إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

صفات الأفذاذ

يقول تعالى في الآية الأخيرة من سورة الفتح (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (29).

يخبر تعالى عن محمد صلوات الله عليه، أنه رسوله حقًّا بلا شك ولا ريب، وهو وصف مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)، كما قال تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) [المائدة 54]. وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيما بارًّا بالأخيار، غضوبًا عبوسًا في وجه الكافر، ضحوكًا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن. قال النبي -صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”.

تراهم ركَّعًا سجَّدًا لا يفرطون في فرض ولا نافلة، وتظهر على وجوههم آثار ذلك التعبد من أثر السجود، فمن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، وقيل سيماهم أي أثر السمت الحسن والوضاءة والخشوع.
وقيل إن للحسنة نورا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس، وقيل أنه أثر يظهر عليهم يوم القيامة.

وقال أمير المؤمنين عثمان: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس. كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته.

وعن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لخرج عمله للناس كائنًا ما كان”.

فالصحابة -رضي الله عنهم- خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم.
وقال مالك، رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: “والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا”.
وقد نوه الله بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال ها هنا: (ذلك مثلهم في التوراة)، ثم قال: (ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه)، فكذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، آزروه وأيدوه ونصروه، فهم معه كالشطء مع الزرع؛
وقد وعدهم الله بعظيم الأجر والمغفرة والمثوبة.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه”.

ويستفاد من هذا البيان مايلي:

– وجوب محبة الصحابة وتوقيرهم وتعظيمهم؛ فهم من حملوا على أعناقهم ماتنوء به جبال ليقدموا لنا هذا الدين في محارة من ذهب؛ فلا يجوز كره أحدهم، ولا سبّه، ولا التعدي عليه، فكلهم عند الله لهم فضل عظيم.

– وصف أحبتنا من الصحابة في التوراة والإنجيل تكريمًا لهم، فهم تارة هؤلاء المضيئة وجوههم بحسن السمت أو الزرع الذي تنبت جوانبه في حقلة أي نباته.

– الأثر الجميل في الدنيا والآخرة، للتدين والإيمان، عامل إيجابي جميل لنقلد الصحابة لنصيب بعض فضلهم.

– الجميل في الأمر والمحفز.. أن تعلم بأن داخلك لو كان خيرًا لانعكس على هالتك ولظهر للناس منك ما هو في جعبتك، كم هي بديعة هذه الحقيقة، فمكنون الخير يطفو على وجه صاحبه، فيبدو سمحًا لطيفًا، والمكنون البشع يظهر على وجه صاحبه فيبدو قاتمًا غير محبوب وإن كان جميلًا، وربما هذا يفسر محبتنا لبعض الوجوه وكونها قريبة من القلب وغيرها ليس كذلك.

– صدر الإسلام، كانوا هم الصفوة وسيظلون؛ نحبهم ونرجو صحبة رسول الله وصحبتهم في الفردوس، وذلك هو الأمل بفضل الكريم.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88