11المميز لدينا

التميز النوعي في التعليم من خلال التعلم الاستجابي أو الاشراط الكلاسيكي Classical Conditioning

أصبح التميز العالمي بين كافة الدول  لنوعية تعليمهم جزءا محوريا من خطتهم لنجاح بلادهم وأيضًا لجذب الاستثمارات العالمية، وعليه اصبح رفع أعداد طلاب الدراسات العليا وتحسين جاهزيتهم لسوق العمل وايجاد طرق جديدة للتفكير وتحسين تصنيف الجامعات عالمياً جزءا من استراتيجية التنمية الاقتصادية الوطنية.

ما هو الاشراط الكلاسيكي Classical Conditioning ؟
للتعرف على هذا النموذج, دعنا نتأمل الأمثلة التالية:

المثال الأول:

طفل رضيع أخذته أمه يوماً إلى عيادة أحد الأطباء, وهناك حقنه الطبيب بحقنه (مثير طبيعي ) آلمته, وكان الطبيب حينها يرتدي روباً أبيض (مثير محايد ). وفي يوم أخر أخذته أمه إلى صيدلية لشراء الدواء الذي وصفه له الطبيب. بمجرد رؤيته للصيدلي الذي يرتدي روباً أبيض بدأ الطفل بالصراخ. فالروب الأبيض استجر استجابة البكاء.

المثال الثاني:

في يوم ربيعي جميل اصطحب أحد الآباء طفله الرضيع في نزهة وهناك مدّ الطفل يده لتلمس زهرة البنفسج ( مثير محايد ) وتصادف في نفس اللحظة وجود نحلة عليها فلدغته ( مثير طبيعي ). في اليوم التالي عادت الأم من عملها وهي تحمل باقة من زهور البنفسج تناولت منها زهرة لتقديمها لطفلها ليشمها. فما أن وقع عليها حتى اندفع في صراخ عال مرعوباً من منظر تلك الزهرة. فمنظر الزهرة استجر استجابة الخوف من الألم التي تأدت بشكل طبيعي للدغة النخلة.

المثال الثالث:

في تجربة على الكلاب, لاحظ بافلوف أن الكلب يفرز اللعاب ( استجابة طبيعية ) عندما يقدم له الطعام ( مثير طبيعي ). في تطويره لهذا الموقف المخبري أضاف له صوت جرس ( مثير محايد ) قبل أن يقدم الطعام ( المثير الطبيعي ). كرر هذا الموقف. وبعد ذلك أراد أن يفحص أثر صوت الجرس ( مثير محايد ) على الكلب دون أن يقدم له الطعام فوجد أن الكلب يفرز اللعاب فور سماعه صوت الجرس.

من خلال هذه الأمثلة الثالثة يمكن استكشاف آلية الاشراط الكلاسيكي على النحو التالي: تقديم مثير محايد يليه مثير طبيعي وتكرار هذا التسلسل يجعل المثير المحايد قادراً على إستجرار الاستجابة الطبيعية التي كانت تتأدى للمثير الطبيعي فقط.

ويمكن تم تمثيل ذلك بالشكل التالي:

1. الطعام. إفراز اللعاب.

2. صوت الجرس. الطعام. إفراز اللعاب.

3. صوت الجرس. إفراز اللعاب.

حيث ترى نظرية المثير والاستجابة أن السلوك يتكون أساساً من المثيرات والاستجابات وأن التعلم هو عملية الربط بين المثيرات والاستجابات. بحيث إذا ظهر المثير الذي ارتبط باستجابة معينة مرة أخرى فان الاستجابة التي ارتبطت به سوف تظهر هي الأخرى.

مثلاً يتعلم الطفل أن ينادي والدته بلفظ (ماما) كحدوث ارتباط بين هذا اللفظ وبين شكل الأم بحيث يصبح وجود الأم مثيراً لهذا اللفظ عند الطفل. وهكذا يتعلم الطفل اللغة عن طريق تكوين ارتباطات بين الألفاظ والأشياء التي ترمز لها هذه الألفاظ. ولا تقتصر النظريات الإرتباطية على مجرد تفسير تعلم الاستجابات اللفظية بل تتعداها إلى نطاق تعلم الانفعالات والأفكار المختلفة. وترى هذه النظرية أن الارتباطات هي الوحدات الأساسية والأولية للسلوك وأن السلوك المتعلم ما هو إلا مجموعة أو تنظيم معين من الارتباطات.

