إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

مشكلة أفكار أم سوء فهم للأفكار

ما زلنا غارقين وعالقين في مشكلة تعدت الزمان والمكان، لم نتمكن بعد من تجاوزها، والانتقال إلى مرحلة أخرى أكثر تطورًا ونضجًا، وكأننا ننتمي إلى بيئة لا تؤمن ولا تمارس ثنائية (الفكرة ومحاولة فهم الفكرة) أو دعني أقول: ثنائية العلاقة بين الكاتب و القارئ، وهي المفترض بها أن لا تكون سطحية تفتقر إلى التفاهم، لأن ما يميّزها هو الفكر، كوسيط يولّدُ باستمراره كاتبًا متّزنًا متميّزًا، يقابله قارئ ميّال إلى الاعتراف بالحقيقة، والاتفاق معها، أو الإتيان بحجته إن كان يعارضها، بعيدًا عن إبداء رفضٍ مبهمٍ للطرح، لا يفسّره سوى سوء فهمه للنص جملة وتفصيلًا.

الحديث عن الفكرة كمشكلة، يجعلني أتحدث عن معايير (الصدق في الطرح، وواقعيتها فضلًا عن بعدها عن الذاتية المطلق) التي لا تجنح بها نحو التوسّع والامتداد، واستقطاب أفكار أخرى جديدة، وهذا ما ينتجه شرط (التداول) ما يمكن اعتباره مستوى أكثر تطورًا ونضجًا، يصل إليه الكاتب في طرح أفكاره، ما يضع القارئ في حالة استجابة فورية، تعكسها ردود الفعل الموافقة والمعارضة، وإن لم تحقق ذلك -الاستحابة- فعلى الأقل تحقق القبول.

ما سبق يقودنا إلى مفهوم “التواصل” الذي ينشده الكاتب من خلال خطابه (السياسي، الأدبي، الفلسفي أو الديني)، ففي النهاية ما يرجوه كاتب النص، هو وصوله إلى أكبر عدد ممكن من المخاطَبين ومن ثم فهمه فهمًا صحيحًا، طبعا في حدود الفئة المقصودة به؛ فليس كل خطاب بالضرورة هو مُوجَّهٌ إلى الجميع، وهذا ما يستوجب على القارئ أن يعيه ويدركه؛ ما يمنحه فرصة أكبر للفهم والتحليل والتدقيق قبل التدخل، فليس كل قارئ صالح للمناقشة، كون شرط الفهم الصحيح للنص لم يتكون لديه بعد، وهنا أقول بضرورة وإلزامية قراءة النص أكثر من مرة، فما كان غامضًا في القراءة الأولى سيتضح في الثانية والثالثة، … وهكذا دواليك.

الأمر الذي يضعنا أمام مشكلة أشد من مشكلة (طريقة طرح الفكرة) وهي (سوء فهم الفكرة) التي سيتبعها نقاش غير صالح ولا مجدٍ، يزيد الخطاب تعقيدًا وغموضًا، ما يعني أنه يجب على القارئ بداية أن يكون على دراية بالموضوع ومجاله، قبل فتحِ نافذةٍ لا تُطلُّ على منفعةٍ، فهي مجرد ثرثرة لا تسمن الكاتب، فيستزيد منها، ويدعم بها رؤيته التي تناول فيها الموضوع من زاوية محددة دون سواها، ولا تغني المتابع من جوعه للحقيقة والمعلومة المفيدة.

هذا الطرح يتضح بجلاء في العمل الروائي، على سبيل الذكر لا الحصر، أين يبتعدُ القارئ غير الناقد الحصيف بمقصود الكاتب ابتعادًا تامًّا، يشوّه واجهة النص ويبدّد عمقه، وهذا ما يطلق عليه (التأويل) الذي -وحسب اعتقادي- إن زاد على حده انقلب إلى ضده، أي يكون عاملًا مضمونًا لإفساد الذوق وعدم التلذذ بالنص، فبدلًا من تأثير الكاتب على القارئ (المتلقي) يحاول الأخير وبجهد مضنٍ وتفانٍ غيرِ مسبوقٍ، ولا معهودٍ، ولا متَّزنٍ، ولا مُمَنهجٍ أو مدروسٍ، أن يؤثر بتأويلاته على غيره من القراء، بعيدًا عن أعين الكاتب.

وعليه، فالكتابة إلى عامة الناس تتطلب حسبي خطابًا مباشرًا، لا يحتمل أي تأويل، ليبقى بهذا مفهوم الأَلفِ(ألفًا) ومفهوم الباءِ (باءً) ولا يثير أي شكٍّ أو ريبٍ في النفوس الضعيفة، كما أن محاولة الفهم والتأويل والتداوُل، لا تخرج على النص الأصلي بالزيادة أو النقصان.

بعكس الكتابة لغيرهم (لغير العامة، النخبة) فيكفي أنها ستضع النص بين أيدٍ أمينةٍ، وإن تم تأويل النص أو الفكرة، فسيحافظ على توجُّهِهِ السليم، دون النأي به عن أصله، أو تحريفه وعرضه على حججٍ لا تخدمه بشيء؛ أي: الاعتراض بـ(لا) من أجل الاعتراض وحسب.

الكاتب الجزائري/ طارق ثابت

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اعتقد ياستاذي انها مشكلة سوء فهم الافكار
    طرحك جميل ومواضيعك اجمل كجمال روحك واخلاقك

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88