إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

هجمة إعلامية مضادة

الروبورتاج الذي بثته القناة الخامسة التلفزيونية الفرنسية، حول الحراك، واستَشهدَت فيه بشباب من مختلف الأعمار والفئات، المتعطشين للديمقراطية والحرية -حسبها- وهم ينادون بالحرية الجنسية والميوعة الأخلاقية، وغيرهما من الأفكار المسمومة التي يريدون تسويقها إلى شبابنا المسلم الحر المتمسك بقيَمه، وتراثه، وعاداته وتقاليده، والأكثر من ذلك: بعروبته، ودينه، هو تشويه لحقيقة الحَراك من جهة، الأخير الذي قام من أجل تغيير واقع ساد فيه الفساد الإداري والسياسي، حتى استفحل في جسد أمتنا الجزائرية، وهي الحقيقة التي لا تخفى على أحد، ومن جهة ثانية تشويه لحقيقة الشباب الجزائري المنضبط، الملتزم الواعي بمدى أهمية المرحلة الراهنة، وأهمية المحافظة على سلامة وأمن وطنه، ووقوفه درعًا وسورًا وحاجزًا منيعًا ضد كل العواصف التي تريد إسقاط حجاب الستر عن الجزائر المحروسة.

الإعلام الفرنسي الموجوع والمنكوب، لم يستطع إخفاء ألمه وألم حكومته، جراء الخسارة الفادحة، بعدما سقط القناع عن شياطين الإنس المندسين بين الصفوف الجزائرية، وفضحهم والزجّ بالكثير منهم في غياهب السجون، وما زالت لغة “المنجل” هي السائدة لحد كتابة هذه الأسطر، والتي باركها كل جزائري حر، آمَن بضرورة التغيير الذي لن يكون إلا بتصفية الطريق من هؤلاء الشياطين الآدميين وتطهيرها منهم بالكامل،ةعلى شاكلة الذين تحدثوا في الروبورتاج باسم الحراك، يُظهرون زورًا حبهم للجزائر، وينادون بأفكار تتنافى تمامًا والحقيقة التي يجب أن تكون وتتوفر في الفرد الجزائري المحافظ غالبًا، بينما ما شاهدناه يعكس انحلالاً أخلاقيًّا بأتم معنى الكلمة.

فهل هؤلاء من يمثلون الشباب الجزائري الحقيقي، وحراك 22 فبراير 2019 المبارك، قبل أن يتم تمييعه بأمثال من ظهروا في الروبورتاج؟

بيدَ أني أعيد توجيه دفّة تفكيري وتحليلي، لأكون أكثر ملامسة للواقع الذي أراد الإعلام الفرنسي تسويقه عن الحراك، لأقول: صحيح أن من تم الاستشهاد بهم في الروبورتاج، من شباب جزائري يحمل فكرًا منحرفًا، هم في الحقيقة يمثلون جزءًا من حراك 22 فبراير، ولكن بعد أن نجحت محاولات طمس معالمه وأهدافه السامية النبيلة، المنصبّة في تخليص البلاد من أخطبوط امتدت أذرعه المفسدة، لتطال كل كبيرة وصغيرة، وتصافح العابثين بأمن البلاد، لتأتي الهبّة الشعبية في أول ظهور لها، بمثابة المقص الطاهر الذي فصل رؤوس الفساد عن الجسد المنهك من فرط الفساد.

الإعلام الفرنسي لم ولن يتوقف عن هجماته، التي يسعى جاهدًا من خلالها، لإصابة أكبر عدد ممكن من الشباب، كونهم الفئة المستهدفة، وطريق التغيير والقوة، فضلًا عن كونه الاستثمار الحقيقي، الأخير الذي إن لم يكن محصّنا كما يجب، سَهُل اختراقه ومن ثم الإطاحة به، ليتحوّل من حامٍ للبلاد والعرض والتخوم، عصيٍّ على العدو، إلى مجردِ مِعوَلِ هدمٍ لا يُعوَّل عليه، يتبنى أفكارًا شيطانيّة بعدما تمت عملية شيطنته بنجاح، وتأليبه على وطنه وأبناء جلدته وتاريخه المجيد.