وللنظرية الترابطية الجديدة بضعة اتجاهات تتعاون من حيث القيمة التي تطرح للعوامل المسؤولة عن إحداث عملية الربط. وهذه الاتجاهات تمثل في نظرية إيفان بافلوف   Ivan Pavlov (1849–1936 ) عن الفعل المنعكس الشرطي, والنظرية السلوكية القديمة والجديدة.

لم يقصد بافلوف Pavlov أن يبحث الاشراط الكلاسيكي, بل أن أبحاثه ركزت بداية على عملية الهضم عند الكلاب, وخلال هذه الأبحاث لاحظ ظاهرة مثيرة للاستطلاع والفضول. لقد لاحظ بافلوف Pavlov أن لعاب الكلب بدأ يسيل لرؤية الطعام أو شم رائحته وقبل أن يتذوقه فعلياً. وفي بعض التجارب فإن رؤية وعاء الطعام أو سماع صوت الشخص الذي يقدم الطعام كان يؤدي إلى سيلان الطعام .

طور في سياق دراسته لعمليات الهضم عند الكلاب إجراءات تجريبية, غدت معروفة بمصطلح ” الاشراط الكلاسيكي ” Classical Conditioning, وقد اتخذت هذه الإجراءات نمطاً نموذجياً, كانت الكلاب فيه موضوعه الرئيسي, وكان إفراز اللعاب, هو الاستجابة موضع الاهتمام .

يعتقد بافلوف Pavlov أن النشاطات النفسية المركبة نتاج للعلاقة بين العضوية والوسط وليست شيئا آخر غير ردود الأفعال المنعكسة الشرطية التي تجسد استجابة العضوية إزاء الوسط الذي توجد فيه والذي يمثل بدوره عاملا خارجيا فإلى جانب الأفعال المنعكسة الفطرية والتي تستند إلى أسس تشريحية بيولوجية توجد أفعال منعكسة مكتسبة شرطيه تعبر عن الأشكال الأكثر تطورا للنشاطات الإنسانية .

وتجسدت فكرة بافلوف Pavlov هذه في اكتشافاته الخاصة بالأفعال المنعكسة الشرطية والتي كان لها أثر كبير في بناء نظريته الجديدة حول الحياة النفسية. لقد حاول في أعماله أن يجيب عن مسألته المركزية والتي تتمثل في طبيعة العلاقة بين الدماغ والنشاطات النفسية وهو يقول في هذا الصدد” ألا يمكن لنا أن نجد مظاهر نفسية أولية يمكنها في الوقت نفسه أن تكون وعلى نحو كلي ظاهرة فيزيولوجية “.

وانطلاقا من ذلك كان بافلوف Pavlov يتساءل عن إمكانية إجراء دراسة جادة ودقيقة تسعى إلى الكشف عن شروط وجود هذه الظاهرة في سياق مركباتها واختلاطاتها.

بدأت قصة الكشف عن الفعل المنعكس الشرطي عندما كان بافلوف Pavlov يجري أبحاثه الخاصة بالإفرازات اللعابية عند الكلب حيث لاحظ أن لعاب الكلب بدأ بالسيلان قبل وصول الطعام ( قطعة اللحم ) إلى فمه وأن لعاب الكلب يسيل لمجرد رؤية من يقدم له الطعام أو لدى سماع خطواته.

ومع أن هذه الملاحظة عادية وبسيطة إلا أن بافلوف Pavlov وجد فيها منطلقه للبحث في وظيفة الدماغ وهيأت له طريقة جديدة لتحليل العمليات الدماغية دون اللجوء إلى الطريقة المعهودة عند علماء الفيزيولوجيا الذين كانوا يلجؤون إلى جراحة الدماغ وإزالة بعض جوانبه من أجل إدراك وظائف الأجزاء المبتورة. ومن هذا المنطلق قيل أن عظمة بافلوف Pavlov تكمن في قدرته على اكتشاف أهمية ظاهرة تبدو بسيطة من حيث المظهر وأن هذه القدرة على التبصر العبقري مكنته من الوصول إلى تبصرات عبقرية جديدة في مجال فيزيولوجيا الدماغ نفسه.

