هذه الجزئية فأنا بدون أي تحيز، أو كذا، يمكنني هنا أن أشير إلى المسرح الليبي الذي لعب دوراً كبيراً جداً في إيصال رسائله، وحقق الانتشار خارجاً وإلى أوروبا، وأعلن عن نفسه في المشهد العالمي، وأوصل أن هناك عرباً يمارسون المسرح، والرسالة الوحيدة بالنسبة لنا كعرب التي يجب أن تصل إلى العالم هي رسالة المختبر الإبداعي الجديد المتجدد في تونس، والقديم الجديد في مصر، وأتمنى لبقية الأقطار العربية التي لها تقاليد مسرحية مثل العراق وسوريا أن تخرج قريباً من هذا الإرتباك لكي تواكب.

س/ عن الناحية الإدارية، أو ما يتصل الآن بوزارة الثقافة الليبية، ما الذي ترون أنها قدمته لإنقاذ الفن وتبني مواهب الوطن؟

ج: ليكن لديكم علم بأن ليبيا توجد بها حكومتان في دولة واحدة، ووزارتان للثقافة؛ وهذا سببًا لتدني مستوى المسرح في ليبيا، أو الفن بصفة عامة، وكل ما يهمنا هو لم شمل الليبيين حتى نتمكن من تقديم ما هو أفضل. أول شيء يجب الاهتمام بالفرق المسرحية و بالشباب الممارس،ودعمه بكل التجهيزات التي   يحتاجه من وسائل إنتاج ووسائل الترويج وأن توفر له قاعات مناسبة للعرض مجهزة تقنيا بأحدث التكنولوجيا .كما على الجهات المعنية ان تسهل على الفرق المسرحية إمكانية التنقل والعرض في عدة أماكن في القرى والمدن الصغيرة. وعلى وزارتي الثقافة أن تتحملا مسؤولياتهما على أكمل وجه تجاه المسرح والشباب الممارس.وأنا أتساءل من هذا المنبر: ماهي وظيفة وزارة الثقافة؟ أليست وظيفتها هي تنمية الثقافة والمسرح كشكل من الأشكال الثقافية؟ إذن من هذا المنطلق يتوجب على وزارة الثقافة أن تضع المسرح في صلب اهتماماتها، وأن تجعله يعيش وسط الناس، ويساهم في توعيتهم وفي الرفع من الوعي الجمالي لديهم. وأخيرا على الدولة أن تنظر للثقافة كحاجة حضارية ملحة بالنسبة لحياة المجتمعات على اعتبار أن الإنسان لا يعيش من أجل المأكل والمشرب فقط.

س/ مرّ المسرح المعاصر في ليبيا بفترات وُصِفت بأنها ذهبية كمنتصف السبعينيات، وانحدر حاله إلى مستوى متدنٍ، في مراحل أخرى نجد أن المسرح هذه الأيام وكباقي مكونات المشهد الثقافي الليبي متأثرًا بالوضع السياسي، ما هي مقترحاتكم للخروج من ذلك؟

