الأدب والثقافةفن و ثقافة

نجاح كبير للمؤتمر الدولي “الأدب العربي المعاصر: الآفاق والرؤى”

اختتمت يوم الأحد الماضي فعاليات المؤتمر الافتراضي الدولي ليومين، الذي نظمه مركز الدراسات العربية والإفريقية، بجامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي في الهند، بالتعاون المثمر مع أكاديمية التميز بالهند والمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام بلندن، بحضور كبار الكتاب والشعراء.

وشارك في المؤتمر كل من محمد بنيس الشاعر المغربي، وعبد الفتاح صبري الناقد الإماراتي، وشاكر نوري الروائي العراقي، وأحمد الهادي أحمد رشراش الكاتب والمستشار الليبي، والدكتور اليامين بن تومي من الجزائر، والأستاذ نبيل رفاعي من جامعة الأزهر، وذلك في ذكرى البروفيسور ولي أختر الندوي، الذي وافته المنية في التاسع من يونيو الجاري، إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد.

وشهد المؤتمر مشاركة أدبية وأكاديمية واسعة من شتى أنحاء العالم، وتكلل بنجاح غير مسبوق.

وهدف المؤتمر إلى إبراز صورة عامة عن الأدب العربي المعاصر بشتى أجناسه وأصنافه، تحت المحور “الأدب العربي المعاصر: الآفاق والرؤى”، واستضاف ستة من كبار المبدعين والشعراء والباحثين العرب لإلقاء المحاضرات والمداخلات حول الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد في الأدب العربي الحديث على مدار يومين.

وأدار المؤتمر الأستاذ الدكتور مجيب الرحمن، مستهلًا فعاليات المؤتمر الافتراضي يوم 20 يونيو، ورحّب بجميع المشاركين من أنحاء العالم أساتذة وطلابًا وباحثين من شتى الجامعات والجنسيات، واستذكر مجيب الرحمن مساهمات الفقيد ولي أختر الندوي، وخدماته في اللغة والثقافة العربية، وألقى الضوء على محاور وأهداف المؤتمر.

وألقى الشاعر القدير محمد بنيس مداخلته القيمة حول الشعر العربي المعاصر وأبهر الحضور بخطابه الثري والرائع، وتطرق في محاضرته إلى أهم المحطات في تطور الشعر العربي المعاصر، كما أبرز تطور الشعر الحر ومراحل تطور الشعر العربي ورواده وإشكالياته وموقع الشعر العربي المعاصر، وتفاعل الحضور تفاعلًا جيدًا مع المحاضر من خلال طرح تساؤلات ومداخلات حول عرضه.

فيما تحدث الدكتور اليامين بن تومي الناقد الألمعي الشاب الجزائري، حول محور “الأدب الجزائري من الآباء المتعالين إلى الأبناء المؤسسين”، وسلط الضوء على الأدب الجزائري قديمًا وحديثًا، مؤكدًا أن الأدب الجزائري أدب ثري وغني، لكنه ما زال يعاني من تبعات الاستعمار الفرنسي، فهناك حاجة ماسة لتخليصه من الأثر الأجنبي ليكون أدبًا عربيًّا جزائريًّا أصيلًا، كما أبرز أهم محطات الأدب الجزائري ومميزاته بأسلوب مؤثر وبليغ أبهر المشاركين.

وتحدث الأستاذ الدكتور نبيل أحمد عبد العزيز رفاعي عن القصة العربية القصيرة المعاصرة، وأثار قضايا عديدة منها أن التراث العربي عرف القصة بجميع أشكالها وأن الغرب تأثر بالقصة العربية في العصور الوسطى وتطورت القصة عن طريق الترجمة من الآداب الغربية، مبينًا أن القصة تطورت من الناحية الأسلوبية من الواقعية إلى التعبيرية والتجريدية، مؤكدًا أن جيل السبعينيات والثمانينيات استخدم في قصصه التقنيات الحديثة كتيار الوعي والحوار الداخلي، معرّجًا على القصة الرقمية والفرق بينها وبين الورقية، ولقيت محاضرته استحسانًا كبيرًا من الجمهور.

