إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

دبلوماسية الفيروسات ترتّب العالم من جديد

ليس وباء كورونا، السّبّاق الى إعادة صياغة العالم، والعلاقات بين الدول، وفتْح منافذ دبلوماسية بين الشعوب، فقبْله الكثير من الأزمات والمصائب، والظروف الخاصة التي أتاحت فرص فتْح ملفات سياسية واقتصادية حساسة، حتى باتت الفرصة للدبلوماسية في أوقات الشدائد يُعوّل عليها لفكّ عقد مستحكمة، ومعضلات تاريخية.

سخّن تسونامي، العلاقات الباردة بين الدول في منطقة المحيط الهادئ، وأبرقت موسكو الى طوكيو، بإصدار الأوامر لفرق متخصصة في البحث والإنقاذ، حتى في جزر الكوريل المتنازع عليها بين البلدين.

ضَرَب الزلزال تركيا، في تسعينيات القرن الماضي، فانبرت اليونان، تسابق الزمن لمساعدتها رغم الخصومة التاريخية، وقد فَتَح ذلك باب الحوار المغلق لسنوات طوال.

ودفعت الازمة الاقتصادية التي ضربت الصين، إبان حكم ماوتسي تونغ، الولايات المتحدة الى عرض المساعدات، الأمر الذي فتح نافذة استشراف مستقبل العلاقة بين البلدين في خضم حرب باردة، جعلت من بكين ثاني أخطر عدو لواشنطن بعد موسكو، كما استثمرت الدبلوماسية الأمريكية في مشروع تقويم الاقتصاد الصيني، لتعزيز التعاون، الذي أثمر في النهاية عن اتفاقية لخفض الأسلحة النووية.

واستدرجت “دبلوماسية التعازي” بموت زعماء، الحميمية بين الدول، حيث الزعماء يتحدّثون تحت سقف واحد يخيّم عليه الحزن، ويذكّرهم بالفناء، ما يخفّف كثيرًا من جدل الخلافات.

أزمات الفقر في كشمير، أتاحت تخفيف الشدّ المتصاعد بين الهند وباكستان، بعد حملات مشتركة بين البلدين لمساعدة الناس.

كورونا، يفعل اليوم ما عجزت عنه المفاوضات الماراثونية، في ابتكار نوافذ جديدة في التجارة العالمية لم تكن معهودة من قبل، سيما بين الدول التي تتصدى للحصار مثل (كوريا الشمالية، وإيران).

صحيفة “نيويورك تايمز” تعتبر في معالجة تحليلية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فشل في استغلال أزمة كورونا، لإذابة جليد العلاقة مع إيران، وكان يمكن له استثمارها بطريقة أفضل ممّا فعل، عبر الاستعداد الجدي لفك الحصار عنها.

أزمات النفط، لها دورها في ترتيب العلاقات بين الدول، فما إنْ تتصاعد، حتى تسارع الدول إلى الحوار والتفاهمات، من أجل دراسة أسواق النفط، وقد أثّر ذلك كثيرًا، على سبيل المثال: في تحسين العلاقات الباردة بين موسكو والرياض.

وتسبّبت أزمة الفقر في أفريقيا، في أزمة دبلوماسية بين إيطاليا وفرنسا، بعد أنْ وجهت روما اتهاما لباريس، بتعمّد إشاعة الفقر في أفريقيا، الأمر الذي تسبّب في الآلاف من المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا.

عودة الى الفيروسات التاجية الصينية، بحسب وصف الرئيس الأمريكي ترامب، وهو وصْف أثار غضب بكين، واعتُبر إهانة أمريكية لها، فلا مفرّ أمام حقيقة أن الوباء يعزّز تبادل الخبرات والمعدات مع الدول حتى المتصارعة على النفوذ الاقتصادي والسياسي.

تدرك الصين كيف أثّر الوباء على صِيتها كدولة واقتصاد، ويقول الفريد وو، الأستاذ المساعد في مدرسة Lee Kuan Yew أن الصين تعيد صياغة نسختها التي تضرّرت من تفشي المرض بعناية، وكان الأمر على وشك أنْ يتحول الى أزمة دولية بسبب الدعاية الإعلامية التي اتّهمتها بعدم التعامل المبكر مع الفيروس، وهو اتهام لا يخلو من الغرض السياسي.

تميّز الصين ذلك، لتردّ على الولايات المتحدة بأنها تتقصّد نشر الفزع بشأن الفيروس، لتحريف صورة الصين، التي سارعت إلى معالجات حاسمة لانتشار الوباء، وانتقلت إلى خارج البلاد لمساعدة الدول الأخرى، الأمر الذي أعاد الثقة بالقيادات الصينية.

وفي خطوة لا تخلو من الغمز من قناة أمريكا، أرسلت الصين فريقًا طبيًّا إلى إيران مع مئات الآلاف من الأقنعة وأجهزة الوقاية، كُتب عليها بيت شعر للشاعر الفارسي سعدي شيرازي: “أطفال آدم هم أطراف جسد واحد، يشتركون في أصل واحد في الخلق”.

بل وتحولت الصين من الدفاع إلى الهجوم؛ باستثمار الأزمة في إبراز الحاجة إلى “طريق حرير للرعاية الصحية” الذي يُنظر إليه بعين الشك في واشنطن.

الكاتب العراقي/ عدنان أبوزيد

مقالات ذات صلة

‫31 تعليقات

  1. واستدرجت “دبلوماسية التعازي” بموت زعماء، الحميمية بين الدول، حيث الزعماء يتحدّثون تحت سقف واحد يخيّم عليه الحزن، ويذكّرهم بالفناء، ما يخفّف كثيرًا من جدل الخلافات.

  2. أزمات الفقر في كشمير، أتاحت تخفيف الشدّ المتصاعد بين الهند وباكستان، بعد حملات مشتركة بين البلدين لمساعدة الناس.

  3. تميّز الصين ذلك، لتردّ على الولايات المتحدة بأنها تتقصّد نشر الفزع بشأن الفيروس،

  4. بل وتحولت الصين من الدفاع إلى الهجوم؛ باستثمار الأزمة في إبراز الحاجة إلى “طريق حرير للرعاية الصحية”

  5. تميّز الصين ذلك، لتردّ على الولايات المتحدة بأنها تتقصّد نشر الفزع بشأن الفيروس

  6. باستثمار الأزمة في إبراز الحاجة إلى “طريق حرير للرعاية الصحية” الذي يُنظر إليه بعين الشك في واشنطن.

  7. وفي خطوة لا تخلو من الغمز من قناة أمريكا، أرسلت الصين فريقًا طبيًّا إلى إيران مع مئات الآلاف من الأقنعة وأجهزة الوقاية

  8. باستثمار الأزمة في إبراز الحاجة إلى “طريق حرير للرعاية الصحية” الذي يُنظر إليه بعين الشك في واشنطن.

  9. يوما بعد يوم تتوضح وتتجلى لنا مواهبك وإبداعك والفكر الراقي الذي تحمله.
    اسمح لي اخي العزيز…….ان أرفع القبعة احتراما
    وتقديرا لك على ماتحمله من فكر نير ومعرفة ثاقبة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88