الفنون والإعلامفن و ثقافة

نتفليكس هل تحقق لنا تربية جيدة أم أنها ستكون وبالًا علينا؟

خلال الأيام القليلة الماضية ثار موقع التواصل الاجتماعي تويتر واشتعل ليصبح هاشتاج CancelNetflix# ترند عالميًّا ورقم (1) في الولايات المتحدة، والذي نادى بمقاطعة المنصة الإلكترونية نتفليكس NETFLIX العالمية، وقد جاءت تلك الثورة بعد أن قررت المنصة عرض فيلم بعنوان (Cuties).

إعداد/ نشوى سرحان

ويصور الفيلم فتاة سنغالية قررت الاحتجاج على قواعد أسرتها والانضمام إلى فتيات أخريات من ذات سنها للرقص والمشاركة في المسابقات، وهو ما اعتبره الجمهور ترويجًا للبيدوفيليا.

والمقصود بالبيدوفيليا من المنظور العلمي هي الخيالات والأفعال التي تتضمّن نشاطات جنسيّة مع أطفال لا تتجاوز أعمارهم 13 عامًا.

وفي سياق متصل نجد أن هذا الفيلم عرّض منصة نتفليكس إلى هجوم حاد وبخاصة بعد انتشار المنصة بين العرب، حيث تعرضت المنصة إلى خسائر فادحة بعدما قرر جمهورها العربي إلغاء اشتراكه ومتابعته للمنصة، موجهين إليها أنها تتبنى فكرة الترويج للشذوذ الجنسي والإباحية وأخيرًا البيدوفيليا، وهذا التوجه محرم في كل الديانات السماوية والعادات والتقاليد التي ينشأ عليها العرب، من احترام الأخلاق والفطرة السليمة التي خلقنا عليها الله عز وجل.

ولكن هل تتعمد نتفليكس الترويج لهذه الأفكار بالفعل أم أنها تحاول أن تحقق لنا تربية جيدة من خلال عرض هذه الأفكار لنكون على دراية بما يحدث حولنا؟

وللإجابة عن هذا السؤال يجب علينا أن نعلم تاريخ المنصة والشركة المؤسسة لها منذ البداية، تأسست شركة نتفليكس في 29 من أغسطس 1997، في وادي السيليكون كاليفورنيا من قبل مارك راندولف وريد هاستنغز، وتخصصت في تزويد خدمة البثّ الحي والفيديو حسب الطلب وتوصيل الأقراص المدمجة عبر البريد، وقد عمل راندولف مدير تسويق لشركة هاستينغز شركة بيو آتريا، كما كان راندولف أحد مؤسسي شركة مايكرو وارهورس شركة بريد إلكتروني، وقد جاء مارك راندولف وريد هاستنيغز بفكرة نتفليكس عندما كانوا يتنقلون بين منازلهما في سانتا كروز ومقر شركة بيور آتريا في أثناء عملية البيع، وقد أطلقت نتفليكس في 14 من أبريل 1998، مع 30 موظفًا و925 فيلمًا متوفرة عبر نظام تأجير ممثال لأنظمة منافسهُ الوحيد حينها بلوكبوستر.

وتوسعت نتفليكس عالميًّا ففي 2007 بدأ بثّ نتفليكس في الولايات المتحدة، وفي 2010 بدأت نتفليكس بتقديم خدماتها خارج الولايات المتحدة، وفي 22 من سبتمبر 2010 بدأ بثّ نتفليكس في كندا، و2011 توسع بثّ نتفليكس إلى البرازيل ودول الكاريبي ومنطقة غيانا. وفي 2012 بدأ توسع نتفليكس في القارة الأوربية، وأُطلق نتفليكس في المملكة المتحدة وأيرلندا في 4 من يناير ثم في 18 من سبتمبر توسع نتفليكس في الدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد.

وجاء عام 2013 فقررت نتفليكس إبطاء التوسع للسيطرة على كلفة الاشتراك، وأضيفت هولندا لقائمة الدول المدعومة، وفي 2014 توفرت نتفليكس في كل من النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وسويسرا، وفي عام 2015 توسعت نتفليكس في أستراليا ونيوزيلندا واليابان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا.

وفي عام 2016 أعلنت نتفليكس خلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في 1 من يناير 2016 أن خدمتها ستتوفر حول العالم (ما عدا الصين وسوريا وكوريا الشمالية وجزيرة القرم).

واعتبارًا من أكتوبر 2016 دعمت نتفليكس 18 لغة لواجه المستخدم وأغراض خدمة المشتركين: العربية والصينية والدنماركية والهولندية والإنجليزية والفنلندية والفرنسية والألمانية والإيطالية واليابانية والكورية والنرويجية والبولندية والبرتغالية (برازيلية وأوروبية) والإسبانية والسويدية والتركية.