نظرية بافلوف Pavlov في التعلم

إن أول رجل درس التعلم في ظروف تجريبية حسن ضبطها كان العلامة الروسي المشهور إيفان بافلوف Ivan Pavlov ( 1849 – 1936 )

حيث قام حوالي 1900م بدراسة عملية الهضم عند الكلب في المختبر وقام بقياس مقدار أو كمية اللعاب الذي يفرزه الكلب عند إطعامه، وفي أحد الأيام بينما كان يقترب من كلبه وبيده طبق الطعام لاحظ أن لعاب الكلب بدأ يسيل فأدرك أن مجرد رؤية الطعام تؤدي إلى إحداث الاستجابة التي تثار حين يلامس مسحوق اللحم ( الطعام ) لسان الكلب.

إن هذه المثيرات أصبحت وكأنها بالنسبة للكلب مؤشرات للطعام نفسه وتعلم الكلب أن تقديم هذه المثيرات سوف يتبع بتقديم الطعام. أدرك بافلوف Pavlov وبسرعة أهمية هذه الملاحظات وَحَوَّل اهتمامه في البحث في هذا الاتجاه.

 

وهكذا كرس بافلوف Pavlov جهوده العلمية اللاحقة لدراسة هذه الظاهرة وإظهار حقيقتها.

ونظرية بافلوف Pavlov تقوم أساساً على عملية الارتباط الشرطي التي مؤداها انه يمكن لأي مثير بيئي محايد أن يكتسب القدرة على التأثير في وظائف الجسم الطبيعية والنفسية إذا ما صوحب بمثير آخر من شأنه أن يثير فعلاً استجابة منعكسة طبيعية أو إشراطية أخرى. وقد تكون هذه المصاحبة عن عمد أو قد تقع من قبيل المصادفة.

ومن هذا المنطلق بدأ بافلوف Pavlov أبحاثه حول الدورة الدموية والبنية العصبية للجهاز الهضمي واستطاع عبر هذه الأبحاث والتحارب الفيزيولوجية حول التنظيم العصبي لجهاز الهضم أن يصل إلى اكتشافه العظيم حول الأفعال المنعكسة الشرطية ( Réflexes conditionnelles ).

لقد لاحظ بافلوف Pavlov في إطار تجاربه العلمية أن الفعل المنعكس الخاص بسيلان اللعاب لا يتم على أثر الاحتكاك المباشر بين الطعام والغدد اللعابية الفموية فحسب بل أن ذلك يتم أيضا تحت تأثير بعض الإشارات التي ترتبط عفويا بالمثيرات الطبيعية وذلك مثل الأصوات التي تسبق وجبة الطعام . ويعطي بافلوف Pavlov للفعل المنعكس عن بعد وهي ردود الفعل الناجمة عن إشارات وأصوات تسمية الأفعال المنعكسة الشرطية Réflexes conditionnelles) .

وتبين فيما بعد لبافلوف Pavlov أن الاستجابات العصبية للفعل المنعكس الخاصة بسيلان اللعاب لا ترتبط بالعوامل الفيزيولوجية الخاصة فحسب ( وهذا يعني العوامل التي تقوم بعملية التحريض على نحو مباشر ) بل ترتبط بعوامل نفسية أيضا.

وهو في هذا السياق يوظف مفهوم ” اللعاب النفسي Sécrétion Psychique)) و ذلك في إطار محاضراته حول إفرازات الغدد اللعابية والهضمية و ذلك في عام (1897 ).

