إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

تجديد الخطاب الاجتماعي

تجديد الخطاب الاجتماعي وترميمه، يُصبح واجبًا مع انتقال الخطاب الإعلامي من التركيز على السياسة إلى أدبيات ونظريات الحركات الاجتماعية، وأبرزها التظاهرات، وما تفرزه من مفاهيم وسلوكيات جديدة في المجتمع العراقي، تتجسد بشكل واضح في ساحات الاحتجاج التي تحمل إلى جانب مقاصدها السياسية، الرغبة في التغيير الاجتماعي.

المثقف العضوي، سيكون عاملًا حاسمًا في توجيه النقلات الاجتماعية، بما يمتلكه من أدوات اختبار وتشريح في تفكيك العقد الاجتماعية، الناجمة عن الجهل والانغلاق على العالم طيلة عقود، فضلًا عن الاشتباكات السياسية التي رسمت اتجاهات متخبطة في التطور الاجتماعي.

وإذا كان دور المثقف يتلخص في توجيه بوصلة التغيير، وتنظيم السطوح الاجتماعية الجديدة، فإنه وبحكم وعيه سيكون حريصًا على الموروث الثقافي والعُرفي، وأن لا يجعل من الإبدال فرصة للانفصال عن التاريخ، وحتى الجغرافيا، فيما يتوجب عليه تأطير النشاطات الثقافية للحركات الاجتماعية والبحث في الدوافع الاحتجاجية وتفسيرها لأصحاب السلطة والقرار السياسي.

المٌتوقّع، هو تقدّم الأنتليجنسيا والأيديولوجيات، الصفوف في التظاهرات التي تجاوزت كونها فعالية سياسية إلى اجتماعية تفصح عن إرهاصات الجيل الجديد، ورنينه المتميز في أسلوب الحياة، وتطلعه إلى أعراف مجتمعية جديدة، بحكم الانفتاح الذي تفرضه محرّكات التواصل العالمي.

من مخرجات التظاهرات، انحسار النظرة الدونية المُتبناة من قبل النخب الاجتماعية والسياسية تجاه أفراد المجتمع البسطاء والفقراء الذين يتمكنون اليوم من امتلاك ناصية الخطاب، وقيادة الشارع، وفرض المطالب، والتحكم في الأزمة، وهو متغير اجتماعي يحتّم على المثقف العضوي تشريحه على منضدة التنظير والتطبيق.

أكثر من ذلك، فانّ على الأنتليجنسيا العراقية، الانتساب إلى الدور التوجيهي القيادي الميداني في المجتمع، لاةسيما الاحتجاجات، بدلًا من الانكباب فقط على الأعمال الذهنية المعقدة، ذلك أن دورها يتجاوز التنظير إلى ترسيخ الفعل الاجتماعي الجديد، الذي يجب أن لا ينصرف من دون رياسة توجّهه نحو الأهداف المقصودة بعيدًا عن الوجهات العرضية التي يمكن لها أن تحل محل الهدف النهائي.

تعوق التظاهرات الشعبوية في العراق والدول الأخرى، المفهوم الذي يرَكَن المثقف في أبراج من الترف الفكري المحض، المتعالي على التفاصيل اليومية في مجتمعه، وما يجب أن يحدث اليوم هو العكس تمامًا، ذلك أن الكثير من الثوريين الاجتماعيين في العالم استلهموا التحليلات والإستراتيجيات من التفاصيل الصغيرة، التي رصدوها من تفاعلهم الميداني مع الناس وحثهم إلى عدم الارتهان إلى الخيالات والأوهام، التي تعشعش في برامج تنميط الجهل.

يتحدث كتاب “صعود الأنتليجنسيا” بالإنكليزية عن النخبويين الثقافيين الذين يرون أنفسهم موظفين مفكرين تابعين للدولة الحديثة، ولم يتفاعلوا مع التظاهرات الشعبية التي أسقطت النظام الشيوعي في بولندا، مثالًا لا حصرًا.

ويُعرّف الفيلسوف (كارول ليبيلت) نخب الأنتليجنسيا في كتابه “عن حب الوطن” الذي صدر العام 1844، بأنهم الأشخاص المتعلمون الذين يتعهدون بتعميق الأخلاق في ثورات التغيير.

وكان للأنتليجنسيا الدور في مشاريع التأميم في أواخر القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة التي أسست لها الجماعات اليسارية، وكان لها الريادة في ترصين الحركات الاجتماعية الحديثة في فرنسا، وجّسدت الطليعة في التظاهرات التي قادها الشيوعيون في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي في أوروبا وحتى الولايات المتحدة.

في العراق، فإنّه لا مناص من نزول الطليعة المثقفة إلى الشارع؛ لاستيعاب تجربة شباب محتج خرج من بقايا أتون أجيال الحروب، وأن تكون حركة المثقف، جدية وعملية، لا حالمة فقط، على طريقة هنري ديفيد ثورو، الذي قال “عندما أسمع الموسيقى، لا أخشى أي خطر، أنا محصن”، ذلك أن استيعاب المتغير الاجتماعي العاصف الذي تجسده احتجاجات العراقيين يحتاج إلى ما هو أكثر من رنين الآلات.

الكاتب العراقي/ عدنان أبوزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88