مناطق محظورة تعيش فينا

ترى ما لون هذا الذي يسكن عيني في هذه اللحظة التي أصبح فيها لحزني مذاق آخر.. وأنا أرتب كراستي في انتظار ما.. وأفض الأختام عما تحمله علبة البريد من رسائلي المنسية، مذاق يشبه رائحة البنفسج وهي تجرب أمزجتها السحرية؛ لتحقق الشغف الذي يحيط الأشياء بها؟! لحزني مذاق آخر.. وأنا أبحث عن أسماء بإمكانها أن تحدد رغبتي فيما أريد.

أيتها الأبدية من حولي، متشنج صوتك هذا الصباح.. الصباح الذي ألِف العتمة؛ فأبى أن يغادرها. ها أنا أرقب ذلك الذي تخفينه عني من دموعك. ترى لماذا تأتينا الدموع نفسها هذا الصباح، هذا الصباح الذي أراه مختلفا وكأنه يريد أن يخلف موعده معنا؟!.

لا أريد أن أشعر بشغف لشيء ما.. يناديني، يجذبني نحوه بقوة قصوى ثم يتركتى للمكابدات، للآلام التي تمزقني وترمي بي لرصيف الصدف العابرة.

ليس سهلًا.. أن نمر كل يوم على لحظاتنا التي تركتنا كأيتام عند العتبات المقفرة من الحياة.

ليس سهلًا.. أن نتوسم فينا هدوءًا ما، يشبه المجهول الذي ينادينا باستمرار، ونرفض الالتفات إليه؛ لأنه سيأخذنا إلينا عميقًا عميقًا، يشعل فينا حرائق الروح، وحدائق الشعر، ويتركنا للرياح، للموت، للنسيان، لأرض الحزن التي لا يؤوب منها أحد. تلك (الديستوبيا) التي لا تحسن سوى افتراس الأرواح عند حواف النهايات، تلك التي كانت يومًا (يوتوبيانا) الجميلة. نسقنا في انتظارها ممكن المستحيلات، وواسع السماوات، ولم نجنِ سوى هذا المد الذي حملنا ولم يعدنا، وها نحن في أقبيتنا العميقة من الروح نعيد تدوين رسوماتنا الكهفية، علها تكشف عن وجهة للسير.

وليس سهلًا أبدًا.. أن نعبر المناطق المحظورة فينا، تلك التي فتحت ذراعيها لنا كلما مر من عمر دون أن تدفعنا قدرة القدر إليها، حتى إذا ما نمنا جاءت لتذيقنا من بعذوبة ما، وتراشق بها قلوبنا.. هذه التي نسيت أن تكبر ذات ليل طويل طويل، وما زالت تلتحف أردية النسيان، لتستطيع النجاة.

وكم هو منهزم فينا هذا الصوت الذي ينادينا، نحبه لكننا نخشاه، ونسبح فينا عكس التيارات نحو تلك المناطق التي ما آب منها أحد. يشبه الأمر قوارب الصيادين الصغيرة التي لا هي استطاعت أن تحمل الصيد الوفير بعد موسم قاسٍ من الجوع، ولا استطاعت أن تؤوب فارغة؛ والجوع يمزق الأرواح المنتظرة.

الكاتبة الجزائرية/ د. سليمة مسعودي