ومن جهة أخرى وجد بافلوف Pavlov فرصته في اختبار العلاقة بين الظاهرة النفسية والظاهرة الفيزيولوجية, فسيلان اللعاب لمجرد رؤية من يقدم الطعام أو لمجرد سماع صوته ليس بظاهرة فيزيولوجية لأنه على المستوى الفيزيولوجي لا علاقة بين الطرفين وأن سيلان اللعاب مرهون على المستوى الفيزيولوجي بالاحتكاك بين الطعام وحليمات اللعاب في الفم. ومن هذا المنطلق أطلق بافلوف Pavlov على سيلان اللعاب المرتبط بالمشاهدة اصطلاح اللعاب النفسي وهو يريد بذلك أن يشير إلى أن السلوك الحادث هو سلوك نفسي وليس فيزيولوجي وذلك لغياب العلاقة الموضوعية فيزيولوجيا بين المشاهدة وإفرازات اللعاب. وفي هذا المسار حاول بافلوف Pavlov أن يدرس العلاقة الجوهرية بين الظاهرة النفسية والظاهرة الفيزيولوجية عن طريق اكتشاف العلاقة بين المثيرات الخارجية ووظائف الدماغ العصبية العليا. لقد اعتقد بافلوف Pavlov أن حدوث الإفرازات النفسية تؤدي إلى بناء علاقات جديدة تسجل في لحاء المخ أو في القشرة الدماغية عند الحيوانات العليا. وهو بذلك كله يريد أن يبرهن بأن السلوك النفسي عند الإنسان يرتكز إلى أسس بيولوجية فيزيولوجية مركزها اللحاء المخي عند الإنسان أو الحيوانات العليا.

وعلى أثر هذه الملاحظات الخاصة بإفرازات اللعاب أجرى بافلوف Pavlov سلسلة متواصلة من التجارب على الكلاب من أجل التحديد العلمي لحركة هذه الظاهرة ورسم تجلياتها في صورة قوانين علمية واضحة قام على أثرها بتحديد المفاهيم الأساسية لنظريته هذه الخاصة بالتعزيز والانطفاء والتعميم والترابط والتعلم.

لقد أطلق بافلوف Pavlov على المثير الطبيعي للطعام اسم ( المثير غير الشرطي ) وعلى الاستجابة الطبيعية (الاستجابة غير الشرطية ), ثم أطلق على المثير الخارجي (صوت الجرس ) المثير الشرطي وعلى الاستجابة غير الطبيعية ( سيلان اللعاب لمجرد سماع صوت الجرس ) الاستجابة الشرطية.

تجربة بافلوف Pavlov

قام بافلوف Pavlov بإجراء عملية جراحية بسيطة لكلب فتح بوساطتها ثقباً في خده وادخل فيه أنبوبة زجاجية تصل ما بين إحدى فتحات الغدة اللعابية وبين وعاء تتجمع فيه قطرات اللعاب التي يفرزها الكلب.

 

وبعد انتهاء هذه العملية قام بافلوف Pavlov بتقديم مثير صناعي (محايد) مثل صوت الجرس فلم تحدث أية استجابة نحو هذا المثير (لم تحدث استجابة إفراز اللعاب).

بعد ثوان قليلة من سماع صوت الجرس قدم له الطعام وسجل جهاز جمع اللعاب الكمية المسالة وبعد عدد من المزاوجات بين المثير الصناعي والطبيعي وجد بافلوف Pavlov أن المثير الشرطي أصبح وحده يستثير سيلان اللعاب في غياب المثير الطبيعي. وبعد ذلك أعاد بافلوف Pavlov هذه التجربة فلاحظ تكرر حدوثها.

إن هذه المثيرات أصبحت وكأنها بالنسبة للكب مؤشرات للطعام نفسه وتعلم الكلب أن تقديم هذه المثيرات سوف يتبع بتقديم الطعام.

ويمكن توضيح جوانب المسألة بالمثال التالي:

م1 مثير طبيعي ( قطعة اللحم ).استجابة طبيعية ( إفراز اللعاب )س 1

م2 مثير شرطي ( صوت الجرس ). استجابة طبيعية ( السماع) س 2

مثير طبيعي (قطعة اللحم ) + مثير شرطي( صوت الجرس ) + تكرار الارتباط. يؤدي إلى استجابة شرطية هي إفراز اللعاب.

وبطريقة أخرى يمكن صياغة المعادلة التالية:

م1+م2 ومع التكرار ـــــ س1+س2 وبالنتيجة م2ـــــــ س1.

ويبن المخطط السابق أن المثير الذي كان حياديا ( رنين الجرس ) وبفعل الترابط يستطيع أن يلعب دور المثير الطبيعي الذي هو قطعة اللحم وأن يؤدي إلى استجابة شرطية هي سيلان اللعاب عند الكلب.