وفي ما يخص التمويل والإيرادات الخاصة بها نجد أنه في 2010 ازداد سعر أسهم شركة نتفليكس 219% بالمئة ووصل إلى 175.70$ دولار، وازداد عدد المشتركين ثمانية مليون مشترك جديد، حيث أصبح عدد المشتركين الكلي 20 مليونًا. وزادت الأرباح 29% بالمئة إلى 2.16$ مليار دولار والأرباح الصافية 39% بالمئة إلى 161$ مليون دولار.

ومن خلال ما ذكر من تتبع المسيرة الإدارية لشركة نتفليكس دون النظر إلى المحتوى المقدم نجد أن هدفها كان السيطرة على سوق التكنولوجيا والريادة.

أما من خلال النظر إلى المحتوى كما جاء في رأي الكثير من المتابعين والنقاد فنجد أنهم يرون أن نتفليكس تتعمد أن تقحم في محتوى منتجاتها مشاهد للمثلية دون وجود مبرر درامي لها، والأمر الذي يدعو إلى لفت النظر وإثارة الشكوك حول توجهات المنصة هو هذا التواجد الهائل والكمي لـ”المثلية الجنسية” في محتوى نيتفلكس، وكي لا تضع أحدًا في خانة “مع أو ضد” بعيدًا عن كل ما يحدث حولها في المجتمعات من اختلاف؛ هل يساعد هذا الكم الهائل من مشاهد الممارسة المثلية فئة المثليين حقا؟ أم أنه حشو وفائض للفت انتباه المشاهد المشترك برسوم مدفوعة باحثًا عن المتعة؟!

ونجد في أمريكا أن مؤسسة “الاستقامة” وجهت رسالة تتضمن اتهامًا مباشرًا إلى “نتفليكس” باعتبارها تروج بصريح العبارة وتدعو إلى المثلية الجنسية بشكل مبالغ فيه ومخيف ومريب أيضًا، كما حاولت المؤسسة أن تحذر الأهالي ليمنعوا أبناءهم من مشاهدة تلك البرامج خصوصًا المراهقين وطلاب المدارس بالإشارة إلى ضرورة حجب هذه الأفلام، ولكن ضخت الشبكة العالمية كمية هائلة لمفهوم “المثلية” وضرورة تقبلها على شكل قصص حب وعلاقات متعددة، وأطاحت باختيارات كثير من المشاهدين بشكل قد يتحوّل لضريبة عكسية وربما إيجابية على شبكة “نتفليكس”.

وقد أعلنت الشركة ازدياد عدد الأفراد المشتركين بالوطن العربي والذي قد تخطى 4 ملايين مشترك، إلا أن مسلسلات “نتفليكس” تباع بمواقع مجانية وهو ما تعلمه الشركة وغالبًا ما تغض الطرف عنه بسبب صعوبة السيطرة عالميًّا على “ثورة الاختراق” الممنهجة ورغبة من الشركة في تحقيق انتشار أوسع بكثير مما هي عليه من وادي “السليكون” في كاليفورنيا، وتطرح مسلسلات “نتفليكس” المثلية بقالب درامي خارج أطر المحددات للشخصية في كيفية تحوّل هذا الشخص لمثلي، فغالبًا ما يأت مثلي الجنس ذكرًا كان أم أنثى مشتتا يمر بعلاقة عاطفية أو ما دون ركائز درامية أو حياة مستقلة ومستقرة، بل فوضوية قائمة على القبلات المفاجئة والجسد العاري ورغبة متأججة في الشريك وليس بذكاء، وتطرحه بقالب عابر لا يشي بشيء واضح.

ومع أن المثلية لا تشكل “ظاهرة” في مجتمعاتنا العربية حتى اليوم، إلا أننا نجد أن المتابعة من الشعب العربي لأفلام ومسلسلات نتفليكس التي تحتوي على قصة مثلية جنسية تحقق مشاهدات عالية!

فإذا نظرنا إلى عقلية “نتفليكس” سنجد أنها تفكر بعقلية التاجر المتحرر من القيود، فهي شبكة تنظر كيف تبيع؟ وتلتقط عين المشاهد أولا ثم تدخله بتفاصيل الدراما والفانتازيا وإن لم تكن تلبي رغباته؛ فهي على الأقل جذبته. فتهتم الشركة بإدهاشك البصري أكثر من المحتوى؛ لذا فإن الشبكة التي أنتجت في العام 2017 أكثر من 100 ساعة برامجية متعددة فقط؛ تعلمك بطريقة مباشرة “جهّز نفسك لكل محتوى صادم ومدهش وغير متوقع”.

فهذه الشبكة التي تغدق على التصوير والمونتاج ببذخ واضح، تتخطى بعض الأعراف المجتمعية حتى داخل بلدها الأم “أمريكا”، ومع ذلك فهي تمتّع عيني المشاهد بشتى الوسائل، وتعتبر الربح والإنتاج المرتبة الأولى لديها.

