وطن نحبه

حين تربت عين الملح على طفولتنا، ويمسح سيدي خالد على جبين البراءة، وينصت وادي جدي لحنين الغربة، نعرف طعمًا للبساطة في عينيك يا جزائر؛ فشاطئ الأمان في هذا الوطن الكبير بعض أشلاء وطفولات مشردة على الأزقة والساسة مزهون بنخب سايس بيكو جديدة، والشهباء حلب تبكي سيف الدولة، ولا متنبي جديد يعيد للعروبة نخوتها، ويقول: أريد من زمني أن يبلغني ما ليس يبلغه في نفسه الزمن.

وما بلغنا ربع هذا الزمن.. بعض من شباب يموت على قوارب، والموت وقد كانت تنقل في زمن طارق بن زياد نفس الشباب ولكن يحملون حضارة الشرق إلى الغرب الذي عاث فيه الجهل، حتى تأخر على الاستحمام لمدة سنة أو يزيد.. فلا أشبه اليوم بالبارحة، كل شيء تكسر حتى الحلم خفت كضوء شمعة في ركن زاوية.

أمشي على الخريطة متعبا
فلا البحتري هنا ولا زرياب

لم يبق في دار البلابل بلبل، كما وصف نزار جراحاتنا وبقي الخزي وبيع الضمائر والأوطان ديدنا، وطوح الألم بالشباب فما كان عليه إلا الانخراط في الظلام والقتل، وطعن العروبة النقية، ووأد كل سجايا الحضارة، ونسي أن أجداده شادوا الحمراء في غفلة الطائفية والتعصب الأعمى.

الله الله في سوريا وهلالها الخصيب.. إن جراحاتنا قد تندمل ولكن جراحات الوطن لن تغفر لنا خطايانا، جفت الأقلام وذهب الشباب الغض، وبقي حنين النخل في وادي جدي يحلم بشربة ماء، ولكن السماء ستجود ولو طال الزمن وكان في العمر بقية لنرى حلمًا جديدًا ينبجس من بعض تراب.

الكاتب الجزائري/ محمد لباشريه