ويشير هذا المخطط إلى ثلاث مراحل, قبل التدريب, حيث يستجر المثير غير الشرطي استجابة غير شرطية, في حين لا يستجر المثير الحيادي مثل هذه الاستجابة, وأثناء التدريب, حيث يتم تقديم المثير الشرطي مع المثير غير الشرطي عدة مرات, وتصدر الاستجابة اللعابيّة, في كل مرة يقترن بها المثيران, وبعد التدريب, يتشكل الارتباط بين المثير الشرطي والاستجابة الشرطية نتيجة للتدريب الإشراطي.

تنطوي عملية الإشراط الكلاسيكي على ثلاثة مظاهر هامة, تمكننا في حال الوقوف عليها من فهم هذه العملية على نحو أفضل, وهذه المظاهر هي:

1. ضرورة مراعاة التسلسل الزمني لدى تقديم المثيرين الشرطي وغير الشرطي, إذ يجب تقديم المثير الشرطي أولاً, ثم تقديم المثير غير الشرطي, بغض النظر عن الاستجابات التي تؤديها العضوية, لأن تقديم المثير غير الشرطي, يتوقف على تقديم المثير الشرطي فقط , وليس على الاستجابات موضوع الإشراط, أي أن الإشراط يحدث نتيجة تقديم المثير غير الشرطي بعد المثير الشرطي.

2. يشكل المثير الشرطي في الإشراط الكلاسيكي حادثاً يمكن تحديده بسهولة ووضوح. أي لا يوجد غموض أو شكوك حول الحادث الذي يحدد المثير الشرطي.

3. إن الاستجابة الشرطية ( التي يستجرها المثير الشرطي ) مماثلة من حيث المظهر للاستجابة غير الشرطية ( التي يستجرها المثير غير الشرطي ), إلا أنها تختلف عنها في الكم, فكمية اللعاب التي يستجرها المثير غير الشرطي, كما أن الاستجابة الشرطية, تبدو أحياناً جزء من الاستجابة غير الشرطية, فقد يستجر مسحوق اللحم استجابات اللعاب والمضغ والبلع, في حين لا يستجر صوت الجرس إلا الإستجابة اللعابيّة فقط .

وقد فسر بافلوف Pavlov هذه الظاهرة بأن الكلب تعلم توقع تقديم الطعام وأن الجرس قد اكتسب القدرة على إسالة اللعاب وقد أطلق على هذا الاكتشاف الجديد اسم الفعل ( المنعكس الشرطي ).

إن الإجراءات التي استخدمها بسيطة نسبياً, فخلال المحاولات لتطوير هذه الاستجابات الشرطية فإن المثير المحايد والذي ليس من طبيعته أن يؤثر على سيلان اللعاب كصوت الجرس مثلاً كان يقدم ويتبع مباشرة بمثير ثانٍ من طبيعته أنه يؤدي إلى سيلان اللعاب وله في نفس الوقت تأثير قوي على سيلان اللعاب كمسحوق اللحم المجفف الذي يوضع مباشرة في فم الكلب.

إن مسحوق اللحم ( مثير طبيعي ) أو غير شرطي وذلك لقدرته على إحداث استجابة سيلان اللعاب بشكل تلقائي وطبيعي ولا يعتمد في ذلك على تعلم سابق لهذه الاستجابة. لذلك سميت الاستجابة ( سيلان اللعاب ) لمسحوق اللحم استجابة طبيعية لأنها لا تعتمد على التعلم السابق.

أما صوت الجرس فسمي بالمثير الشرطي لأن قدرته على توليد استجابة سيلان اللعاب تعتمد على اقترانه مع مسحوق اللحم والاستجابة لهذا المثير سميت بالاستجابة الشرطية.

لقد كان السؤال الأساس في ضوء هذه الملاحظات و التجارب:

هل يمكن لصوت الجرس ( مثير محايد ) أن يستجر تدرجياً استجابة سيلان اللعاب نتيجة لاقترانه المتكرر مع مسحوق اللحم ؟ هل يستجر الجرس هذه الاستجابة عندما يقدم وحده ؟

وكانت الإجابة على هذا السؤال, نعم, فبعد تكرار اقتران صوت الجرس ( مثير شرطي ) مع تقديم الطعام ( مثير طبيعي) فإن الكلب قدم الاستجابة لصوت الجرس عندما لم يتبع بتقديم الطعام.