الشباب الجزائري، عليه أن يأخذ بزمام المبادرة هذه المرة، وأن يكون أكثر إصرارًا من ذي قبل، على تقلد المناصب، وممارسة السياسة والنّفاذ إلى دواليبها وأروقتها بثقة وإيمان راسخ بنفسه وقدرته على تحقيق الأفضل، وترجمة أفكاره إلى واقع ملموس، يعود بالنفع على الوطن والمواطنين، وأن يدرك أن ممارسة السياسة ومحاولة فهمها، ضرب من ضروب الجهاد ضد الفساد والمفسدين، ولأكون أكثر وضوحًا فيما أقول، فأنا لا أقصد من الشباب، إلا الصالح منهم، الفطن، الصادق، المتعلم بحق، صاحب التوجه السليم، والفكر الوسط لا المتطرف(تشدُّدا أو انحلالًا)، الذي لا ينسلخ عن هويته وعقيدته، أو يفرّط فيهما تحت أي ظرف، أما الشباب المتشبّع بأفكار قدماء الفساد، المساند لها والمدافع عنها، فيجب التصدّي له، وقطع الطريق أمامه، لأن السماح له بالولوج للساحة، سيكون بمثابة إعادة نفس السيناريو القديم، كمن زرع في جسده ورمًا خبيثًا مرة أخرى، بعدما تخلص منه بعملية جراحية مستعصية.

كما يتعيّن على الإعلام هو الآخر و القائمين عليه، الوقوف جنبًا إلى جنبٍ مع كلّ ما يخدم مصلحة الوطن الواسعة لا مصلحة الأفراد الضيّقة، وأن لا تتوقف مهامه على الدفاع عن ثوابت الأمة فقط، بل حتى في ردّ الهجوم الإعلامي، بآخر يُصحّح الخطأ المُروَّجِ له، من إعلامٍ نحسبه عدوًّا ولا نحسبه غير هذا أبدا.

وما استدعاء السفير الجزائري بفرنسا، من طرف الخارجية الجزائرية قصد التشاور فيما اعتبر إساءة للشعب والحكومة الجزائريين، إلا دليل على أن الجزائر باتت تفكر في علاقاتها مع هذا البلد، الذي ما زالت تعشّش لديه ذهنية المستعمر، ولم يستطع التخلص منها، رغم ما تدّعيه فرنسا من تحضر وتمدّن، وما بينها وبين التحضر بوْنٌ شاسع، كما أن شعب الجزائر زاد يقينًا بأنه لن ترضى عنهم فرنسا، مهما أظهرت من ودٍّ؛ فالسمُّ المُندسُّ داخله خطير وخطير جدًّا على الفرد، والمجتمع، والقيم، والدين، والثوابت، وأمن البلاد واستقرارها.

لذلك.. وكختام لما بدأناه، نحن بحاجة ماسة ومُلحّة إلى إعلام محترف، والذي لن ينجح في مهامه سوى بإعلاميين محترفين، يعرفون بالضبط ما يفعلون، بعيدًا عن التهريج أو محاولة إدخال فرحة مصطنعة أو ترفيه ساذج للمتلقي؛ فالمسألة أكبر بكثير من مجرد ترفيه وإمتاع، بقدر ما تحمله من جدية ومسؤولية، لا مناص من تحملها وإدراكها.

الكاتب الجزائري/ طارق ثابت

مقالات ذات صلة

‫51 تعليقات

  1. استاذ عياف المنيفي،ما ورد في المقال ليس رأيا فرديا،هو رأي الشارع و الحكومة و النخبة الجزائرية عزيزي.وقد استدعينا سفيرنا في فرنسا للتشاور فيما حصل .
    مقالاتي لا أبنيها قبل الإطلاع الجيد على مايدور في الساحة السياسة عندنا.لنخرج برؤية موضوعية جامعة .
    تحياتي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88