ج: المسرح الليبي لم يتأثر بالمشهد السياسي، نحن الفنانين بالرغم من وجود حكومتين بليبيا إلا أن الفنانين يسعون جاهدين لِلَم شمل ليبيا، بدليل أننا كفنانين في هذه الفترة نُقيم في ربوع ليبيا (كرنفال السلام)، والمشرف على هذا الكرنفال نخبة من الفنانين..  ولهم فائق الاحترام والتقدير. لأن المسرح مسارح ، ألوان واتجاهات وتجربة تتجدّد ، لا ولن تعرف التوقف والجمود ، وإن حصل وتوقفت ، فهذا يعني نهايةُ الإنسان ، لأن التجربة المسرحية تتطوّر بتحرّك وتطوّر الإنسان ، آلياته ، منظومات عمله ، حاجاته ، تحدياته .. لذا فإن من مميزات هذا اللون الإبداعي قدرته الفذّة في التعامل مع أية ظاهرة إنسانية ، ما أريد قوله أنه من الممكن جداً ، أقول من الممكن ، في حالة تمكّن المسرحي من تأشير الزاوية المحددة للتعامل مع المشكلة السياسية المطروحة وبشكل ينتمي إلى الجمال ، أي أن هاته المشكلة في حالة ولوجها بوابة التجربة المسرحية ، كيف يتم التعامل معها نقداً ومعالجة إن أمكن ، أو أن يتم عرضها بطريقة جمالية فأن هذا العنصر التعبيري الفعّال يستطيع أن يدخل المعترك السياسي ضمن رؤية ما تجعله مقبولاً دون أن يقدّم خسارات كبيرة بحيث أنه من الممكن جداً الاستفادة من لون مسرحي ، سبق وأن انتشر في بعض الدول الأوربية في مرحلة العشرينات والثلاثينات ألا وهو “مسرح الصحف الحيّة” ، وهو تجربة كانت تستفيد مما ينشر من أحداث ووقائع سياسية في الصحف اليومية ، ويتم إعدادها بطريقة ممسرحة ومن ثم طرحها إلى الجمهور .. والعرض يتطوّر بتطور المشكلة صوب التعقيد وصوب الحل ، بحيث يضاف أليه ما يستجد ، ويحذف منه ما يخفت أواره ، ويضعف بريقه …
أما على المستوى الشخصي فأنا لا أُجيز لفن المسرح أن يدخل ميدان مشكلة مازالت في طور الخصومة وعدم الوضوح ، ممكن تتّم الإشارة لهذه المشكلة أو تلك بشكل أو بآخر في أي عمل مسرحي يتناول المشكلات والقضايا الكبرى .. أما إذا توفرنا على تجربة تُناقش المشهد السياسي دون الوقوع في سذاجة التسرّع وبساطة المتداول وفضيحة اليومي ، بل تأخذ بأيدينا جهة الجمال ، فمرحباً بهذه التجربة .. لأن المسرح من شأنه أن لا يغلق الأبواب ، بل يجعلها مشرعة على الدوام ، فتلك مزيته ، وتلك طبيعته الحرّة ..

س/ ما رأيكم فيما يقال إن الحركة المسرحية ليس لها دور كبير في المشهد الاجتماعي، كما الدور الذي تلعبه الرياضة في عالمنا العربي؟

ج: أوافقك الكلام أن المسرح له الدور الأكبر في المشهد الاجتماعي، بدليل الأعمال التي تقدم على المسارح، والتي تدعو لِلَم الشمل واللحمة الوطنية، سواء على الصعيد المحلي أو الصعيد العربي…
إذن يستطيع المسرح الذي أعني وأحدد ، أقول يستطيع هذا المسرح الحديث المتطوّر ، المعاصر ، الباحث ، الممتع ، المثقف ومن خلال صياغاته الجمالية أن يخاطب كل الأذواق مجتمعة بما يبتكره من جمال وسحر ..كما تفعل الرياضة وغيرها ، ثم أن هذا المسرح لا يقتصر في علاقته مع المتلّقي على تحديد واسطة واحدة للقول ، فهو يتوسل اللغة الفصحى في إيصال مراميه وأهدافه ، كما يتوسل اللهجة العامية ، ولغة الإيماءة والإشارة على السواء ، والأهم من ذلك هي ليس طبيعة الخطاب ، إنما معناه ، مضمونه وشكل وغنى صياغته .. هذه الأمور وحدها من تستقطب ذائقة المتلّقي صوب العرض المسرحي ، وتفتح مساحات تفاعلاته واستقبالاته .

س/ هل ترون أن طبيعة الإنسان الليبي وكون التقاليد في المجتمع ليست تقاليد فنية، حيث إن الناس لا يميلون للفرجة والترويح عن النفس من أسباب ركود المسرح في ليبيا؟ وكيف يتم رفع الوعي المجتمعي لدى الأجيال القادمة؟