ومع أن هذه التجربة تبدو يبدو وكأنها ساذجة أو تحصيل حاصل في معطياتها إلا أنها تمثل على المستوى العلمي ابتكارا في غاية الأهمية والخطورة. لقد حاول بافلوف Pavlov ومن حذا حذوه أن يبرهن بأن منظومة سلوكنا وأفاعيلنا ومشاعرنا هي نتاج موضوعي للعلاقات الاستجابية الشرطية التي تضرب جذورها في عمق الجملة العصبية الدماغية عند الإنسان وهو بذلك يسعى إلى التأكيد على مقولة الوحدة الديالكتيكية بين الوجود المادي والوجود النفسي عند الإنسان وأن الحياة النفسية هي ارتكاسات عصبية للعلاقة الموضوعية بين الدماغ والمثيرات الخارجية.

وترتب على بافلوف Pavlov أن يحدد منظومة مفاهيمه الخاصة بنظرية الارتكاسات الشرطية وخاصة هذه التي تتعلق بكيفية بناء الاستجابة الشرطية وحدودها ومدى استمرارية هذه الاستجابات في مدار الزمن وكيفية حدوث الانطفاء والتعزيز والتعميم ويجمل بنا في هذا السياق أن ننوه إلى بعض المحاور الخاصة بالمفاهيم المركزية لهذه النظرية.

الإشراط الإيجابي والإشراط السلبي:

قد يكون الإشراط الكلاسيكي إيجابياً وقد يكون سلبياً, ويعود التمييز بين هذين النوعين من الإشراط إلى الآثار التي يحدثها المثير غير الشرطي. ففي الإشراط الإيجابي, يشكل المثير غير الشرطي حادثاً ساراً أو مرغوباً فيه, كالطعام الذي يتلو صوت الجرس في تجارب بافلوف, والذي يؤدي إلى حالة الرضا, أما الإشراط السلبي, فهو على العكس من ذلك, بحيث يشكل المثير غير الشرطي فيه حادثاً منفراً أو غير مرغوب فيه, كالصدمة الكهربائية التي تؤدي إلى استجابة تجنبيّة كسحب القدم أو الامتناع عن الأكل.

يتواتر حدوث هذين النوعين من الإشراط في التعلم المدرسي على نحو كبير فابتسامة المعلمة ( وهي مثير غير شرطي ) تولد لدى طفل صغير إحساساً بالسعادة والسرور ( استجابة غير شرطية ), ونتيجة اقتران هذه الابتسامة بالمعلمة والمدرسة (مثيران حياديان أصلاً ), تغدو المعلمة والمدرسة, مثيرين شرطيين قادرين على استجرار استجابة الشعور بالسرور والسعادة, وبذلك يصبح الطفل أكثر إقبالاً عليهما. وعلى العكس, يمكن للمعلمة أن تكون مصدر إشراط سلبي, إذا كانت من النوع العقابي, فتستثير عند الطفل استجابة الخوف من المدرسة و الهروب منها.

و مما تجدر ملاحظته في هذا الصدد, هو أن المثيرات غير الشرطية السارة أو المرغوب فيها, لا تؤثر في عمليّة الإشراط, إلا إذا كانت كانت العضوية موضوع الإشراط في حالة دافعية معيّنة, إذ يصعب إشراط الاستجابة اللعابيّة عند الكلب, ما لم يكن جائعاً, أما المثيرات غير الشرطية المؤلمة أو غير المرغوب فيها, كالصدمة الكهربائية مثلاً, فإنها تزود العضوية بالدافعيّة المطلوبة, أي دافعية الهرب, لتجنب المثير المؤلم أو غير المرغوب فيه .

العوامل المؤثرة في الإشراط الكلاسيكي:

 

أسفرت نتائج البحوث العديدة التي تناولت عملية الإشراط الكلاسيكي, عند وجود عدد من العوامل التي تؤثر في هذه العمليّة, ونتناول فيما يلي أهم هذه العوامل وهي: كمية التدريب, والفاصل الزمني بين المثير الشرطي والمثير غير الشرطي، وشدة المثير, والتعليمات .

أولاً: كمية التدريب:

تشير كمية التدريب إلى عدد مرات اقتران المثير الشرطي بالمثير غير الشرطي, و تعتبر هذه الكميّة أحد العوامل الرئيسة للإشراط الكلاسيكي.

