إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

حيازتها بعقلها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد…

يعيش الإنسان حياته بين أمل التوفيق وخشية الإخفاق، منهم من يبذل وسعه وطاقته طمعًا في تحقيق ما يأمل حذِرًا من أن يفشل، وهذا يتحقق له ما يريد بقدر إدراكه وعقله للأمر، وسأبين ذلك بعد عدّة أسطر. ومنهم من لا يبذل وسعًا ولا طاقة، إيمانًا منه أن الإخفاق في حياته أصل والتوفيق لا يأتيه إلا على خجل، هذا بالرغم من إيمان الاثنين بإذن لله تعالى حق توفيق الثاني وإخضاع الأول للإمتحان. ولا شك بأن لكل محبوب موجِب، فمن أراد الولد تزوج حواء، ومن رغب بالغِناء باع واشترى، ومن طلب السعادة بحق استمسك بالعروة الوثقى. ولا ريب بأن تحقق التوفيق والسلامة من الإخفاق أغلى المطالب بالاتفاق، وهو كغيره له أسباب من تسبب بها عُدّ من أهل الاستحقاق.

وإن كان تكرار المطلوب مراراً عند تعذره وإعطاؤه من الوقت كفايته دونما تعجّله أحد أهم الأسباب التي تستفتح بها الأبواب، إلا أنّ السبب الأصل ما تعرضنا له سلفًا، إنه سَعَةُ الإدراك والعقل.

إن مقدار إدراك وتصور وعقل الأمر مؤشر عالي الدقّة على مدى التمكّن من التوفيق وتجاوز الإخفاق، وإليك ما يثبت ذلك من خلال هذه الصور:

تأمل مثلاً فيمن يُقبل على بناء عُشّه ويعزِم على تكوين نفسه، كم يبذل لاختيار شريكه، تجده يسأل عن أدق التفاصيل في الحسب والنسب وهل سبق له إخفاق أو كان قد رسب ناهيك عن التعمّق في مسألة المال والجمال والتحديق فيما يتصف به والخصال،
وأما رجل المال والأعمال فإنه يتصور مشاريعه بجميع الأشكال ويبني قراره على أسوأ الظروف والأحوال، ولا يمكن أن يقبل على أمر لا يعقل فيه المآل.
وكذا الصادق في بحثه عن السعادة، لا يدخل من باب فيه ريبة ولو رأى عليه كثرة الإقبال إن لم يتيقن سلامة ما فيه، لا تغلبه غلبة الاحتمال، لديه مبادئ أولاها الامتثال. هذه صور والبقية تحاكي نفس القضية.

كل واحد من هؤلاء دافعه لذلك يقين، أنه كلما زاد وعيه واستيعابه وعقله للأمر فما بينه وبين التوفيق إلا أقل من متر،
هذا في جزئيات الحياة فكيف بكليتها؟

إنه لفي غاية من الأهمية أن يعرف ويعقل المرء أن سبب الفشل عند الكثيرين يعود إلى ضعف شديد إن لم يكن عدم عقلهم وتصورهم للحياة بأكملها قبل جزئياتها؛ فكيف لتوفيق أن يحِل، وإخفاق أن يرحل مع ضعف بصيرة أو جهل وقلِّة تصور أو أقل، ونقص حاد في النظر والعقل.

إذا أردت إدراك التوفيق والنجاة من الإخفاق، وإذا طمعت في المزيد من كسب الأرزاق، وإذا رغبت الجمع بين الظفر بغايات الحياة وتأمين نفسك في النهايات، عليك أولاً وقبل كل شيء العمل على فهم معنى الحياة وإدراك ما تريد منها تحديدًا وما يُراد منك من المسؤليات وحقيقتها ومكانتها، وسبب خلق المخلوقات، عليك البقاء أيامًا ليست بالقليلة؛ لتتمكن من تحديد موقعك في الحياة بدقة عالية لتقيس بُعد المسافة من قربها وتضبط اتجاه بوصلتها ثم تنطلق بأمان لتبعُد عن الإخفاق وتلازِم توفيقها.

عندها بتوفيق الله ستجد نفسك في طريق أبعد ما تكون عن الإخفاق، وأقرب ما تكون إلى التوفيق.

والحمد لله رب العالمين.

بقلم/ زياد بن عبد اللطيف الفوزان

مقالات ذات صلة

‫47 تعليقات

  1. راعى الكاتب ارتباط الأفكار في المقال بشكل وثيق، ولكن كنت أتمنى مزيدًا من التفصيل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88