إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

بين التفاهة والمعنى

ما من إنسان إلا ولديه خطة يبذل خلالها الجهد لتحقيق ما يصبو إليه من مكانة وقد لا يفعل، هو حر في وسعه الاختيار لترتيب أولوياته بتقديم الأهم على المهم، وربما انشغل عن تطوير ذاته بواجباته ومسؤولياته تجاه الغير أو العكس، وهو عندما يتناسى ذاته ويغرق في التفاهات المعتادة ويعبر الحياة دون تحقيق قيمة تذكر، سيفيق يومًا على مرارة هذا الفعل، إذ غالبًا ما ينتاب هذا الشعور المرء فيما نسميه أزمة منتصف العمر؛ فيقف وحيدًا مع نفسه وقفة فاصلة، حائرًا يتساءل عن المنجز الذي حققه في حياته وغالبًا ما يجد أنه مقصر في حق نفسه كحال البعض ممن خلت حياتهم من المعنى فيكتئب وقد يقدم على الانتحار.

ولكن أهذه الحياة حقًّا؟ وهل معيار الفوز والخسارة هذا فقط؟ بالطبع لا.. فالإنسان وجد لغاية، ونلاحظ أنه رغم كون البشر يكدحون ويفعل البعض منهم الأعاجيب لتحقيق جملة من الأهداف والغايات يتميز ويسعد بها في حياته. إلا أنه في المقابل لم يفعل أدنى شيء تجاه أهم حدث بالنسبة له، أقصد وجوده من العدم، إنه أعجز ما يكون عن فعل ذلك، هو المستحيل بعينه، لا أحد له الفضل بالمجيء لهذه الدنيا. هل سمعتم يوما عن انسان وُجِد بسبب جده واجتهاده وإرادته.. بالقطع لا.

إن ماهية الوجود وسره شأن إلهي وغاية خلق الإنسان تتجلى في العبادة وإعمار الأرض، وهذا لا يتحقق إلا بفعل كل ما هو أخلاقي عفوي في العموم ربما دون التفات لفرضية معينة أو حسبة بعينها، وجانب كبير من ذلك نجده في معاني وقيم التضحية والإيثار وإفادة الغير، وقيمة هذا لا تقاس بالمعيار الأناني في الكسب والخسارة وانما بقيمة ما فعلت وتركت من أثر مفيد وبقدر عاقبة أمرك عند القدير يوم الدين (فخير الناس انفعهم للناس)، (وغرس فسيلة والساعة قائمة) كما قال الحبيب -صلى الله عليه وسلم- خير معيار أخلاقي للنفع. هذا يعني كما أورثنا الله الأرض نورثها للأجيال القادمة في خير حال دون إفساد، وكما يقال ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط؛ العطاء حياة. والعمل النافع الذي فيه إعمار للأرض هو العبادة العفوية من البشر نجدهم مجبولون على ذلك دون استثناء إذ لا يسع الخلق حسب المشيئة الإلهية سوى العبادة، والعمل في أسمى معانيه عبادة. ومَنْ مِنَ الخلق لا يسعى ويكدح؟!، أما الإيمان فشأن آخر.

بقلم/ عوض نايف

مقالات ذات صلة

‫70 تعليقات

  1. لمست التماسك بين الفقرات والتدرج بها من فقرة إلى أخرى؛ لإيصال الفكرة إلى القارئ

  2. راعى الكاتب ارتباط الأفكار في المقال بشكل وثيق، ولكن كنت أتمنى مزيدًا من التفصيل.

  3. وفق الكاتب في استخدام البراهين العقلية والتسلسل المنطقي للأفكار في كل الفقرات.

  4. جزاكم الله خيرًا على التذكرة التي جاءت في وقتها، فحقا الحياة لا تعني مكسبًا أو خسارة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88