وفي اليوم الثاني، تشرف المؤتمر بحضور كبار الكتاب وجهابذة الأدباء كعبد الفتاح صبري من الإمارات، الذي قدم 30 عملًا في الرواية والقصة والمسرحية والدراسات النقدية، ويعد من أعظم الصروح الثقافية في الإمارات، والبروفيسور أحمد عبد الهادي رشراش الناقد الكبير والصرح الثقافي العملاق في ليبيا والمستشار الثقافي بالمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام بلندن، والكاتب الكبير شاكر نوري الذي أبدع عشر روايات ممتعة.

وتحدث عبد الفتاح صبري عن المسرحية العربية المعاصرة، معرّجًا على أهم محطات المسرحية العربية، ونوّه بدور الرواد في تطويرها، مبرزًا مساهمة الأجيال التالية في ترقيتها، وعرض مشهدًا بانوراميًّا عن المسرح العربي من اتجاهات اجتماعية وسياسية وتاريخية، مؤكدًا أهمية تأدية المسرح العربي دوره في التنوير والتطوير والتغيير.

وقال إنه على رغم وجود المسرحية في الثقافة العربية منذ القديم في شكل أرجوز ومسرح الظل، تأثرت المسرحية المعاصرة بالاتجاهات الغربية الحديثة، لافتًا إلى رعاية حاكم الشارقة ودعمه الراسخ في تطوير المسرح العربي.

وأوضح الناقد أحمد عبد الهادي رشراش، تأثر النقد العربي المعاصر بالنقد الغربي، فلا يمكن دراسة النقد العربي المعاصر من غير التطرق إلى المدارس النقدية في الغرب، مقدمًا عرضًا موجزًا عن تطور النقد الأدبي في الغرب، وأثر اللسانيات في تطوره بعد نشر كتاب (دروس في اللسانيات العامة) للغوي السويسري فرديناند دي سوسير رائد اللسانيات الحديثة، وما طرحه فيه من أفكار أغنت النقد الأدبي، أبرزها النزعة العلمية والموضوعية في دراسة اللغة، ونشأة البنوية، وظهور المنهج الوصفي الآني،  وفكرة الثنائيات المتقابلة، ونشأة علمي الأسلوبية والسيميائية، وأثر كل ذلك في النقد الأدبي الحديث والمعاصر.

وتناول رشراش، أبرز القضايا النقدية الحديثة والمعاصرة في عصر الحداثة والبنيوية التي رافقتها، وعصر ما بعد الحداثة والتفكيكية التي تميزت بها، وأثر كل ذلك على النقد الأدبي العربي المعاصر، مشيرًا إلى أبرز الدراسات النقدية العربية المعاصرة على ضوء المناهج النقدية الحداثية، على قسمين: الدراسات التي انتهجت منهج التحليل البنيوي الشكلي، والدراسات التي انتهجت منهج التحليل البنيوي التكويني.

ونصح ببذل قصارى الجهود المؤسسية لإقامة مشروع نقدي عربي معاصر لا يقوم على الارتماء في أحضان الوافد الغربي أو القطيعة مع الإرث النقدي العربي، ولا  يركن إلى الإرث النقدي العربي القديم وينغلق على الوافد الغربي، وإنما يكون مشروعًا نقديًّا متكاملًا يجمع بين التراث والحداثة.

فيما عرض الروائي شاكر نوري، صورة موجزة عن الرواية العربية، مؤكدًا أن الرواية العربية اليوم حلّت محل الشعر لكونها ديوان العرب في العصر الحاضر، لكنّه أعرب عن أسفه على الواقع العربي الثقافي المؤلم لتدني مستوى القراءة في العالم العربي، وهو واقع لن يحفز المبدع على العطاء.

واختتم أن الرواية العربية اليوم تنتشر انتشار النار في الهشيم في عصرنا الافتراضي هذا؛ لسهولة النشر وسهولة الوصول إلى المنشور الإلكتروني وخصوصًا في زمن الكورونا، مشدّدًا على أن كورونا ستغير حتمًا طبيعة الأدب عامة والرواية العربية خاصة، وسيكون لكورونا وتداعياتها تأثير كبير على الرواية ودور النشر وجميع آليات التوزيع.