يحدث الإشراط عادة عند ظهور الاستجابة في حضور المثير الشرطي وحده, وتنزع هذه الاستجابة إلى الظهور عبر عملية منتظمة تقريباً. فقد بيّنت معظم تجارب الإشراط الكلاسيكي, أن كمية اللعاب المستجرّة بالمثير الشرطي, تتزايد على نحو منتظم, نتيجة تزايد عدد مرات اقتران المثير الشرطي بالمثير غير الشرطي, وتبلغ هذه الكمية حدها الأقصى بعد ثلاثين اقتراناً تقريباً خلال أسبوعين, بحيث لا تؤدي الاقترانات التالية إلى أية زيادة في كمية اللعاب. لهذا يجب اقتران المثير الشرطي بالمثير غير الشرطي عدداً معيناً من المرات لإشراط الاستجابة المرغوب فيها.

ثانياً: الفاصل الزمني بين تقديم المثير الشرطي وتقديم المثير غير الشرطي.

تلعب الفترة الزمنيّة الفاصلة بين تقديم المثير الشرطي وتقديم المثير غير الشرطي, دوراً هاماً جداً في حدوث الإشراط, وقد أفادت بعض الدراسات القديمة نسبياً أن الفترة الزمنية البالغة نصف ثانية, هي أفضل الفترات, بحيث تضعف فاعلية الإشراط في حال ازدياد أو نقصان هذه الفترة ( Spooner and Kellogg, 1947 ) غير أن دراسات أكثر حداثة, تناولت إشراط العديد من الاستجابات عند العديد من العضويات, كطرف العين أو سحب القدم أو ثني الساق… الخ أفادت أن فترة نصف الثانية, هي فترة مثلى في أوضاع تجريبية معينة, ويتوقف تحديد مثل هذه الفترة على نوع العضوية موضوع الإشراط، ونوعية الاستجابات المطلوب إشراطها, والإجراءات التجريبيّة المستخدمة في الإشراط, بحيث قد تبلغ هذه الفترة ثانيتين أحياناً ( Noble and Adams, 1963 ) لذلك ينزع بعض الباحثين المعاصرين على الاعتقاد بعدم وجود فترة زمنية مثاليّة تنطبق على عمليات الإشراط كافة ( Hall, 1976 ).

ثالثاً: شدة المثير:

تفيد نتائج بعض الدراسات التجريبيّة بوجود علاقة بين شدة المثير غير الشرطي وقوة الإشراط, بحيث يكون الإشراط أقوى, إذا بلغت شدة المثير غير الشرطي درجة معيّنة, فقد تبيّن أن نفخة الهواء القوية, ( مثير غير شرطي ) أكثر فعالية من النفخة الضعيفة من حيث إشراط استجابة طرف العين ( Beek,1963 ) أما بالنسبة للمثير الشرطي, فلم تظهر الدراسات وجود علاقة منتظمة بين شدة وفعالية الإشراط, إلا أن نتائج بعض الدراسات توحي بوجود أثر لشدة المثير الشرطي في قوة الإشراط, فالجرس ذو الصوت المرتفع, قد يسهل في بعض الإجراءات التجريبّية عملية الإشراط.

( Beek,1963; Grice and Hunter, 1964 )

رابعاً: دور التعليمات في الإشراط الكلاسيكي:

تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن الكائنات البشرية التي تتعرض لعمليات الإشراط الكلاسيكي, قد تغير مستوى أدائها في حال إصدار تعليمات لفظية إليها. فقد تبين مثلاً, أن مستوى أداء الأفراد الذين يتلقون تعليمات لفظيّة قبل عملية الإشراط, بعدم طرف جفن العين قبل الشعور بالصدمة الهوائية, كان أقل من مستوى أداء الأفراد الذين لم يتلقوا مثل هذه التعليمات ( Nickollas and Kimble, 1964 ) وقد يؤكد ذلك أهمية بعض العوامل المعرفيّة في الإشراط, كفهم أو تصور الفرد موضوع الإشراط للوضع التجريبي, ولما يجري حوله من أحداث, رغبة منه في التمكن من هذه الأحداث ومن الوضع المحيط به.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88