إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الجزاء

في نهاية العشر.. نتطلع إلى القبول والفوز بالأجر، فلنسعد بالإبحار في بحر الجمال، حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، الجنة و ما أدراك ما الجنة.

في سورة الحجر، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ «45» ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ «46» وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ «47» لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ «48» نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «49» وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ «50»﴾.

ما أروع وصف القرآن، أجمل الكتب بيانًا، وأروعها نظامّا،
يخبرنا تعالى ويشوقنا إلى حال المتقين الذين اتقوا طاعة الشيطان وما يدعوهم إليه من جميع الذنوب والعصيان {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} قد احتوت على جميع الأشجار وأينعت فيها جميع الثمار اللذيذة في جميع الأوقات. وفي تفسير القرطبي ذكر: بأن في جنات: أي بساتين، وعيون هي: الأنهار الأربعة (ماء، وخمر، ولبن، وعسل).

ويدخلونها بسلام آمنين كما ذكر المولى سبحانه وتعالى، بسلام أي بسلامة من كل داء وآفة، وقيل: بتحية من الله لهم، آمنين: أي من الموت والعذاب والعزل والزوال.

قال ابن عباس: أول ما يدخل أهل الجنةِ الجنةَ، تُعرضُ لهم عينان، فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله ما في قلوبهم من غل، ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم، وتجري عليهم نضرة النعيم.

الغل: الحقد والعداوة، يقال منه: غل يغل، ويقال: من الغلول وهو السرقة، ويقال: من الخيانة. المعنى أنهم يتطهروا من كل غل وحقد وضغينة.

إخوانا على سرر متقابلين: أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض تواصلا وتحاببا، وقيل: الأسِرَّة تدور كيفما شاؤوا، فلا يرى أحد قفا أحد. وقيل: متقابلين قد أقبلت عليهم الأزواج وأقبلوا عليهن بالود، وسرر جمع سرير، مثل جديد وجدد. وقيل: هو من السرور، فكأنه مكان رفيع ممهد للسرور، والمعنى الأول أظهر. قال ابن عباس: (على سرر مكللة بالياقوت والزبرجد والدر)، السرير ما بين صنعاء إلى الجابية وما بين عدن إلى أيلة، كما دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما بينهم في كون كل منهم مقابلًا للآخر لا مستدبرًا له، متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر.

ياله من نعيم، ويالها من سرر.

وفي هذه الجنات كُتِبَ الخلود لأهلها بلا أي هم أو تعب، لا يمسهم فيها نصب: أي إعياء وتعب، وليس فيها مرض.

(وما هم منها بمخرجين): دليل على أن نعيم الجنة دائم لا يزول، وأن أهلها فيها باقون، أكلها دائم إن هذا لرزقنا ما له من نفاد.

ثم يقول تعالى (نَبِّئْ عِبَادِي) أي: أخبرهم خبرًا جازمًا مؤيدًا بالأدلة، {أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته، ومغفرته سَعَوا في الأسباب الموصلة لهم إلى رحمته وأقلعوا عن الذنوب وتابوا منها لينالوا مغفرته. ومع هذا فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال، فنبئهم {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } أي: لا عذاب في الحقيقة إلا عذاب الله الذي لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه، نعوذ به من عذابه، فإنهم إذا عرفوا أنه {لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد} حذروا وابتعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب، فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائمًا بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه، أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه، أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها.

وهكذا.. فإن المؤمن الحصيف ما بين هذا وذاك فلا قنوط يجر إلى يأس، ولا رجاء مع تهاون واستسهال قد يؤدي إلى الإهمال والتراخي، وكثير من المسلمين يقعون فريسة الإفراط أو التفريط في هذا الشأن.

ولنتمعن في تطهير الإنسان من الغل قبل دخول الجنة، وكأن جمال الجنة ومهابة قدسيتها لا يتناسب وقبح الحقد ودناءة الغل، فالمؤمن الحقيقي يطهر قلبه من هذه البذرة القاتمة، ولا يتفق حسن إيمان العبد مع قلب فيه حسد أو كره أو حقد؛ فهذه الصفات البغيضة لا يقبلها صفاء الإيمان ونقاؤه،ط. وينعكس حقد القلب وسواده على الشكل مهما كان جميلًا فقد نرى امرأة بارعة الجمال إلا أن حقد قلبها يكسو وجهها بلؤم منفر وبغض مخيف، والمؤمن الحق لا بد وأن يدرك أن الدنيا فانية ولا شيء يستحق إهدار الجهد والوقت والمشاعر على الحقد، فحياة المؤمن أثمن من أن تهدر، وبدلا من اتباع الشيطان وهو يوسوس بحقد وانتقام، فلنشغل أوقاتنا بالخيرات وجلب الحسنات.

نسأل الله قلوبًا عامرة بحبه والإيمان به، كما نرجوه الجنات ونعيمها بفضله.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

‫19 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88