ولأن كل ممنوع مرغوب يرى استشاري علم النفس التربوي موسى مطارنة بالوقت الذي يصعب فيه السيطرة على المنع بعالم “الإنترنت”؛ الدور يقع على المتابع نفسه، فعليه مراقبة ما تقدمه تلك الشركات من محتوى لا يتناسب مع البيئة العربية وأن على شركات الإنتاج العربي تقديم البديل المناسب بمحتوى مماثل في الجودة.

ويلفت مطارنة إلى تكاثف وسائل الإعلام والإنتاج الرسمي والخاص لتقديم محتوى وخطاب إعلامي يساعد الشباب في عدم التأثر بما يقدّم له من الخارج، خصوصًا وأن هناك مراهقون وغيرهم قد تؤدي لتوجيههم بشكل غير مباشر.

فالشركة بحسب محللين تحاول من خلال إنتاجاتها الأخيرة تحويل أي قيمة إلى سلعة لضمان أكبر قدر من الاستهلاك، الخطورة في ذلك تكمن في تحول رد الفعل مع الوقت من نفور وغضب إلى ابتعاد فقط ثم إلى اعتباره حرية شخصية وأخيرًا إلى كونه أمرًا عاديًّا.

وبالعودة إلى فيلم (Cuties) صاحب الضجة المثارة مؤخرًا على نتفليكس نجد الفيلم قد حصل على تقييم (1.7/10) في الـ IMDb بينما حصل تريلر الفيلم على يوتيوب على 1.7 مليون dislike مقابل 41 ألف like، ما يعكس حجم الاستياء الواسع من العمل، وهو ما انعكس بشكل مباشر على المنصة إذ خسرت نتفليكس (9 مليارات دولار) من قيمتها السوقية في ساعات بعد ما أصبح هاشتاج CancelNetflix# ترند عالمي ورقم (1) في الولايات المتحدة.

وحاولت الشركة التبرير باعتبار العمل يناقش قضية ضغط الأقران، ومشكلات وقوع الفتيات الصغيرات في فخ وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك فإن حقيقة اختيارهم لاستخدام الفتيات الصغيرات لهذا الأمر مثير للمشكلات، فقد ظهرن على الشاشة وهن يرقصن بشكل مستفز.

والمثير للتساؤل أيضًا أن الفيلم مصنف للمشاهدين فوق سن الـ 18 رغم أن الممثلين فيه أطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ 13 عامًا.

لم يسكت الجمهور والنّقاد على ما روّجت له نتفليكس، فأنشأوا العديد من الحملات التي طالبت بوقف الفيلم وعدم عرضه ومسح البوستر الترويجي له، وبالفعل استجابت المنصة حينها فقط لتغيير البوستر الترويجي وليس لإلغاء الفيلم، فبدّلته ببوستر آخر أكثر براءة للفتيات الممثلات وهنّ يمشين في شوارع باريس والفرحة تظهر على وجوههن بينما كنّ يحملن أكياس التّسوق.

واعتذرت نتفليكس حينها عن البوستر الأول من خلال تغريدةٍ قالت فيها: “نحن نأسف بشدة عن البوستر غير اللائق الذي استخدمناه لـ Cuties.  لم يكن الأمر جيدًا، ولم يكن ممثلًا للفيلم الفرنسي الذي فاز بجائزة في”Sundance”

وفي ضوء ذلك كله يفضّل المتخصصون النفسيون أن تركز “نتفليكس” على “إذا قررت مناقشة مواضيع المثلية أن يأتي ذلك في سياق علمي وسينمائي درامي متين غير مبتذل” مؤكدين على “أن نتفليكس لا تستوعب فكرة التريث في مخاطبة الجمهور حتى اليوم”.

لربما يختلف كثيرون مع الآراء السابقة كلها، لكن لا بد عند تناول قضية ما، البحث والغوص في أسبابها وظروفها والحديث عنها كوحدة واحدة موضوعية وعدم إقحامها دون وجه حق على المشاهد، لتقديم محتوى ذي قيمة ومؤثر، وليس بطريقة تسلب المثليين التعاطف القليل الذي تمنحه لهم مجتمعاتهم.

ويعتقد كثير من المتابعين والنقاد أن “نتفليكس” إن لم تتراجع عن محتواها المندفع وتراعي خصوصية المجتمعات وخصوصية المثلي نفسه، فإنها تسيء للمساحات الخاصة للناس، وستخسر المثليين والمجتمعات نفسها في آن واحد. فيما يقول خبراء نفسيون ونقاد عن نتفليكس: “القادم أخطر”!

وفي النهاية يبقى السؤال.. هل نتفليكس تحقق لنا تربية جيدة أم أنها ستكون وبالًا علينا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88