هل للعقل ما للنقل أم أقل؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

لمّا خلق الخالقُ المخلوقات قدّر بكمال عدله لها وعلمه بها لكلٍّ ما يناسبها قدرًا وحقًّا ومكانة.

قال الله تعالى: (قد جعل الله لكل شيءٍ قدْرا)

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- غير تشريفه بالرسالة حقّه السمع والطاعة وقبول ما جاء من الحكمة والاقتداء.

والصحابة رضوان الله عليهم غير تشريفهم بالصحبة حقّهم الترحم عليهم والترضي عنهم والثناء،

والوالد غير تشريفه بأنه سبب الوجود حقّه أن الله تعالى سمّى من أدّى حقّه بارًّا، عِلمًا بأن البر المقصود شرعًا تحتاج لبلوغه ما يحتاجه ناقل البحر إلى غير مكانه.

والمسلم غير تشريفه بالهداية حقّه بلغ أن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عند وفاته لأنه يكره الموت وأكره إساءته)، أما قتله فزوال الكعبة عزيزة القدر والقيمة والمكانة أهون عليه منه.

كل ما تتمتع به تلك الأشياء من قدر ومكانة وتكريم تدل بجلاء على منزلتها عند المولى، ورغم ذلك كله لمّا أعطاها الله ما تستحق جعل لها بعد ذلك حد لا تزيد عليه ولو بمقدار يد.

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يتعدى حقه لشيء هو من خصائص الأعلى، والصحابة -رضوان الله عليهم- لا يصل حقهم إلى الاعتقاد بأنهم عصماء. والوالد لا يتجاوز حقه أن يطاع بما فيه معصية أو خطأ، والمسلم لا يزيد حقه على من هو منه أولى

العقل يملك ويتمتع بقدر وحق ومكانة، لا تقل عن تلك قدر أنملة، إن لم يزد عليها من حيث أنه الطريق لإدراك حق الرسالة للرسول، والصحبة للصحابة، والبر للوالد، والأخوّة للمسلم، فهي تثبت وتُتَيقّن بسببه.

الحق أن تعداد ما يتبّين به قدر وحق ومكانة العقل كثير، جمعه وإعداده وعرضه ليس بالأمر اليسير، غير أنّ المقصود الأول والأخير هو استفهام استنكاري لكل من يعتقد بتشاطر العقل والنقل في التحكيم، أو يقول أنّ للعقل ما للنقل من المساحة والتدبير.

أيعقل أن يكون لحق الرسول عليه السلام، والصحابة رضوان الله عليهم، والوالد والمسلم منتهى؟
والعقل يُترك يغدو ويروح طليقًا بلا مدى؟
العقل ذاته يقضي بِبُعدِ ذلك، كبُعدِ الأرض عن بعد السماء.

أما إن كان من يقول بتقديم العقل على النقل فأنسب ما يطلب منه هو: “أن يضرب بأنامِلِه جُمجُمته ليسمْع قرقعة الخواء”

والحمد لله رب العالمين.

بقلم/ زياد بن عبد اللطيف الفوزان