ج: أتمنى أن تصل هذه الرسالة إلى كل العالم  (بأن المجتمع الليبي يعي جيدًا بأن المسرح أستاذ الشعوب، وهو مجتمع مثقف وليس بحاجة لرفع مستواه الاجتماعي) المسرح ينتمي إلى جمهورية الإبداع ، وينتمي إلى الجمال ، بحيث يستطيع أن يخاطب الإنسان البسيط والمثقف على السواء ، لأنه إذا حدث وأن أخطأت الأذن في استقبال بعض الأشياء ، فأنا لا أشكُ أبداً في طاقة التلّقي العظمى التي تمتلكها العين والروح ، ثم أن وظيفة المسرح وضرورته الاجتماعية هي التعليم والتثقيف المسلفن بالإمتاع والفائدة ، وهذا الهدف الجمالي لا يفرّق في سعيه ونشاطه بين عامة الناس والشريحة المثقفة ، فالتعليم والتثقيف والإمتاع ، حاجة لا حدود لها ، وتهم الجميع .. فالجمهور وبعامة شرائحه ، حتى الأميّة منه يشاهد أفلام على درجة عالية من التعقيد ، ويستطيع أن يتعامل معها ، يفّك مغاليقها ويقيم حواراً معرفياً وجمالياً دون أن يشكو ويتذمر ، ويحصل على المتعة الكاملة .

س/ صالح المعداني هو ممثل وفنان مسرحي ليبي.. ما رأيك بهذه الجملة، أو برأيك ما الذي يحملنا على قولها (تشجيع الفنون عامة)؟

ج: لست من الموافقين على هذه الجملة، أنا مع الجملة التي تقول (دعم الفنون عامة) سواء الدعم المادي او المعنوي. انشغل بالمسرح تفكيراً ، طموحاً وحلماً ، قراءة وكتابة وبحثاً ، إخراجاً وتمثيلاً ، إقامة وترحالاً وحياة ، انشغل بالمسرح لأنه خياري المميّز منذ أن وطأ قلبي عتبة هذا الفن القضيّة ، وأفرّ إلى فضاء المسرح وطناً ثانياً وانطلاقاً من هاته القوة والتأثير الساحر لفن المسرح ، ما ننفكُّ نصرخ لدرجة بُحّت فيها أرواحنا بأهمية وضرورة هذا الفن ، ولزوميّة وجوده غنياً فاعلاً في ظرفنا الصعب ، الذي نعاني ونعيش، أقول عندما نصرُّ ، ونعيد الهتاف بأهمية تفعيل دور المسرح ، والآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى ، فذلك لمعرفتنا الأكيدة بقدرة المسرح وإيماننا بنجاعة ما يمتلكه من وسائل إبداعية جاذبة ، وبما يوفره من اجتماع لجماهير مختلفة ومتنوعة ، أن يردم العديد من بؤر الجفاف والتصحّر في حياتنا ، أن يحقق التسامح والمصالحة بمعانيها السامية ، نصرُّ على المسرح لأننا نُؤمن به فنّاً مجرباً تنكبتهُ الشعوب التي تعرّضت إلى تغييرات دراماتيكيه في بناها المختلفة ، تنكبته وصفة شافية لعلاج عدد من الظواهر السلبية التي اعترضت مسيرتها الديمقراطية ، بل وشيدّت له الصروح المختلفة والعملاقة لتجليّات معنى الفن الساحر ، ولم تكتفي بهذا ، بل وأوقفت له الميزانيات الطموحة لتنفيذ خططه وبرامجه البعيدة المدى من أجل أن يتحرك ويعمل بطمأنينة وحرية ، لينفّذ كامل أحلامه في الداخل وعلى مستوى الخارج ، وجاءت النتائج باهرة ، وعلى الصعد كافة …

س/ ألا ترى معي أن الفضاء الإعلامي المفتوح قد حجمّ الإقبال الجماهيري عن المسرح وأقصد هنا الجمهور العريض؟!