وشاركت المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام في المؤتمر مشاركة فعالة عن طريق التعاون في إقامته، والمساهمة بمداخلات من أعضاء المنظمة والمسؤولين فيها كالأستاذ محمد جواد حبيب محمد البدراني الذي ألقى مداخلة عن الشعر العربي المعاصر، والأستاذة فاطمة محمود سعد الله التي قدمت مداخلة عن القصة العربية القصيرة، كما تفاعلت الأديبة الجزائرية عائشة بنور مع المحاضرين بمداخلتها عن الأدب الجزائري المعاصر.

وفي اليوم الثاني، قدم كل من الأستاذ الدكتور حسين علي عوفي والدكتورة كوكب سالم مداخلتهما، وقدم الأستاذ حسين علي عوفي الشاعر المميز ونائب رئيس المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام، مداخلة وجيهة أثار فيها إشكالية الانبهار بكل ما هو غربي، مستفسرًا ما إذا كانت العقلية العربية عجزت عن إنتاج منهج نقدي أو نظرية نقدية خاصة بها.

وأكد أن من المستحيل أن لا تكون للعرب نظريتهم الخاصة، وقد تخلى الغرب عن 70 نظرية تمامًا، ونحن ما زلنا متمسكين بتلك المناهج التي لا تقترب من أذواقنا، موضحًا أن اللغة العربية لغة بلاغة وإعجاز بإمكانها أن تفرض حضورها الأدبي، “فلماذا هذا الإجحاف بحق اللغة، وبحق التراث العظيم الذي ورثناه من أجدادنا العظام؟، وإذا فعلنا ذلك فسنعيد هيبة الأدب باحتلال المكان الذي يستحقه، علينا أن لا نقلد الغرب في كل شيء، بل نكوّن للغتنا أدبًا أصيلًا، وإعادة النظر والإنصاف لأدبنا العربي”.

فيما شاركت الدكتورة كوكب سالم بمداخلة مكتوبة عن التجربة العراقية في إبداع الرواية الناتجة من رحم المعاناة، وهناك كتاب عراقيون تناولوا هذه التجارب عن المرأة والعنف الذي تتعرض له النساء، منهم الشاعرة والقاصة والروائية وفاء عبد الرزاق التي تميزت بتصوير هذه التجارب في رواياتها، وخصوصًا في “راقصة الجديلة والنهر”، التي تناولت ما شهدته مدينة الموصل الحدباء من أحداث يونيو عام 2014 بدخول عصابات داعش للمدينة وقهر أهلها واحتلالها، ثم امتداد مخالب هذه العصابات لتنال من السلام لأقلية مهمة من أقليات مدينة الموصل وهم الشعب الإيزيدي، وما قامت به من قتل وتنكيل وتهجير ومطاردتهم على جبل سنجار.

وشهدت الندوة مناقشات ومداخلات حية وثرية من قبل الحضور من أنحاء العالم، وتجاوز عدد المشاركين في اليومين الأول والثاني 350 مشاركًا في كل يوم. وقدم الأستاذ عبد الفتاح صبري اقتراحه بإقامة مثل هذه الندوات كل سنة، لما لها من نفع كبير للمهتمين بالثقافة العربية.

وفي الختام، شكر مدير المؤتمر الافتراضي مجيب الرحمن، كافة المحاضرين والمتداخلين والمشاركين، وكل من أعان وتعاون في إقامة المؤتمر الافتراضي على هذا المستوى الراقي من ناحية التنظيم والتنسيق والعرض والمحتوى والمشاركة، وشكر بوجه خاص مدير أكاديمية التميز بالهند الدكتور صابر نواس محمد وفريقه التقني على حسن التنظيم والإعداد التقني، والمنسقين الآخرين الدكتور عبيد الرحمن، والدكتور محمد قطب الدين، كما عبر عن خالص تقديره لرئيسة المنظمة الدكتورة وفاء عبد الرزاق على دعمها وتعاونها الكبير في إقامة جميع الفعاليات والأنشطة الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88