إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

حكاية تدين صحوة

تألمنا لحظة العناق وانتهينا إلى لحظة نفاق. لم ندر لحظة التدين الأولى من محبوبتنا؟ وكم المهر المطلوب؟ فقط حججنا لها في الصفوف نلبي معبودًا لا نرمقه.. لأجله كتبنا الخوف والبكاء وقلق الأرواح، مع أب وأم وأخ يخاف علينا التدين الجديد، والصحو الجديد؛ ثوبًا قصيرًا أولًا، ثم ترك المعازف ولزوم العبادات وملازمة الإخوة في الله. سياسةً في في قالب تنفلات.

كل شيء غائم لكنها رعود وبروق اللحظة، وجوع الجوف، وفراغ المكان والزمان.

انتهت القصة.. وفقنا من سكرة الجُرعة إلى لحظة انتباه فيها من أفاق والكثير لم يُفق بعد.

ليست فكرة التدين ووجودها بؤس نندم تلبسه، فكل الكائن البشري مقدِّس بالطبع، لكنها صيرورة لم تحمل جنينًا في رحم ريحها.

اليوم أحكي شواهد تجربة أراها تملأ أنامل وأقدام رفاق الطريق. أروي بعض جوفها في نقاط:

1- التأدب الساكن: تعبير مؤدب لسلوك رفاقٍ يُحسنون الانصراف دون الحضور. تغيب في رجولتهم جل الرجولات؛ فلا حق لصديق وعشرة، ولا وصلٌ متخلق أو جميل عِشرة، لا معرفة لفضل كبير أو رحم أو جار، لا جود نفس أو سؤال أدب أو تبشش أناقة. يعرفون ما تعرفه بداوة اللحظة ووحشية التصحر والجفاء. غابت رجولة المواقف وتدين الوفاء وأخلاق التحضر وحضرت أجساد ملتحية متقزمة الأخلاق إلا لمشابه، أما الأصول وأعراف الذوق الاجتماعي فدونها تاريخ من الكسر والحذف، اكتمل بنسيان المجتمع لسلومه وأعرافه الجميلة، لندخل اليوم نفق الفردية والذاتوية.

2- التعالم: لا ينطلق اللسان فصاحة حب، أو بيانٍ وعلم، لكن الحال ينطق زُمُوم ذات تسخرُ في صمت، ذاتٌ تمتلئ ولا ترى في غيرها غير كبوات الوصل مع الله، ومع ذواتهم التي لم تعد القِبلة القديمة.
يقرؤون المشافهة نصوصًا هي الانتماء، وأفكارًا مشتركة بثها شيوخ الهدى قبل عشرات السنين!.

3- الولاء لشيء غامض: لم أعلم يوم الشراكة لأي مشروع أثور، ولا اليوم أعرف لهم رب، كل شيء غامض، سوى الأجساد مرتبكة حامية تُتمتم بتعويذات ومقولات لا نرى منها كتابًا منشورًا، ولا قولًا يُبين معبودًا، ولا مشروعًا يحمل صيرورةً تنضح وضوحًا. إنهم في جهاد في غير عدو، لكنهم اليوم يُحبون الأرض والمال والنساء ووالديهم (فقط)، وربما ذواتهم.

4- السياسة في الحارة: معالم تجديدية في سلوكهم البارد الساكن، نلحظها في نماذج ولاء نضحت بعد امتلاء الحسابات البنكية برواتب وظائف نالوها في تخصصات مقتوها زمنًا ويتفاخرون بها اليوم مكانًا وحالًا. لهم حركة تقريب وإبعاد وتأييد وتسفيه، تخضع لميزان قوى الطبيعة والتدافع والبقاء للأقوى. سِلمًا لمن سالم مصالحهم، وراعى نفوسهم الطاهرة، وفتكًت وتآمرًا لمن زاحم محبيهم وتطلعاتهم وشغاف قلوبهم.

5- الذاكرة لا تعمل: كانت مُحملة بكل شيء ترومه الأمة والرفاق من مجدٍ مؤمل وطريق شاقٍ لا يقطعه غير الصُحبة وبركة مشائخ الهُدى. فجأةً ومع الأسف لم تعد الذاكرة تستدعي شيئًا، بل أصابها داء الشيخوخة. ربما تم حشوها بمأثورات جاهزة، وفتاوى مُعلبة حتى عطبت من ثِقل.
أعلم أن العقل لم يتم إعداده للفهم والنقد، لكنني أتعجب من ذاكرة كان يحسن بها أن تستدعي مواقف الصِحاب وجمالات مخزونات معارف، أين ذهب ما فيها؟ ولماذا لا تلوكه الذاكرة لتنثر بعض ما فيه؟ فلربما زانت منهم بعض سلوكات.

ليس كل هذا جناية رفاق (صحو الغيم)، بل إن الفاعل المكاني والزماني والثقافي والاجتماعي والسياسي بعث في الوجود وجودّا، ومع البروق رعودًا ومطرًا وإنباتًا غيّر مسار التاريخ، لكني أعود فأقول: “لم تكن مطاياكم تحمل صنائع، ولم يكن في الإبل الكثيرة راحلة”.

إن الأمل في التنوع والاختلاف أن يبعث حركة تنفح الوجود قولًا بالعمل، لتأسيس أعراف التأنق اللطيف، تواضعًا للبعيد والقريب، حقًّا لجار ورحم، وزهدًا في الجمع والبلع مما يؤذي الناس ويُشعل في النفوس حقدًا، وحسدًا، وسوء خلاق.

الكاتب/ سالم بن عبد الله القرشي

salemqurashi@gmail.com
حساب تويتر ‏Mansa2099@

مقالات ذات صلة

‫55 تعليقات

  1. لمست التماسك بين الفقرات والتدرج بها من فقرة إلى أخرى؛ لإيصال الفكرة إلى القارئ.

  2. راعى الكاتب ارتباط الأفكار في المقال بشكل وثيق، ولكن كنت أتمنى مزيدًا من التفصيل.

  3. ليس كل هذا جناية رفاق (صحو الغيم)، بل إن الفاعل المكاني والزماني والثقافي والاجتماعي والسياسي بعث في الوجود وجودّا
    أصبت القول

  4. إن الأمل في التنوع والاختلاف أن يبعث حركة تنفح الوجود قولًا بالعمل، لتأسيس أعراف التأنق اللطيف، تواضعًا للبعيد والقريب، حقًّا لجار ورحم، وزهدًا في الجمع والبلع مما يؤذي الناس ويُشعل في النفوس حقدًا، وحسدًا، وسوء خلاق.

    أوجزت وأصبت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88