إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

حمايةُ مسعفٍ أم عزاءٌ دائم

مـدخـل:

قضاء الله وقدره نافذٌ لا محالة، وهو مُعتقد ثابت وراسخٌ في قلب كل مسلمٍ، مع الأخذ في الاعتبار بعمل الأسباب بعد التوكل على الله سُبحانه، والإيمان ‏كذلك ‏‫بأن بيده ملكوت كل شيء، والإيمان بأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذنه تعالى فالذي خلق الأسباب هو الذي خلق النتائج والثمار.

عندما نتابع الأخبار الواردة في الصحف اليومية أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتي تعج بالأحداث المحلية المُتنوعة، منها: الصحية، والتعليمية، والأمنية، وكذلك الرياضية، والتي نعيشُ تفاصيلها يوميًّا ونواكب مُستجداتها، فإننا أحيانًا نتوقف عند بعض الأخبار السلبية والمُشكلات المُتكررة، والتي باتت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هنالك الأخطاء الطبية المُنتشرة في المستشفيات وكذلك الحوادث المرورية بسبب عدم تقيد من حولنا بتعليمات المرور. والتعصب الرياضي وتأثيره على فئة الشباب ودور الإعلام السلبي المُصاحب له.

مـواقـع غـيـر آمـنـة:

يعلمُ الجميع بأن الطُرق السريعة، والمنازل، والشركات، والمُنحدرات، والأودية، والمباني التي تكون تحت الإنشاء، وغيرها الكثير من المواقع تُعد غير (آمنة) عندما تكون مسرحًا للكوارث الطبيعية مثل (السيول، والصواعق)، أو غير الطبيعية مثل (الحرائق، أو الجرائم المُفتعلة)، وكذلك مسرحًا للحوادث الطارئة كحوادث المرور المُعتادة، ويزداد الأمر تعقيدًا إن امتلأت بالمُصابين والمحتجزين.

لذلك تتخذ الدول المتقدمة كافة السُبل والإجراءات الوقائية اللازمة لاحتواء أي حدث تُشارك به القطاعات المعنية، وذلك بعمل (طوق) أمني وبأمتار كافية، بحيث لا يُمكن بأي حال من الأحوال اختراق ذلك الطوق من أي طرف خارج منظومة العمل المُصرح لها.

حديثي هُنا عن مُعضلةٍ مُتجذرة ودائمة، يعاني من آثارها منسوبو هيئة الهلال الأحمر السعودي، وتحديدًا من يعمل على أرض الميدان. تكمن تلك المشكلة -أحيانًا- في ضعف تهيئة الموقع الآمن للطاقم الإسعافي عند وصوله لتلك المواقع وأثناء قيامه بعمله الذي يحتاج إلى تركيز عالٍ وسرعة إنجاز بل إلى مجهود ذهني وبدني، وجميع تلك العوامل لا تصمد طويلاً أمام بعض المؤثرات الخارجية والمُحيطة بالطاقم الإسعافي في موقع الحادث.

إن من أهم الأساسيات التي يتلقاها المُسعف أثناء دراسته في مجال تخصصه، ويحرص كُل مُحاضر على أن يغرسها في عقل كل طالب هي ترسيخ مبدأ (سلامتك الشخصية أولًا)؛
فسلامة المُسعف في الموقع من أهم الركائز التي يجب أن تلقى اهتمامًا خاصًّا، وهو أمرٌ غير قابل لـ (المُجازفة) بأي شكل من الأشكال وتحت أي مُسوغ، لما له من تبعات سلبية على جودة الخدمة الإسعافية التي تُقدم للمُصابين في حال تعرضه لضررٍ مُباشر، لا سمح الله.

هنا لن أتطرق في الحديث عما يواجهه المُسعف في الموقع من تكرار حالات الاعتداء عليه جسديًّا أو لفظيًّا من قِبل بعض المتجهمرين والمارَّة أثناء مباشرتهم للحالات، وهو أمرٌ قد اعتاده كل مُسعف، وسأتجاوز جميع العوائق والعقبات التي من شأنها تعطيل أي خدمة إسعافية تقدمها الفرقة بعد وصولها للموقع.

بات هُناك أمرُ آخر هو بالغ الخطورة ويؤرق كل مُسعف يُباشر حادث سيرٍ في الطرق السريعة، ويُشكل هاجسًة يشغل تفكيره على الدوام، وهو يتساءل بينه وبين نفسه:

– كم هي النسبة المُحتملة لارتطام مركبة قادمة من الخلف بالمُشاركين والمُتجمهرين في موقع الحادث؟!

