إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

كليم الله

نكمل قصة سيدنا موسى.. إذ ناداه ربه عند الشجرة في جبل الطور.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ (31)

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ، فألقاها موسى، فصارت حية تسعى.

(فَلَمَّا رَآهَا) موسى (تَهْتَزُّ) يقول: تتحرك وتضطرب (كَأَنَّهَا جَانٌّ) والجانّ واحد الجِنّان، وهي نوع معروف من أنواع الحيات: ولى موسى هاربًا منها وفارًّا منها، (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي ولم يرجع على عقبه.

وقيل: أي لم يلتفت من كثرة الخوف، فطمأنه ربه وأنه آمن مما يرى ثم قوله: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أي: في جيب قميصك تخرج بيضاء من غير برص.

وقيل: فخرجت كأنها المصباح، فأيقن موسى أنه لقي ربه.
وقوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ) يقول: واضمم إليك يدك.
(وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ) قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الجناح. والكفّ: اليد. وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.

وقوله: (مِنَ الرَّهْبِ) أي: من الخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية.
وهذا إعجاز عظيم من الله تعالى، وبرهانان لفرعون وقومه الكافرين المتكبرين.

قال موسى: (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ) مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ (نَفْسًا فَأَخَافُ) إن أتيتهم فلم أُبن عن نفسي بحجة (أَنْ يَقْتُلُونِ) لأن في لساني عقدة، ولا أبين معها ما أريد من الكلام.

(وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي): أي يبين لهم عني ما أكلمهم به، فإنه يفهم ما لا يفهمون. وقيل: إنما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخير كانت النفس إلى تصديقهما أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد.
وبالفعل استجاب له ربه وأعطاه ما طلب.

قال الله تعالى لموسى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ): أي نقوّيك ونعينك بأخيك. تقول العرب إذا أعزّ رجل رجلا وأعانه ومنعه ممن أراده بظلم: قد شدّ فلان على عضد فلان، وسيجعل الله لهما سلطانا أي حجة بالغة وسينصرهم الله على فرعون و من معه (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ): فلا يصل إليكما فرعون وقومه بسوء.

فلما جاء موسى فرعون وملأه بأدلتنا وحججنا بينات أنها حجج شاهدة بحقيقة ما جاء به موسى من عند ربه، قالوا لموسى: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته من قبلك وتخرّصته كذبا وباطلا (وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا) الذي تدعونا إليه من عبادة من تدعونا إلى عبادته في أسلافنا وآبائنا الأولين الذين مضوا قبلنا.
فرد عليه موسى ردًّا بليغًا بأن الله أعلم من منا الصالح، -يا فرعون- ومن المبطل الذي يستحق المحق، ومن الذي جاء بالرشاد إلى سبيل الصواب والبيان عن واضح الحجة من عنده، ومن الذي له العقبى المحمودة في الدار الآخرة منا، وهذه معارضة من نبيّ الله موسى عليه السلام، لفرعون وجميل مخاطبة.

فاستمر فرعون في كبره وغيه وأمر وزيره هامان أن يطبخ له الآجر فيبني له صرحًا عظيمًا، أي قصرًا حتى يطلع حسب زعمه إلى إله موسى تكذيبًا منه واستكبارًا.

فلما بُنِي له الصرح، ارتقى فوقه، فأمر بِنُشابة فرمى بها نحو السماء، فردّت إليه وهي متلطخة دما، فقال: قد قتلت إله موسى تعالى الله عما يقولون.

واستمروا في الاستكبار والتكذيب؛ فأغرقهم الله تعالى في اليم وقيل: اليم بحر من وراء مصر، وجعلهم الله وقومه أئمة يأتمّ بهم أهل العتوّ على الله والكفر به. يدعون الناس إلى أعمال أهل النار (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ).

الدروس التربوية:

١-الكبر وما أدراك ما الكبر الذي أخرج إبليس من الجنة، وبعض الناس يدفعهم المتملقون إلى زيادة الاستكبار فيملؤونهم زهوا وتكبرًا، ولكن اعلم أن موقف الحساب لن يقف فيه معك أحد من كاذبي الدنيا خاصة أهل السلطات والمناصب؛ فعليهم الحذر وترك الغرور.

٢- بعض الناس يرى الحق أمامه جليًّا، ومع هذا ينكره، وهذه آفة الآفات فمن غير المنطق أن أظل على رأيي تمسكًا، فقط لأبقى على حق ولا أتنازل عما صرحت به، حبذا لو حاسبنا أنفسنا وفكرنا وتراجعنا عن الباطل فهذا يسلم المجتمع الويلات والخلافات، خاصة بين أفراد الأسرة الواحدة، فالانتصار الدائم للذات يورث النفور والشقاق.

وكثيرًا ما نحتاج إلى مساند ومعين في شؤون حياتنا، فلا غضاضة من أن نستعين بمن يكمل مهامنا بقدراته ولا يتكبر الإنسان عن ذلك.

جعلنا الله وإياكم من أهل الرشد والصلاح.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88