 

ج: المسرح حاجة ، ضرورة ، ابتكره الإنسان ليس طمعاً بهامش المتعة البريئة التي يوفرها بل لأن لهذا المسرح القدرة العجيبة في أن يستضيف أعقد المشكلات على خشبته ليناقشها لا بصورتها الواقعية – هذا الذي يحصل في الغالب – إنما بمقترح فني ينتمي إلى الجمال ، إلى الدهشة ، حلماً باستفزاز الآخرين كي يغيروا من واقعهم الرث المتخلّف .. ومن خلال هاته الخشبة يستطيع المسرح أن يوجه رسائل عديدة صوب الحياة يقلقها ويهزها هزّاً لتعيد النظر بما اعتادت عليه من آليات عمل وأنظمة وعادات مستهلكة .. والمسرح كما هو معروف ، فن الاحتجاج والتمرّد والرفض والثورة ضد كلّ ما هو متخلف وفاسد يتعارض مع قوانين السماء وقيم الأرض في النظر إلى ما يخدم ويقدّس ويشرّف بنيان الله ، الإنسان …. وظل المسرح فنٍ يرافق الإنسان في صيرورته المتغيرّة المتطورة على الدوام ، ويستفزّه بالتحرك باتجاه الأجمل ، وبالمقابل أن الإنسان كذلك يمارس هذا الاستفزاز جهة المسرح بما يدفع به نحو التطوّر والتكامل والحداثة .. فنُ المسرح صديق الإنسان حتى في الحالات التي حُورب بها هذا الفن ، إلا أنه ظل حياً يهمس بالوجود والتحريك والتحديث ، بدليل عودته معافاً قوياً ثانية وثالثة ، وطالما أنه ضرورة فلا يمكن لأيّ وسيط منافس أن يحلّ محله ، حتى وأن حاول هذا الوسيط المنافس أن يغازله ، فيستضيفه ، كما يفعل التلفزيون حين يقوم بعرض بعض الأعمال المسرحية ، لكن هذه الآلية المصنوعة لا يمكنها وبأي حال من الأحوال أن تكون بديلاً عن المسرح الحي وهو يستقبل عشاقه ، جمهوره ، ليقيم معهم هذا الحوار الساخن المكهرب وبشكل مباشر … ما أخلص أليه ، لأقول: يظل الراديو راديو ، والتلفزيون تلفزيون والسينما سينما .. وسيظل المسرح بفردانية وخصوصية تجربته الفنية ، بسره العجيب وطبيعته التركيبية ، بألوانه المثيرة ، بسحرته وعوالمه الضاجة ، بفتنة الاستقطاب ، وسيطاً خاصاً ومتميزاً للدهشة ولكل ما هو جميل وجليل ، ولن ينازعه شرف هاته المنزلة أيّ فضاء آخر ..

س/ نعود لكم أستاذنا.. هل لديكم معرفة بالساحة الثقافية الفنية الخليجية واطلاع على الأعمال السعودية؟ وإن كان ذلك ما هو تقييمكم لما قدمه الفنان السعودي؟

ج: من خلال مشاهدتي على القنوات الفضائية لأعمال خليجية، أري أن الفن الخليجي يعتبر من الفنون المتقدمة علي الساحة العربية، والفنان السعودي فنان راقي جدًّا، ومتمكن ولديه ما يقول على الصعيد المحلي والعربي.

س/ ما هي الطموحات والآمال التي يتمنى المعداني تحقيقها؟

ج: آمل من الله أن تكون هناك أعمالًا تجمع أكبر عدد من الفنانين العرب، وهذه الأعمال التي تجمع شتات هذا الوطن الممزق، وتقريب وجهات النظر من الفنانين من جميع أنحاء الوطن العربي، وأن تقام مهرجانات للمسرح على مستوى الوطن العربي، كمهرجان دمشق الدولي.

س/ رسالة أو كلمة أخيرة.. لمن توجهها؟

ج: الرسالة الأولى علي الصعيد المحلي إلى وزارة الثقافة بليبيا “نريد منكم مد يد العون للفنان الليبي والدفع به حتى يرقى إلى المستوي العالمي.

الرسالة الثانية إلى كل مسؤول في الوطن العربي، وإلى كل الفنانين العرب، “علينا أن نقدم أعمالًا فنية لِلَم الشمل، والمحافظة على عاداتنا وأخلاقنا وديننا الإسلامي.

وفي النهاية شكرًا لكم على استضافتكم الكريمة.

 

الإشراف والإخراج / هتون الشمري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88