– هل هُناك تنبيهات وإشارات كافية للفت انتباه قائد المركبة القادمة؟!

– مع بقاء السؤال الأهم.. هل تم تأمين الموقع تمامًا؟

وغيرها من التساؤلات المنطقية التي تفرض نفسها.. ومما يُعزز ذلك الأمر هو ما يُنشر من إحصائيات بين الحين والآخر عن الزيادة الملحوظة في عدد الإصابات والوفيات لمُقدمي الخدمات الطبية الطارئة في تلك المواقع تحديدًا، وهي ليست وليدة اللحظة أو ظاهرة نشأت في الآونة الأخيرة بل لها تاريخ قديم وروايات تُكتب إلى يومنا هذا.

طـوق النجـاة:

يحق للمُسعف -نظامًا- عدم مباشرة أية حالةٍ من الحالات الطارئة في أي موقعٍ غير آمن، ويشكل خطورةً على حياته وسلامته الشخصية حتى يأخذ الإذن من الجهة المسؤولة عن الموقع بخلو الموقع من أي تهديد محتمل، سواء كان مُباشرًا أو غير مُباشر ومن ثم مُباشرة الحالات.

رسـالــة بيضاء:

عـزيـزي المـسعـف..

اعلم يقينًا أنك حينما تُلبي النداء الإسعافي وتتوجه مباشرةً لبلاغٍ ما، لا يشغل تفكيرك سوى سرعة الاستجابة، وعن العدد المُحتمل للإصابات ومدى خطورتها، واعلم تمامًا بأن الدقيقة تعني لك الكثير.

ولـكـن..!

التقيد بموجبات (السلامة المهنية والشخصية) أولى، واتباع التعليمات بدقة أمر في غاية الأهمية، فإن إهمال هذا الجانب قد يتسبب لك بالأذى المُباشر لا سمح الله، والأذى النفسي لعائلتك وذويك وزملائك في العمل.

إلى من يهمه الأمر:

يجب عمل (طوق) أمني في موقع أي حدث يُشكل تهديدًا مباشرًا لجميع الجهات المُشاركة به، وخاصةً في الطرق العامة وإعطاء إشارات تحذيرية وضوئية للمركبات القادمة لإشعار سائقيها بوجود (حدث) ما أمامهم، حفاظًا على أرواح المشاركين في تغطية الحدث من رجال أمننا البواسل وأبطالنا المُسعفين في هيئة الهلال الأحمر السعودي.

وصـول:

اعلم ياصديقي -رحمك الله- أنني تأخرت كثيرًا في كتابة هذا المقال، ولكن “تمطر السحابة عادة ثم تغيب بعد أن ترتوي الأرض بمائها، وتخضرّ الحياة. وحين يرحل العظماء، ترحل أجسادهم فقط، لكن أعمالهم، وعطاءاتهم تظل خالدة داخل ملفات التاريخ”

بقلم/ ماجد الحيسوني

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. سلمت أناملك أبو البراء ورحم الله زميلنا هاتي يوسف فكلنا معرضين لما تعرض له ونطمح للتطوير في أساسيات عملنا لا في هوامشه والله يصلح الحال ويحمينا جميعا

  2. الطوق الأمني من ضروريات حل المشكلة وحصرها وغيابه يدل على عدم الاكتراث وأقولها خجلاً هذا شعارنا لا نهتم بالتفاصيل التي تصنع الكُل الآمن الجميل.
    سلمت يمينك أستاذ ماجد

  3. مقال جميل يتمتع بالمهنية العاليه من ممارس للعمل الاسعافي اليومي
    شرط من شروط التدخل الاسعافي التأكد من أمان الموقع و خبرة المسعف تجعله يميز بين الموقع الامن و الغير آمن بنظرة منه لا تستغرق الثواني و لكن ما يجعله يقوم بعمله بشكل سريع معرضا نفسه و فريقه للخطر هو تغلب العاطفة على العقل و المنطق مثله مثل الشخص الذى يريد ان ينقذ ابنه من الغرق وهو لايعرف مبادئ السباحة
    و هذا ما يحصل فعلا لذا يجب على الجميع حتى المتجمهرين ان لا يقتربوا من اي مصاب حتى يؤمنوا الموقع فالتعليقات واضحه و جليه
    اما طوق النجاة و من يقوم به فهذه مهمه الجهات الامنية التى تباشر الحادث و للاسف قلما نراه
    تحياتي لك اخي ابو البراء و قد أوفيت مقالك بخبرتك و قلمك

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88