إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

أنكاثا

في الآية 92 من  سورة النحل يقول تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}

في هذه الآية ينهى الخالق –سبحانه وتعالى- عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، ويأمرهم بوفاء العهود، ممثلا ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه، ولا تكونوا أيها الناس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بالوفاء بتلك العهود والمواثيق ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) يعني: من بعد إبرام.

والقوّة: ما غُزِل على طاقة واحدة ولم يثن.

وقيل: إن التي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بمكة، وكانت خرقاء تنقضه بعد ما تُبْرِمه.

وقال آخرون: إنما هذا مثل ضربه الله لمن نقض العهد، فشبهه بامرأة تفعل هذا الفعل.

قيل عن قتادة، في قوله تعالى {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه! وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده.

ويستفاد من هذه الآية العظيمة: أهمية الحفاظ على العهود، وعدم نقضها أبدًا، وهذا هو ديننا الحنيف بسموه ورقيه يحفظ الكلمة والعهد والثقة بين البشر.

ومع أن هذا المثل إنما ضُرِب للإشارة إلى نقض الوعد والعهد لكن معنى النكث بشكل عام وضياع المجهود وإهدار الجهد والصبر والتعب يمكن أن يستفاد منه أيضًا بفائدة أخرى، بألا يهدر الإنسان جهده في أمر، أيا كان ذلك الأمر، فمثلًا من صور هذا الإهدار:

– رجل يتعب في إصلاح آخر ويأتي بعد تعب وجهد يتراجع ولا يكمل.

– امرأة تصبر على زوجها وسوء خلقه وتأتي بعد فترة فتقوم بخيانته أو الإساءة إليه بحجة الانتقام وأنه أساء إليها كثيرًا.

– أن يتكبد أحدهم المشقة في عمل ما، ثم يأتي في المرحلة الأخيرة ويفعل ما يهدم كامل البناء، ولم يبق سوى لبنة واحدة توضع بوضعها فيكتمل.

وهنا نقيس على واقعنا الحالي، فقد أكرمنا الله الآن وبعد شهور من الحجر بعودة الحياة الطبيعية بالتدريج للبلاد، وهنا يأتي دورنا كأفراد بعد جهد الحكومة ووزارة الصحة بألا ننقض غزلنا الذي غزلناه وتعبنا فيه أنكاثا من بعد قوة، أي لا نفرط في الوقاية واتخاذ التدابير؛ فيحدث ما لا يحمد بعد كل هذا الحجر والتعب والجهد والصبر والالتزام. والعبرة بالخواتيم.

نسأل الله أن يتم علينا نعمته ويحفظنا والمسلمين.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88