إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

عفو وصبر

في سورة النحل يقول تعالى ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ﴾ (126).

يأمر سبحانه وتعالى بالعدل في الاقتصاص والمماثلة في استيفاء الحق، فإن أخذ منكم رجل شيئا فخذوا منه مثله. وكانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين، فأسلم رجال ذوو منعة في فتح مكة.

وما رواه البيهقي عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة وقد مثَّل المشركون به) وكان ذلك في أحد؛ فإن المشركين جدعوا أنفه، وقطعوا أذنه، وبقروا بطنه، واستخرجوا كبده، فالرسول صلى الله عليه وسلم وقف على عمه وهو في تلك الحال، فقال: «لأمثلن بسبعين منهم مكانك».
وقد قيل في هذه الآية أنها (نزلت عند الثأر للتمثيل بسيدنا حمزه، ونزلت عند فتح مكه).

وهناك أحوال تستوي فيها الروايتان في الصحة، ويكون نزول الآية عليهما معًا بعيدًا؛ لتباعد الزمان.

فهذه الرواية عن أبي هريرة رضي الله عنه فيها أن الآية نزلت يوم أحد.
وهناك رواية أخرى رواها الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة، فمثلوا به؛ فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً كهذا لنربين عليهم) يعني: لنزيدن، من الربا، والربا هو: الزيادة.

فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله هذه الآية.

فالرواية الأولى تذكر أن هذه الآية نزلت في غزوة أحد، وغزوة أحد كانت في السنة الثالثة، والرواية الثانية رواية أبي تذكر أن هذه الآية نزلت يوم الفتح، والفتح كان في السنة الثامنة، فكيف يفسر ذلك؟

يمكن تفسيره بطريقين:

أولًا: أن الآية قد تم تكرار نزولها تعظيمًا لشأنها وتثبيتا لما ورد فيها مرة يوم أحد ومرة يوم الفتح، وهناك أمثلة، فقالوا: الفاتحة نزلت مرتين، مرة في مكة ومرة في المدينة. وقالوا: آية الروح نزلت مرتين، مرة في مكة جوابًا على سؤال المشركين، ومرة في المدينة جوابًا على سؤال اليهود. لكن بعض العلماء أنكر مسألة تكرار النزول هذه؛ لذا نذهب للاحتمال الآخر.

ثانيًا: العمل بإحدى الروايتين وإهمال الأخرى.

أي إما أن نصدق بنزولها يوم أحد أو يوم الفتح، وفي الحالتين نتعلم منها مدى أهمية الصبر، والعفو والصفح وتغليبه على جانب أخذ الحق بالمثل، فرؤيةرسول الله لأحبته ممثلا بهم يفطر القلب ناهيك عن كل ذاك الألم والتعب من أذى قريش له طوال دعوته بمكة قبل الهجرة.

لكنه محمدًا خير البشر وأكثرهم إحسانا.

كم يتشدق بعضهم بقلبه الأسود ولا يدرك أن المؤمن لا يبيتن إلا وقلبه فارغ من حقد وحسد.

الانتصار للذات آفة سقيمة تورث حب الانتقام ومن ثم يجثم كظل مارد على كيانه فيقتل كل فرصة لعفو وتسامح، بل ويحرم الإنسان ذاته من عيش هانئ بعيدًا عن قيد الحقد.

تسامح فإن كنت مظلومًا تارة فأنت ظالم مرات.. ولا ريب.

نسأل الله عفوًا وإحسانًذا.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88